اوباما سوداني بقلم: فتح الرحمن شيلا

 


 

فتحي شيلا
27 November, 2008

 

 
بسم الله الرحمن الرحيم

التقيت بصديق امريكي من اصل عربي خلال هذا العام مرتين دار خلالهما حديث حول السياسة الامريكية في الدول العربية وموقفها من السودان ومايمكن ان يحدث من تغييرات في حال فوز الحزب الديمقراطي بقيادة اوباما كاول امريكي من اصل افريقي يتولي رئاسة الولايات المتحدة الامريكية. الصديق عضو في الحزب الديمقراطي وهو دبلوماسي سابق لصيق بالسياسة  الامريكية فاجاب بان العلاقات الامريكية العربية لم تكن سهلة لافي المستوي الثنائي بينها وكل دولة عربية على حدة ولا في المستوي الجماعي في علاقتها بالدول العربية كمجموعة باعتبار ان الولايات المتحدة دولة عظمي وان علاقات الدول العظمي بالدول الاخري لابد وان تشوبها الشوائب حتى في حال تلك الدول من الدول الكبري فمابالك بالدول المتوسطة او الصغيرة. وان في الولايات المتحدة العديد من الاجهزة الحكومية التى تعمل في السياسة الخارجية وكل منها يعمل على شاكلة ولذا نجد انه عند الازمات يتم تشكيل مجموعة عمل لادارة الازمة واكثر الاجهزة نفوذاً المخابرات المركزية ، وزارة الدفاع ، مجلس الامن القومي ، وكالة الامن القومي.

قد تتغير السياسة الامريكية تبعاً لانتقال السلطة من حزب لآخر مع الاخذ في الاعتبار بأنه ليست هناك فروق جوهرية في توجهات اى من الحزبين في السياسة الخارجية والدفاع  عما يعتبرونه مصالح الولايات المتحدة في العالم. الا ان اختيارات أوباما لقائمة فريقه للسياسة الخارجية خلال فترة الحملة الانتخابية تشير إلى توجهات مختلفة، ورغم أنها ضمت وجوها عملت سابقا في إدارة الرئيس كلينتون فإنها كانت من الوجوه التي عُرفت بتصادمها مع سياسات الإدارة آنذاك وسجلت في أوقات لاحقة نزاهة سياسية لافتة.  بل ان بعضهم من الداعين بإعادة تقييم العلاقات الأمريكية الإسرائيلية والدفع في اتجاه حسم الملف الفلسطيني على قاعدة الضغط على إسرائيل مقابل فتح قنوات الحوار المباشر مع الأطراف الفلسطينية والتفاوض المباشر مع إيران وسوريا وبقية حلفائهما في المنطقة بما في ذلك حزب الله. اما على صعيد القضية السودانية فأن اوباما يعطي قضية دارفور اهتماماً كبيراً منذ دخوله مجلس الشيوخ الامريكي ربما كونه ينحدر من جذور افريقية او بتأثير من بعض مستشاريه امثال سامانثا باور وسوزان رايس وقد عبر اوباما في ابريل 2008م عن رفضه التسرع في تطبيع العلاقات مع السودان مطالباً الحكومة الامريكية بان تربط التحسن في العلاقات الامريكية السودانية بتعاون السودان مع المجتمع الدولي في دارفور وفي المقابل فأن نائب الرئيس الامريكي الجديد السناتور بايدن سجل له موقف يدعو فيه لاستخدام القوة لفرض السلام في دارفور وذلك خلال جلسة الكونغرس التى استجوب فيها ناتسيوس عن دارفور. ربما تكون اللهجة المتشددة لاوباما او بايدن بشأن قضية دارفور قد فرضتها ظروف الحملة الانتخابية وفي اطار السباحة في تيار الاعلام الامريكي والغربي بشأن قضة دارفور.

وعلى عكس نظرية صمويل هنغتون بصدام الحضارات فان هناك اخذ ورد دائم بين الحضارات المختلفة ونزاع ينتج عن تضاد المصالح وعلى اية حال فان الدول الكبري لا تتحرك الا لدوافع انانية غالباً. والثابت ان الولايات المتحدة مستمرة في مساعيها للتوصل الى اتفاقيات تحفظ الامن والاستقرار وتحد من نشاط العنف والتطرف في العالم.

