محاورة غير متشنجة مع عبدالرحمن عمسيب

 


 

 

زرياب عوض الكريم

ليست ثمة قيمة لبحث ما إذا كانت همة الناشط الذي لمع نجمه بعد إنتفاضة الخُبز (ديسمبر 2018) وفي غمرة تحولاتها المؤجلة ، قد تشكلت كإنتقام من الأنتلجنتسيا الهرمة التي صادرت أحلام جيلها الشاب نهاية الثمانينات - بداية التسعينات في تخوم المونوبول (المركز) وجغرافيته المفيدة (البديلة) ، تلك الأحلام الوردية في أيلولة قيادة التغيير (الطفيف) الذي تأخر موضوعياً عقداً من الزمن أو يزيد ، إليها عقب فصل الجنوب.

الجيل الذي لم يشهد خسارة الأنتلجنتسيا لصراع إسترداد مكانتها في 1985 ، ولا يكاد يعرف شيئاً عن طبيعة ذلك الصراع المعاد إنتاجه في 2019 أو أيدلوجيته وديناميات عنفه الدامي وسنوات الرصاص خلال العشرية المظلمة 1990، لم تنتقل إليه القيادة.

طيلة عقد من التسعينيات فشلت الجبهة الإسلامية للقوميين الشماليين ، في تأسيس طبقة حكم جديدة خارج الاوليغارشيات القبلية الزبونية الفاسدة ، والبنية السيكروقراطية الأمنية التي لعبت دور الإثنيات المساندة - في السنوات الأولى من الصراع ، السنوات التالية من دولة الغنيمة. (عبدالوهاب الأفندي - الإصلاح والثورة 1995).

حاول جيل مابعد السنوات الضائعة 1990 أن يلتفت للداخل قليلاً ، أو الهروب من الإستحقاقات التاريخية ، أن ينأى بجغرافيته المفيدة - عن مخاضات الصراع التنموي المكلفة حتماً في الأطراف ، التحدي الثقافي في الشرق والتحدي السياسي في الغرب.

التطلعات البرجوازية الخالصة لهذا الجيل المتصالح مع الحتميات الثقافية لدولة 1820 وتكوينها العُنفي القسري ، والمتصالح مع تاريخ الإستعمار الجديد في 1956 تصطدم أول إصطدامها بالإستحقاقات التاريخية للاقاليم المستبعدة والمغيبة.

الهروب من الإستحقاقات التاريخية للمستبعدين (المهمشين) من تكوين دولة 1820 الكولونيالية وإستمراريتها في 1956 ، لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال حرب جديدة وهو ماكان في 15 إبريل 2023.

جيل القطيعة الثقافية مع الصراع الأيدلوجي الذاتي داخل الأنتلجنتسيا الشمالية ، الجيل غير الملتزم فكرياً ، المتطلع برجوازياً ، السائل ثقافياً ، المتصالح تكتيكياً أو تأريخياً مع تجربة الأسلمة ، فشل في إنتزاع القيادة من النخب الهرمة داخل النظام نفسه أو إقناعها بنقلها إليه ، في إختطاف الزخم الثوري ، وفي ملامسة الأجندة السياسية للغرب.

هزيمة ذلك الجيل كانت باكرة عكس ثورات الربيع العربي التي إستغرقت سنوات للإقرار بهزيمتها في الإنتقال من جمهورية الستينيات (سوريا) أو إعادة إنتاجها (تونس).

واحدة من مظاهر الهزيمة الذاتية للجيل البرجوازي الجديد للانتلجنتسيا الشمالية ، هو ردة المساهمين في الحراك البرجوازي السابق لتاريخ ديسمبر ، عن الإيمان بالثورة التي إستبعدتهم طبقياً من قيادتها ، هو عودتهم إلى مواقعهم الأولى بطريقة مختلفة ، بطريقة إنتقامية ، حيث عبدالرحمن عمسيب في اليسار ، هشام الشواني في اليمين ، وبينهما ميكافيلية معمر موسى المتأرجحة.

تحول هؤلاء إلى ذئاب منفردة ، تخوض مجموعة صراعات تخريبية ، صراعات ثأرية في قالب أيدلوجي ، حتى وإن تلبست لبوس الحرب الثقافية والخطاب المؤسسي للحرب القذرة.

مشكلة عمسيب انه أنضج فكرياً من هؤلاء ، كشخصية قلقة غير كلاسيكية التفكير ، فائضة الوعي ، في وسط نخبوي لدولة عميقة يعاني فائض الأيدلوجيات (الوعي الزائف) وفائض العنف - (فجوة الفعل). وهو يشبه إلى حد كبير شخصية أحمد سليمان المحامي ومهمته الإنتقامية 1989.

مهمة خطاب الجرعة الحمراء العنصري ، خطاب التحليل الثقافي للصراع ، الذي يوجهه المؤثر الإجتماعي والناقد السياسي القلق إلى مجتمعات الجغرافيا المفيدة التي تخوض الحرب معنوياً وتدافع عن الإستبداد وترفض التغيير (الإصلاحي) الذي تجترحه الأنتلجنتسيا الكمبرادورية في الخرطوم منذ 70 عاماً وتنتخب الأنظمة الشمولية دفاعاً عن مصالحها من أجل إستقرار طويل ، لن يؤدي لثورة هذه المجتمعات الزبونية غير مكتملة الوجود الهوياتي.

إنما سيؤدي للتعجيل بتبني ذات النخبة الكمبرادورية - الإصلاحية خطاب المظلومية المضادة المتحايلة والرافضة للتغيير الهيكلي ، أو تجديد شرعيتها الوجودية لقرن آخر ، شرعية فرق تسد divide and rule التي يدمنها جنجويد (قندتو) لا شرعية الأمننة التي يعدمها جنجويد (الضعين).

ما من قيمة مرة أخرى لتجنيس مهمة عبدالرحمن عمسيب ، أهي مهمة باسم يوسف القذرة (مصر) أو مهمة مروان الغفوري (اليمن) ، التي فشلت في تبؤها النسخ الرديئة (جلحة) و (تراجي) سابقاً ، لكنه تصدى لمهمة فرانسيس بيكون التاريخية (القطيعة المعرفية) ضد نخبته التي تعاني أوهام المسرح ، فمن يتصدى للعائلة السياسية لقوة الدعم السريع التي تعاني أوهام القبيلة ؟

إنتهى.

northernwindpasserby94@gmail.com

 

آراء