دعم التدخل الدولي.. مطلب وطني!!(1-2)

 


 

د. عمر القراي
17 September, 2024

 

د. عمر القراي

(وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِن قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَن سَوَاءِ السَّبِيلِ)
صدق الله العظيم

لقد صدر تقرير البعثة الدولية المستقلة، لتقصي الحقائق بشأن السودان، التابعة لمفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الانسان، والأمين العام للأمم المتحدة. وعرضت فيه نتائج تحقيقاتها في انتهاكات القانون الدولي لحقوق الانسان، والقانون الإنساني الدولي، والجرائم ذات الصلة، المرتكبة في السودان، في سياق النزاع الذي اندلع في منتصف نيسان / ابريل 2023م. ولما كان عمل البعثة سيكون أكبر اثراً، لو سمح لها بزيارة السودان، والحديث مباشرة مع ضحايا الحرب، فقد ذكرت في بداية تقريرها، أنها تواصلت لهذا الغرض، مع السلطات السودانية، أربعة مرات، وطلبت زيارة السودان، لكنها لم تتلق أي رد من الحكومة، وأكدت أنها لا تزال راغبة في ذلك. بالمقابل ذكر تقرير البعثة، أن قوات الدعم السريع، قد أرسلت الى رئيس مجلس حقوق الانسان، من خلال المفوضية السامية لحقوق الانسان، في 20 ديسمبر 2023م، وعرضت التعاون الكامل، مع بعثة تقصي الحقائق، وتابعت هذه المراسلات، في يوليو 2024م.

ذكر التقرير أن البعثة حصلت على معلومات مباشرة، من خلال مقابلات مع الضحايا، واسرهم، وشهود العيان، والعاملين على خط الاستجابة الأول، ومصادر أخرى، بما في ذلك زيارة البعثة الى تشاد، وكينيا، واوغندا، ومصر، ومقابلة 67 امرأة و115 رجلاً. وكانت البعثة، كما ذكر في تقريرها، قد أرسلت مسودة التقرير الى حكومة السودان في 23 أغسطس 2024م، على أن تعلق على بعض المغالطات الوقائعية خلال أسبوع، أي بحلول تاريخ 1 سبتمبر 2024م، ولكنها لم تتلق أي رد. بل إن اعلام الحكومة، ووزارة خارجيتها، رفضوا البعثة، وأكدوا عدم تعاونهم معها، وكأن البعثة جهة متطفلة، تتدخل في شأن السودان بلا مبرر، والحق خلاف ذلك.

فالسودان حسب ما جاء في تقرير البعثة، طرف في سبع، من المعاهدات الدولية الأساسية التسع، لحقوق الانسان، بما في ذلك العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وهو أيضاً مشارك في اتفاقية مناهضة التعذيب، وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية، أو اللا أنسانية، أو المهينة. والاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري. والاتفاقية الدولية للقضاء على جميع اشكال التمييز العنصري، وبروتوكولها الخاص بشأن اشتراك الأطفال في المنازعات المسلحة. ولم ينضم السودان الى اتفاقية القضاء على جميع اشكال التمييز ضد المرأة (سيداو). ولكنه طرف من اتفاقيات جنيف لعام 1949م، وكذلك بروتوكوليها الاضافيين لعام 1977م. كما أن قواعد القانون الدولي العرفي، واجبة التطبيق، وملزمة لجميع اطراف النزاع. والسودان طرف في اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية، والمعاقبة عليها. وقد وقع على نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، لكنه لم يصادق عليه. ومع ذلك أدرجت الحالة في دارفور، ضمن اختصاص المحكمة الجنائية الدولية، منذ 1 يوليو 2002م بموجب قرار مجلس الأمن رقم 1593 (2005). أما على المستوى الإقليمي فإن السودان طرف في الميثاق الافريقي لحقوق الطفل، والميثاق الافريقي لحقوق الانسان والشعوب، والميثاق العربي لحقوق الانسان.

ذكر التقرير كل المساعي التي بذلت لإيقاف الحرب، بدأ من مجلس السلم والأمن الافريقي، التابع للاتحاد الافريقي، الذي دعا لوقف فوري لإطلاق النار في 16 أبريل 2023م، وفي 27 أبريل 2023م اعتمد خارطة طريق لتسوية النزاع في جمهورية السودان، وتضمنت الدعوة الى وقف شامل للعدائيات. ثم مساهمة منظمة "الايغاد" بتقديم خارطة طريق في 12 يونيو 2023م. ثم ذكر التقرير محادثات جدة، بين الجيش والدعم السريع، في 1 مايو 2023م، وتوقيع ميثاق جدة، الذي بموجبه التزم الطرفان بحماية المدنيين في السودان، واحترام القانون الإنساني والدولي، وقانون حقوق الانسان، والسماح باستئناف العمليات الإنسانية، وحماية العاملين والأصول في المجال الإنساني. وذكر التقرير أن الالتزامات لم تنفذ. كما أشار التقرير الى اتفاق المنامة بالبحرين، والذي كان في يناير 2024م. وهو الاتفاق الذي وقعة الفريق كباشي نيابة عن الحكومة، والفريق عبد الرحيم دقلو نيابة عن الدعم السريع، وصمتت عنه الحكومة صمت القبور. ثم ذكر التقرير اجتماع جنيف في أغسطس 2024م الذي عزى التقرير اليه فتح الحدود امام المساعدات.

