مُذَكَّرَات مُغتَرِب في دُوَلِ الخَلِيجِ العَرِبي (٢٢)

 


 

 

ذكرتُ في الحَلقةِ السَّابقةِ أنَّ العامَ الدِّراسي ٢٠٠٢ - ٢٠٠٣ م كانَ حافلاً بأحداثٍ جِسام . كُنَّا قد خَرجْنا مِن مُضَيِّفِنا في الخفجي عقبَ صلاةِ المغرب مُباشرةً ويَمَّمنا صوبَ الدَّمام في جوٍّ صافٍ وخالٍ من السُّحبِ والرِّياح . كان الطريقُ السَّريع بينَ الخفجي والدمام آنذاك خطّاً واحِداً للرَّايحِ والغادِي ، وهو طريقٌ ضيِّقٌ يُشبِه طريقَ الخٌرطوم مَدني بازدحامِه وكثرةِ حوادِثه. ما إنْ قَطعنَا مسافةَ ٤٠ كم حتى تَعرَّضنا لِحادِثٍ بَشِع . كنتُ أقودُ سيّارة كريسيدا موديل ٨٦ وكنتُ مُتجِها غرباً والخَطُّ على يساري يَعُجُّ بالشاحِناتِ المُتجِهة نحو الخفجي والتي تَبيَّنتُ منها أربعاً. ظهَرتْ مِن خلفِ الشاحنات سيارةٌ بيضاءَ ( كابرس صابونة ) كما كانوا يُطلِقونَ عليها. وكانَ سائِقُها عَجِلاً يخرجُ مِن خَطِّه يُناوِرُ ثُمّ يعودُ راجِعاً خلف الشاحنات . وبعد بُرهةٍ قصيرةٍ قرَّرَ المُغامرةَ والخُروجَ من خطِّ الشاحنات حتى ينطلقَ مُسرِعاً. اتَّجَه السائقُ نحوي وقامَ بتشغيلِ أنوارِه السَّاطِعة فيما يُشبه التَّحذِير . قمتُ أنا بتشغيلِ الأنوارِ التَّحذِيرية وخَفّفتُ مَن سُرعةِ السَّيارة وحاولتُ المَيلَ يساراً لأُفسِحَ له مجالاً يُمكِّنهُ من المُرورِ أو النُّزولِ عن الأسفلت إلى التُّراب . إلا أنَّ كُلَّ ذلك لمْ يُجْدِ نَفعَاً . فكأنَّما الحادِث قدراً مقدُورا. وأخيراً وقعَ ما حاوَلنا تَفادِيه بِكُلَّ السُّبل . اقتَحمَ الرُّجلُ سيّارتَنا وجهاً لِوَجه ومع سبقِ الإصرارِ والتَرَصُّد . اصطَدمَ بالنَّاحِية اليُمنى من سيارتِنا حتى يَستَطيعَ النُّزول عن الأسفلت بعد ذلك فقد كانَ يظُنُّ أنَّ المَسألةَ خفيفةٌ وتأدِيبِية لهذا السَّائق الذي لمَ يترُكْ له المَسار حتى يَنطَلق . أمَّا الصَّدمةُ فكانتْ قويةً وعاتِيةً جعلتْ سيّارتَنا تدُورُ دورةً كاملةً حول نفسِها وتتوقَف عند المكانِ الذي حدثَ فيه الحَادِث. نزلَ صاحبُ الكابرس أخيراً إلى التُّراب بعيداً عن مكانِ الحادِث. وتَوقَفتْ حركةُ السَّير القادِمة من الخفجي تماماً . نزلتُ أنا بعد أنْ فتحَ أحدُ الذين هُرِعوا إلينا بابَ السَّائِق بِصُعُوبة . طبعاً تهشَّم زُجاجُ السيارة داخِلها وخارِجَها . نزلتُ حافي القدَمين عاري الرأس بعد أنْ طارتْ العِمامَة والشَّال والطاقِية ولكنَّني لمْ أُدركْ ذلك إلا بعد دُخولي لِمُستَشفى الشَّركة العَربية للزيت بالخفجي بعد أنْ حَملَني ذلك الرُّجل - الذي فتحَ لي البابَ - بسيارته وطلبَ إسعافَ المُستَشفى لِيَحمِل الباقينَ من أسرتي. أُصِبتُ بِجُرحٍ غائرٍ في باطنِ قدمي اليُمنى وبِضَربةٍ في رأسي كانتْ نتيجةً لاصطدامي بِعجَلة القِيادة . أدَّت تلك الضَّربةُ إلى ارتِجاجٍ في المُخ . حَملتْ سيّارةُ الإسعافِ بقِيّةَ الأُسرةِ إلى المستشفى كذلك . كانتْ الزَّوجةُ تَحمِلُ في حُضنِها طِفلَها الأخير الذي لمْ يَبلُغْ الثالِثة من العُمر واسمُه " مُهنّد " ، وكانَ " أسامة " يجلسُ خلفَها تماماً وعن يسارِه يجلسُ " عمر " و " أحمد " على المقاعِد الخَلفِيّة . اتْصَلَ الرُّجلُ " المُسعِف " من هاتفي الجَّوال على الأستاذ عادل العمدة وأبلَغهُ خبرَ الحادِث ، فَوَجَدناهُ بانتِظارنا عند بابِ الحَوادِث / الطَّوارِئ .

محمد عمر الشريف عبد الوهاب

m.omeralshrif114@gmail.com

 

آراء