مُذَكِّرَات مُغتَرِب في دُوَلِ الخَلِيجِ العَرَبي (٣٨)
محمد عمر الشريف عبد الوهاب
25 October, 2024
25 October, 2024
استلمنا جداولَ الحِصص وكان نصابُنا الأسبوعي ٢٠ حصة . كنّا ثلاثةَ سودانيين في قسمِ اللغة الإنجليزية والذي كانَ يضُمُّ سبعةً من المصريين وثامنُهم المَدعو رئيسُ القِسم . إتَّضحَ لنا بعد عامٍ ونصفِ العام من التدريس في هذه الغابةِ المصرية أنَّ رئيسَ القسم كان يحملُ شهادةَ البكالوريوس في اللغة الألمانية ولا علاقةَ له باللغة الانجليزية. ولقد ظهرَ ذلك وانكشفَ لنا إثرَ شِجارٍ مع أحدِ الزُّملاءِ المصريين بسببِ فقدانِ ورقةِ أحدِ الطلاب أثناءَ تصحيح المادة بعد امتحانِ الفترة الأولى من عامِنا الثاني معهم . أبلغَني الأستاذ المُتَّهم بتضييعِ الورقة - وكان قريباً منَّا - بحقيقةِ السَّيّد رئيسِ القِسم وعرضَ عليّ صورةً من شهادة " الرَّيس" كما كانوا يُطلقونَ عليه ، وكانتْ "ليسانس" في اللغة الألمانية ! أي والله العَظيم . والعجبُ العُجاب أنَّه يُديرُ هذا المنصَب - رئيس قسم اللغة الانجليزية - منذُ خمسةٍ وعشرين عاماً . كانتْ الفصولُ ممتلئةً بالطُّلاب ويتراوحُ الفصلُ بين ال ٣٥و٤٠ طالباً. وطبعاً تكونُ المعاناةُ في ضبطِ الفصول أكيدةً طالما أنَّ الأغلبية من الجِنسية المصرية. ظننتُ أنَّ الفوضى ضاربةٌ بأطنَابها في كلِّ الفصول . كان استخدامُ العصا مسموحاً به ولكنَّه متعبٌ على أيَّة حال مع هؤلاء القومِ من سُلالة " رقَّصني يا جَدَع " !
صارَ رئيسُ القِسم يعامُلني بطريقةٍ خاصةٍ عندما عَلِم أنّني أحملُ ماجستيراً في اللغة مصحوباً بخبرةٍ طويلةٍ ، ليس احتراماً ولا خوفاً وإنّما تنكيلاً في السِّر لم أستَبِنه إلا بعد فواتِ الأوان . اكتشفتُ Oh , too late , أن المَدعُو رئيسَ القسم قد عيَّن في كل فصلٍ أدَرِّسُه طالباً يقومُ باثارةِ الفوضى والشَّغب حتى أنشِغلَ عن التدريس وأستجيبَ للاستفزازات بالضَّربِ والطَّرد ( ولا أقولُ إلا الحَقَّ ) ، وفعلاً كنتُ أضربُ وأطرُد المشاغبين خارجَ الفصل ، وقد نجحتُ في ضبطِ معظمِ الفصول إلا أنَّ ذلك أتعَبني ولفتَ انتباهَ الإدارة وصاروا يُرسلونَ إليّ تنبيهاتٍ بين الفينةِ والأخرى .
زِدْ على ذلك ما تسمعُ وترَى أثناءَ فسحةِ الفَطُور وأنتَ واحدٌ من المُشرفين على السَّاحةِ الفَسِيحة . طلابٌ يركُضونَ وآخرون يأكُلونَ ويلعَبونَ ويلعَنونَ بعضَهم بعضاً بأقذعِ العبارات ولا رادعَ يردَعُهُم إذ كانت الأعدادُ كبيرةٌ والنفوسُ صغيرةٌ والتربيةُ فقيرةٌ . قال أحدُ الأساتِذة مِن نفسِ الفَصِيل :" الشقق ضيقة وهم مقفولين فَلازِم يفَضفَضوا هنا !!! سيبُوهم ياخدُوا راحتهم" ولك أنْ تُكرَّر العِبارة أعلاه باللهجةٍ المصرية حتى تُدرك ما كنَّا فيه من المهازِل ووجعِ القلب وفقعِ المَرارة !!!أما أيامُ الامتحانات فكانتْ تَتَنزَّلُ فيها الشياطينُ فتاخذَ مُعظمَ الذِّمم من رؤساءِ الأقسام وتضعُها على سطحِ الطابق الثالث ولا تَردَّها إلا بعد انقضاءِ جلستي الامتحانات يومياً . يأمرُ رئيسُ القسم في يوم امتحان مادته أستاذَ فُلان ليصعدَ الى الصَّف التاسع Grade 9 ليُساعدَ أستاذ سمير في المُراقبة ، والمساعدةُ مفهومةٌ ضِمناً بأنها للطلاب . فيقوم فلان طائعاً ويصعدُ السَّلالمَ ثم يقومُ باللاّزم في الصف المُحدَّد ! ولقد رأيتُ بأُمِّ عينَي السيد رئيس القسم - تَبَعْنا - يقومُ بالاملاء على ابنِ وكيلِ المدرسة عندما خلا المسرحُ من جميع المُمتَحَنين ولم يبقَ إلا ذلك الطالب . وكذلك رئيس قسم الرياضيات يلعبُ نفسَ الدَّور مع ابن مدير المدرسة في قاعةٍ أخرى ! والله على ما أقولُ شَهِيد . فكيفَ - بالله عليكم - يُمكنكَ العملَ في بيئةٍ كهذه وانتَ تعملُ عملاً شريفاً تربوياً يرفعُ الجَاهِل ويسمو بالوَضِيع !!! فإن كان المُعلِّم وضيعاً ذليلاً لا تَهمُّه إلا المادةُ و "أكلُ العَيش" فعلى الدُّنيا السَّلام وما دمتَ تعملُ وسطَ غابةٍ من الغِشِّ والتَّدليس وأصحابِ الذِّممِ المَثقُوبةِ ، فلا بُدَّ أنْ تُصِيبكَ منهم مَعرَّة إنْ لم تنجُ بِجِلدِك .