جاء في التقرير ان عدد الذين قتلوا بسبب الحرب 18800 شخص، والمصابين من جرائها 33 ألف شخص. وانه حتى أغسطس 2024م نزح 10.7 مليون مواطن داخل السودان، ولجأ حوالي 2 مليون في دول الجوار.

أكد التقرير أن معظم الذين قتلوا من المدنيين، قتلوا نتيجة القصف الجوي لطيران الجيش. واعتبر ان الهجوم بالطيران الذي قام به الجيش، والقصف المدفعي الذي قام به الدعم السريع، لأهداف مدنية، دون التوجه الى هدف عسكري محدد، خرق للقانون الإنساني، والقانون الدولي.

أدان التقرير كلا الجيش والدعم السريع، بتهمة تدمير، ونهب، وسرقة، واحتلال بيوت المواطنين. وتدمير البنى التحتية، وشبكات المياه، ومحطات الكهرباء. كما ادان تدمير المساكن بواسطة الطيران. وكيف أن الجيش بذلك، مسؤول عن ترك آلاف المواطنين بلا مأوى. وأتهم التقرير الدعم السريع، بالقيام بعمليات نهب واسعة النطاق. وذكر أن هناك مدنيون لحقوا بالنهب، وقطاع طرق، ولصوص شاركوا فيه. اتهم التقرير الدعم السريع بالاعتداء على المساليت بدارفور. واعتبرها جريمة عنصرية. وذكر أن حالات اغتصاب يدفعها الحقد العنصري، حدثت من الدعم السريع لنساء المساليت. كما ذكر التقرير أن الاغتصاب الذي انتشر في معظم مناطق الحرب، يعزى الى حد كبير، الى رجال يرتدون زي قوات الدعم السريع. وفي دارفور يعزى الى مسلحين متحالفين مع الدعم السريع. كما ذكر التقرير حالات اغتصاب، وعنف جنسي، وتهديد بالاغتصاب، نسبت الى الجيش، والى المخابرات العسكرية. كما ذكر التقرير البلاغات التي تلقتها البعثة، عن الاستغلال الجنسي ضد النساء والفتيات، ارتكبها الجيش، مقابل الغذاء، في المناطق الخاضعة لسيطرته.

وجاء في التقرير أن كلا الجيش والدعم السريع، مارسا تجنيد الأطفال، واشراكهم في القتال. كما ذكر أن اعداد من الأطفال قتلوا، نتيجة الغارات الجوية للجيش على المدارس. وذكر مثال مدرسة ابتدائية في منطقة هدرا جنوب كردفان، تعرضت لقصف من طيران الجيش، وقتل بها 11 طفل وأصيب 46 طفل.

وأشار التقرير الى أن كل من الجيش والدعم السريع، مارسا اعتقال المواطنين الأبرياء، بصورة تعسفية، ومهينة، ودون أمر قضائي، في نقاط التفتيش، وحبسهم في أماكن مكتظة. كما أشار أن كلا الطرفين قام بالتعذيب لأسرى من الطرف الآخر.

جاء في توصيات اللجنة:

1- ضرورة الوقف الفوري لإطلاق النار وإنهاء القتال.

2- نظراً لإخفاق طرفي الصراع في حماية المدنيين، حتى الآن، توصي البعثة بنشر قوة مستقلة، ومحايدة، مكلفة بحماية المدنيين.

3- الامتثال لقرار حظر الأسلحة القائم في دارفور، عملاً بقرار مجلس الأمن رقم 1556 (2004)، والقرارات اللاحقة. ويوسع نطاق القرار، ليشمل البلد بأسره، ويجب أن يتوقف توريد الأسلحة، والذخائر، وأي دعم مالي أو لوجستي، لأطراف النزاع.

4- يجب أن يوسع مجلس الأمن اختصاص المحكمة الجنائية الدولية، ليشمل كامل أراضي السودان، والتعاون مع المحكمة، من خلال تسليم جميع الأشخاص المتهمين، بما فيهم الرئيس السابق عمر البشير.

5- تحقيق العدالة الانتقالية، من اجل معالجة قضية المساءلة بشكل كامل، وتوفير العدل للضحايا. ولا بد من حوار شامل، وإنشاء آلية قضائية دولية منفصلة، تعمل جنباً الى جنب مع المحكمة الجنائية الدولية، وتكمل كل منهما الأخرى، فضلاً عن لجنة تقصي الحقائق، ولجنة جبر الضرر.

