عربان الشتات …افك رخيص وعمي ايديولوجي و عداوة للنفس

 


 

هشام عثمان
12 September, 2024

 

د. هشام عثمان

الحديث عن قبائل البقارة وتاريخهم في السودان يثير الجدل حول الهوية والانتماء في سياق السرديات التاريخية والاجتماعية التي ترتبط بالقوميات المختلفة في السودان. الادعاء بأن البقارة "عربان شتات" هو اتهام يحمل طابعاً تقليلياً وتقويضياً لتاريخهم، ويتناقض مع العديد من الحقائق التاريخية والاجتماعية التي تثبت عمق انتماء البقارة للأرض السودانية ودورهم الكبير في مواجهة الاستعمار ومساهماتهم في تشكيل الهوية السودانية المتنوعة.

### 1. **الهوية العرقية للبقارة:**
البقارة هم جزء من القبائل العربية التي هاجرت إلى السودان في أزمنة مختلفة، واستقرت في مناطق وسط وغرب السودان. هم خليط من العرب والأفارقة، ويمثلون نموذجاً للتعايش والتزاوج بين الثقافة العربية والإفريقية. وعلى مر القرون، أسهموا في بناء النسيج الاجتماعي المتنوع في السودان.

وصفهم بـ"عربان شتات" يقلل من حقيقة أن الهوية العرقية في السودان هي نتاج عملية معقدة من التمازج الثقافي والتاريخي. السودان، بتنوعه العرقي واللغوي، يمثل نموذجاً للاختلاط بين مختلف القوميات، وليس من المنطقي تصوير جماعة عريقة مثل البقارة كمجرد "عربان شتات".

### 2. **دور البقارة في مقاومة الاستعمار:**
على مدار التاريخ السوداني، لعبت قبائل البقارة دوراً بارزاً في مقاومة الاستعمار البريطاني والمصري. كان لهم حضور قوي في الصراعات التي شكلت المقاومة الوطنية ضد الهيمنة الأجنبية. من خلال مشاركتهم في الثورة المهدية، على سبيل المثال، كان البقارة جزءاً من الجيوش التي قادت المقاومة ضد الاستعمار. لم يكن هذا الدور هامشياً أو عابراً، بل كان جزءاً من النضال السوداني العام لتحرير البلاد من النفوذ الأجنبي.

### 3. **التاريخ في السودان:**
قبائل البقارة تعيش في السودان منذ قرون، وتعتبر جزءاً من التركيبة السكانية الأصيلة للبلاد. هذه القبائل اعتمدت تاريخياً على الرعي والزراعة وامتلكت نظاماً اجتماعياً متكاملاً. في الغرب السوداني، أسهم البقارة في إقامة نظم اجتماعية واقتصادية وثقافية مستقرة. كانوا دائماً في قلب التطورات السياسية والاجتماعية في السودان، سواء في فترات الاستقرار أو النزاعات.

### 4. **السياسة والهوية في السودان الحديث:**
الفرية التي تتهم البقارة بأنهم "عربان شتات" قد ترتبط بتوترات سياسية واجتماعية معينة بين القبائل والمناطق المختلفة في السودان. هذه التوترات قد تكون نتيجة للأوضاع السياسية الحالية والتنافسات على السلطة والموارد. ومع ذلك، فإن الحقيقة التاريخية تثبت أن البقارة لعبوا دوراً جوهرياً في تشكيل السودان الحديث، وأن لهم جذوراً عميقة في أرض السودان، وليست لهم صفة الطارئين أو الهامشيين.

### 5. **السرديات الاجتماعية ومخاطر التشويه:**
تصوير البقارة بهذه الطريقة يندرج ضمن سرديات تهدف إلى تقسيم المجتمع السوداني وإضعافه من خلال تكريس الهويات الفرعية والطائفية. مثل هذه الروايات تعتمد على التشويه والإقصاء، وتتنافى مع الواقع التاريخي والاجتماعي الذي يؤكد أن السودان يتشكل من تفاعلات معقدة بين مختلف القبائل والمجموعات العرقية.