محمد عمر الشريف عبد الوهاب
m.omeralshrif114@gmail.com
صارَ رئيسُ القِسم يعامُلني بطريقةٍ خاصةٍ عندما عَلِم أنّني أحملُ ماجستيراً في اللغة مصحوباً بخبرةٍ طويلةٍ ، ليس احتراماً ولا خوفاً وإنّما تنكيلاً في السِّر لم أستَبِنه إلا بعد فواتِ الأوان . اكتشفتُ Oh , too late , أن المَدعُو رئيسَ القسم قد عيَّن في كل فصلٍ أدَرِّسُه طالباً يقومُ باثارةِ الفوضى والشَّغب حتى أنشِغلَ عن التدريس وأستجيبَ للاستفزازات بالضَّربِ والطَّرد ( ولا أقولُ إلا الحَقَّ ) ، وفعلاً كنتُ أضربُ وأطرُد المشاغبين خارجَ الفصل ، وقد نجحتُ في ضبطِ معظمِ الفصول إلا أنَّ ذلك أتعَبني ولفتَ انتباهَ الإدارة وصاروا يُرسلونَ إليّ تنبيهاتٍ بين الفينةِ والأخرى .
زِدْ على ذلك ما تسمعُ وترَى أثناءَ فسحةِ الفَطُور وأنتَ واحدٌ من المُشرفين على السَّاحةِ الفَسِيحة . طلابٌ يركُضونَ وآخرون يأكُلونَ ويلعَبونَ ويلعَنونَ بعضَهم بعضاً بأقذعِ العبارات ولا رادعَ يردَعُهُم إذ كانت الأعدادُ كبيرةٌ والنفوسُ صغيرةٌ والتربيةُ فقيرةٌ . قال أحدُ الأساتِذة مِن نفسِ الفَصِيل :" الشقق ضيقة وهم مقفولين فَلازِم يفَضفَضوا هنا !!! سيبُوهم ياخدُوا راحتهم" ولك أنْ تُكرَّر العِبارة أعلاه باللهجةٍ المصرية حتى تُدرك ما كنَّا فيه من المهازِل ووجعِ القلب وفقعِ المَرارة !!!أما أيامُ الامتحانات فكانتْ تَتَنزَّلُ فيها الشياطينُ فتاخذَ مُعظمَ الذِّمم من رؤساءِ الأقسام وتضعُها على سطحِ الطابق الثالث ولا تَردَّها إلا بعد انقضاءِ جلستي الامتحانات يومياً . يأمرُ رئيسُ القسم في يوم امتحان مادته أستاذَ فُلان ليصعدَ الى الصَّف التاسع Grade 9 ليُساعدَ أستاذ سمير في المُراقبة ، والمساعدةُ مفهومةٌ ضِمناً بأنها للطلاب . فيقوم فلان طائعاً ويصعدُ السَّلالمَ ثم يقومُ باللاّزم في الصف المُحدَّد ! ولقد رأيتُ بأُمِّ عينَي السيد رئيس القسم - تَبَعْنا - يقومُ بالاملاء على ابنِ وكيلِ المدرسة عندما خلا المسرحُ من جميع المُمتَحَنين ولم يبقَ إلا ذلك الطالب . وكذلك رئيس قسم الرياضيات يلعبُ نفسَ الدَّور مع ابن مدير المدرسة في قاعةٍ أخرى ! والله على ما أقولُ شَهِيد . فكيفَ - بالله عليكم - يُمكنكَ العملَ في بيئةٍ كهذه وانتَ تعملُ عملاً شريفاً تربوياً يرفعُ الجَاهِل ويسمو بالوَضِيع !!! فإن كان المُعلِّم وضيعاً ذليلاً لا تَهمُّه إلا المادةُ و "أكلُ العَيش" فعلى الدُّنيا السَّلام وما دمتَ تعملُ وسطَ غابةٍ من الغِشِّ والتَّدليس وأصحابِ الذِّممِ المَثقُوبةِ ، فلا بُدَّ أنْ تُصِيبكَ منهم مَعرَّة إنْ لم تنجُ بِجِلدِك .
محمد عمر الشريف عبد الوهاب
m.omeralshrif114@gmail.com