ومع أن تقرير لجنة تقصي الحقائق خطوة في الاتجاه الدولي الصحيح، إلا أن هنالك قصور شابه في ايراد الحقائق، وفي التحليل، ومن ذلك:

1-لم يذكر من الذي بدأ الحرب. ولم يشر الى انه حاول الوصول لهذه المعلومة ولم يوفق، مع أن هذا امر في غاية الأهمية. لأن من بدأ الحرب، حريص على استمرارها، ولا يريد ايقافها، ولذلك يفشل كل محاولات السلام، ومن هنا فإن كل الانتهاكات التي تحدث تكون مسؤوليته فيها مضاعفة.

2-ذكر التقرير جميع المحادثات لإيقاف الحرب، وأنها فشلت، لكنه لم يحدد الطرف المسؤول عن هذا الفشل. ولم يذكر أن الدعم السريع كان جاداً في كل المحادثات، وحريصاً على المشاركة فيها، بينما الجيش كان مراوغاً، ومتردداً، وكاذباً، وحتى منكراً، لبعض ما وقع عليه، كما حدث بخصوص وثيقة المنامة. كما ذكر التقرير محادثات جنيف، وعزى اليها فتح المنافذ، امام الإغاثة. ولكنه لم يذكر أن الجيش رفض أن يرسل ممثليه لتلك المحادثات، بينما كان الدعم السريع، حاضراً، ومشاركاً، في جميع اجتماعاتها.

3- ذكر التقرير أن ما أوصل السودان الى هذا الوضع، هو انقلاب الجيش والدعم السريع، على الحكومة المدنية، التي كانت سائرة نحو تحقيق الديمقراطية، في 25 أكتوبر 2021م. ولكنه لم يورد أن قائد الدعم السريع، خرج الى الشعب، واعتذر عن مشاركته في الانقلاب، وادانه، ووصفه بأنه تم لإعادة رموز النظام البائد، الذي ثار عليه الشعب، للسلطة مرة أخرى، وكل ذلك قبل الحرب.

4-أدان التقرير طرفي النزاع، على تحطيم البنى التحتية، والمرافق العامة، ومحطات المياه والكهرباء. ولكنه لم يذكر أن تحطيم كبري شمبات، وخزان جبل أولياء، وكبري الحلفاية، ومصفاة الجيلي للبترول، ومصفاة المجلد، ومصنع سكر الجنيد، ومصنع سكر عسلاية، والعمارات الكبرى في الخرطوم، دمرها الطيران التابع للجيش.

5- ادان التقرير طرفي الصراع، على تعذيب الأسرى. ولكنه لم يذكر حقيقة أن الدعم السريع قد قام وبشهادة الصليب والهلال الأحمر، بإطلاق سراح حوالي 1000 من الاسرى، بينما لم يطلق الجيش اسيراً واحداً. كما انه حين ذكر أنواع التعذيب، مثل الربط، والجلد وغيرها لم يذكر أن الجيش زاد على الدعم السريع، بقطع الرؤوس، وبقر البطون، والتمثيل بالجثث.

6- أدان التقرير قصف الطيران للمدنيين، وذكر أنه قتل اعداد من الأطفال، وحمل مسؤوليته للجيش. ومع ذلك لم يطالب بحظر الطيران في السودان.

7- ذكر التقرير اعتقال المدنيين في نقاط التفتيش، واهانتهم، وضربهم، ونسب ذلك لكل من الدعم السريع والجيش. ولكنه لم يذكر الاعتقالات الطويلة، للنشطاء السياسيين، والتعذيب الذي يتلقونه في مكاتب جهاز الأمن، حتى الموت، كما حدث للشاب، الذي ثارت من أجل مقتله مدينة كسلا. وكلها جرائم مسؤول منها الجيش والحكومة، ولم يحدث مثلها فظاعة، في معتقلات يشرف عليها الدعم السريع.

رفض الجيش ورفضت حكومة بورتسودان الخاضعة للإخوان المسلمين، تقرير لجنة تقصي الحقائق، مثلما رفضت زيارتها للسودان، ورحب بها الدعم السريع.

والآن ستتجه محاولات اعلام الاخوان المسلمين، لشيطنة اللجنة، وقراراتها، وشجب التدخل الدولي، واتهام من يقبله بالخيانة والعمالة، وعدم الوطنية!! مثلما فعلوا بكل من نادى بإيقاف الحرب في بدايتها. ولكن الحقيقة التي ستبقى في الأرض، بعد أن يذهب زبدهم جفاء، وهي أن دعم التدخل الدولي في السودان، الآن، عمل وطني عظيم.

15 سبتمبر 2024م

 

آراء