اعود لقيادة الرئيس الامريكي الجديد باراك اوباما والذي اكدت التحليلات السياسية انفتاح العقل السياسي الامريكي وقبول الواقع الجديد بانتصار ثورة افريقيا لفرض واقع جديد متوجاً بذلك نضال ثوار افريقيا من امثال باتريس لوممبا والرئيس جمال عبدالناصر والشريف حسين الهندي مناصر الثورة بقوة واخيراً الرمز الافريقي نلسون مانديلا وها هو اوباما يحصد ثمارها ويفوز مرتين امام ثلاث شخصيات امريكية خالية من الدسم هيلاري كلنتون وزوجها الرئيس الاسبق في حزبه الديمقراطي ومكين كمرشح للحزب الجمهوري وخاب ظن الكثيرين خاصة الاستاذ الكبير محمد حسنين هيكل الذي راهن على هزيمة اوباما وهيلاري كلنتون باعتبار ان امريكا لن تقبل رئيساً اسوداً او امرأة وعلى عكس ما هو مشاع فقد اثبت الشعب الامريكي انه متحضر فلاجاه  ولامال ولاوراثة تحدد مستقبلهم ويقول المحللين ان من اكثر العوامل التى ساعدت على فوز اوباما هو حديثه عن ضرورة تخطي الفوراق الحزبية والعرقية والثقافية وما احوجنا لمثل هذا الفهم في السودان. الديمقراطية هي حكم الاغلبية ومهما يقال عن الدول الكبري فان الممارسة الديمقراطية هي التى تحدد شكل الحكم ونظمه والمقارنة البسيطة بين مايجري في بلادنا من ممارسة للديمقراطية لثلاث حقب وبعد احتواء الصراع المسلح في الجنوب الذي استمر لمايقارب نصف قرن من الزمان نعود الان لمعالجة صراعات جديدة في الشرق والغرب وربما في الشمال اذا ما استمر الحال فنذر الصراع فسي شمالنا وارد في اى لحظة مالم نتعامل بالحكمة والموضوعية ودارفور تصبح بوابة للتدخل الاجنبي ومدخلاً لتعرض سيادة البلاد الى خطر وتهديد استقرار البلاد فالاتفاقيات المفضية الى سلام مهددة بالانهيار لتنازع الشريكين وتململ القوي السياسية الاخري في ظل محاولات لايجاد حل لازمة دارفور عبر ملتقي اهل السودان تغيب عنه قوي سياسية غير مبالية بما يمكن ان يحدث لاقدر الله لو تعثرت هذه الجهود فيما يحدث الان في العراق وقبله في الصومال وافغانستان فقد شهدت المرحلة ماقبل غزو تلك الدول ظروفاً مماثلة من تهديد من بعض المصادر الامريكية.

على احزابنا السياسية ان تدرك مسئولياتها قبل فوات الأوان وان تضع في اعتبارها ان تجربة اوباما الشاب الزنجي الذي تولي قيادة اكبر دولة في العالم قد تتكرر ونحن الاقرب الى المجتمع الافريقي بل نحن جزء اصيل نشكل عمقاً تاريخياً وجغرافياً للقارة ، كما لاتستطيع الاسماك الا ان تعيش في المياه فان احزابنا بتجاربنا سابقاً وحالياً لاتسطيع  ان تعيش الا في مياه السلطة فتنتهي بنهايتها كما هو الحال بالاتحاد الاشتراكي  في مايو واحزابنا في الديمقراطيات التى تنتهي مهمتها بمجرد قضاء نظام عسكري عليها فتعيش حالة التوهان السياسي نتيجة عدم الاعتماد على المؤسسية والممارسة الديمقراطية فهل يستفيد المؤتمر الوطني من هذه التجارب ام يكون حاله تكراراً للتجارب السابقة وعندها يصبح من الضروري والواجب قيام حزب جماهيري مؤسس على الديمقراطية يقوده احد ابناء شعبنا الكادح دون استناد على ارث تاريخي لتكرار تجربة اوباما ولعل شعبنا بتاريخه قادر على خلق قيادة شابة يلتف حولها جماهيرنا الباحثة عن الامن والاستقرار والخروج من النفق المظلم.
 

 

آراء