الادعاء بأن البقارة "عربان شتات" هو محض افتراء لا يعكس الحقائق التاريخية ولا يراعي عمق تواجدهم في السودان ودورهم الكبير في مقاومة الاستعمار والمساهمة في بناء الوطن. السودان بتاريخه الطويل هو نتاج لتفاعل قبائل ومجموعات متنوعة، والبقارة جزء لا يتجزأ من هذا التاريخ.
افتراء الدرديري محمد أحمد على تاريخ البقارة قد يكون نتاجًا لمجموعة من العوامل المرتبطة بالأيديولوجيا الشخصية والصراعات السياسية والاجتماعية التي تلعب دورًا كبيرًا في تشكيل الخطاب. يمكن تفسير دوافع هذا الافتراء من خلال زاويتين رئيسيتين:

### 1. **العمى الأيديولوجي:**
العمى الأيديولوجي يشير إلى تعصب فكري يمنع الفرد من رؤية الحقائق التاريخية والاجتماعية بموضوعية. الإسلامويون، ومن ضمنهم الدرديري محمد أحمد، يتبنون في بعض الأحيان رؤى ضيقة للعالم تقوم على تقسيم المجتمع إلى فئات موالية أو معادية حسب الولاءات الأيديولوجية أو السياسية. في هذا السياق، قد يعتبر الدرديري أن البقارة، رغم تاريخهم المعروف في مقاومة الاستعمار وعمق تواجدهم في السودان، لا يتماشون مع رؤيته السياسية أو الأيديولوجية للإسلاموية أو للحكم.

الإسلامويون في السودان، خاصة خلال حكم نظام الإنقاذ، كانوا يميلون إلى تبني سرديات تعمل على إقصاء أو تقليل من شأن بعض المجموعات العرقية أو القبلية إذا تعارضت مصالحهم السياسية أو الدينية مع تلك المجموعات. هذا النوع من العمى الأيديولوجي يمكن أن يؤدي إلى تبني مواقف متحيزة تجاه البقارة، ومحاولة تشويه تاريخهم أو تقليله.

### 2. **عداوة النفس والصراعات الداخلية:**
في بعض الأحيان، الدوافع وراء مثل هذه الاتهامات قد تكون أكثر تعقيدًا وترتبط بصراعات داخلية وشخصية. قد ينطوي الافتراء على رغبة في تعزيز النفوذ الشخصي أو السياسي عن طريق تحقير بعض المجموعات التي قد تُعتبر تهديدًا لمصالح الفرد أو جماعته.

البقارة كمجموعة لها تأثير سياسي واجتماعي في مناطق واسعة من السودان، وقد يمثلون منافسًا سياسيًا أو اجتماعيًا في سياق الصراعات المحلية أو القبلية. بالتالي، يمكن أن يكون الافتراء جزءًا من استراتيجية أوسع تهدف إلى تقويض شرعيتهم أو دورهم التاريخي، بغية تحقيق مكاسب شخصية أو سياسية.

### 3. **الإقصاء والتقسيم الاجتماعي:**
في سياق الصراعات السياسية في السودان، لطالما استخدمت بعض القوى السياسية خطاب الإقصاء والتفريق بين المجموعات العرقية والقبلية لتعزيز سلطتها. قد يكون الدرديري، بتبنيه هذه السردية، يساهم في تقسيم المجتمع السوداني بناءً على هويات فرعية، ما يعزز الاستقطاب ويعمق النزاعات بين مختلف المكونات الاجتماعية.

يبدو أن افتراءات الدرديري محمد أحمد على تاريخ البقارة قد تكون مزيجًا من العمى الأيديولوجي وعداوة النفس. سواء كانت دوافعه مرتبطة بالتعصب الأيديولوجي للإسلاموية، أو بصراعات سياسية وشخصية، فإن هذه المواقف تساهم في تقسيم المجتمع السوداني وإضعاف النسيج الاجتماعي.

يتبع

hishamosman315@gmail.com

 

 

آراء