التجمع العربى… ومحاولة إلغاء الآخر فى دارفور!

 


 

 


2/2
helhag@juno.com
د. حسين آدم الحاج
الولايات المتحدة الأمريكية

إمتلأ بريدى الإلكترونى بالرسائل العديدة من أبناء دارفور وغيرهم المنتشرين حول العالم كثيرين منهم أصدقاء لى أكن لهم كل المحبة والتقدير, حيث أدلوا بتعليقاتهم على الحلقة الأولى من هذا المقال, وبرغم تراوح تلك الرسائل بين درجات الإستحسان والعتاب والإقتراحات ولفت النظر إلى جوانب موضوعية من قضية دارفور إلاَّ أنَّها جميعاً إتفقت على وجود مشكلة على درجة عظيمة من الأهمية تتطلب تكاتف كل أبناء دارفور بجانب كافة قطاعات الشعب السودانى لحلَّها حفاظاً على سلامة أهل الإقليم والمحافظة على ذلك النسيج الفسيفسائى الفريد فى تعدد القبائل وتنوعها كما أشار إليها بمتعة دكتور فتح الرحمن القاضى فى مقال نشر له قريباً بهذه الصفحة, وبالرغم من عدم تمكنى حالياً من الرد على معظم تلك الرسائل إلاَّ أننى أثمنَّها جيداً وأشكرهم على ملاحظاتهم وتعقيباتهم فقد أمدونى بالكثير من المعلومات الدقيقة التى خفيت عنى من تاريخ دارفور الحديث وطبيعة العلاقات الإجتماعية فيها بجانب بعض الوثائق سأحفظها فى إرشيفى الخاص, إنَّ الشاهد فى الأمر هو أنَّ أى بحث علمى جاد لا بد أن يترك أثراً فى محيط مجاله ومتلقيه وتبقى العبرة بتطوير الجوانب الإيجابية فيها وتقليل, أو تحييد, الجوانب السلبية, وهذا ما نود أن يحدث فيما يختص بالنزاع القبلى بدارفور.

ولقد تساءلنا فى منتهى الحلقة الأولى من هذا المقال عمَّا إذا حدث أى تغير أو تطور فى عقلية أهل التجمع العربى, أو ما يسمى بذلك, منذ تلك المذكرة التى رفعوها لرئيس الوزراء السيِّد الصادق المهدى فى أكتوبر 1987م, وردود الفعل التى صاحبتها حينها؟ يمكننا الإجابة على هذا التساؤل من خلال قراءة فاحصة للنشاط الإجتماعى العام, على المستويين المحلى والقومى, لمجموعة التجمع العربى ومقارنة ذلك بواقع الحال فى دارفور, إضافة إلى ردود فعل معظم شيوخ وأبناء القبائل العربية التى عبَّرت عن رفضها وإستنكارها لما يحدث فى الإقليم من خراب ودمار, و يمكننا من خلال هذه القراءة ملاحظة ثلاثة جوانب جديرة بالإهتمام, أولها أنَّ هذا التنظيم كاد أن يتلاشى بعد المذكرة التى رفعوها للسيِّد رئيس الوزراء بعد إستنكار معظم الفعاليات السياسية لها ونفور الكثير من الناس منها كرد فعل لذلك, وعلى حسب ما علمنا مؤخراً أنَّ أغلبية الذين وقعوا على تلك المذكرة تراجعوا عنها وأبدوا أسفهم للضجة التى صاحبتها, وذكروا بأنَّهم لم يقصدوا إثارة أى فتنة بل كان الأمر بالنسبة لهم مطالب منطقية لتنمية مناطقهم وإنصافهم فى المشاركة العادلة فى السلطة, وبدورنا فنحن نعتقد بأنَّ هذا هو الشعور الحقيقى ليس لأبناء القبائل العربية فقط بل و لكل أهل دارفور والمناطق المهمشة عموماً فكما قيل إنَّ المصائب تجمع المصابينا ومن أجل ذلك نشاهد نشوب هذه النزاعات على المستوى القومى؟ ولعلَّ الزيارة التى قام بها المهندس عبدالله مسار برفقة الدكتور أحمد بابكر نهار لمناطق الحركة المسلحة بشمال دارفور وقضاءهم نحو شهر فى تلك الرحلة للتوسط بين المسلحين والحكومة ما يدعم التوجه البنَّاء لدعم التعايش السلمى بالإقليم, بل أننا نلاحظ بروز بعض الشواهد فى ذات الإتجاه منها بيان "إتفاق للتعايش والتنمية في دارفور" الذى صدر بالخرطوم قبل أقلَّ من شهرين وقعَّه كل من الناظر محمد يعقوب العمدة ناظر قبيلة الترجم ورئيس وفد القبائل العربية في وحول جبل مرة والسلطان صلاح الدين محمد الفضيل آدم رجال, السلطان المكلف لقبيلة الفور, اللذان توصلا فيه لأتفاق شامل ينهي حالة الإقتتال والإحتراب بالمنطقة, وقد أكدا فيه أنَّ القبائل العربية في وحول جبل مرة وقبيلة الفور قد تعاهدت وتواثقت على العيش بسلام لا رجعة فيه, كما نبذا مبدأ الإقتتال بصورة جادة وحازمة إنطلاقا من تعاليم الإسلام الحنيف وإهتداءاً بإرث دارفور في معالجة النزاعات, وتعاهدا فيه على القيام بطواف مناطق النزاع لتهدئة الخواطر ولجم فوهات البنادق تحقيقا للتعايش السلمي والولوج في تنمية دارفور, وبدء صفحة جديدة مؤكدين أن ما يصيب الفور سيصيب العرب وما يصيب العرب سيصيب الفور أيضاً (صحيفة ألوان 17/11/2003م), ومن الواضح أنَّ هذا البيان يعكس فطنة قيادات الإدارة الأهلية الذين للأسف تمَّ تغييبهم تماماً خلال الفترة الماضية عن القيام بواجبهم فى إطفاء نيران الفتنة بدارفور, كما أنَّه تناول بيت القصيد ووضع أصابعه على الجرح, ونتمنى أن يتواصل العمل فيه ليجد حظَّه من التنفيذ. كما نما إلى علمنا مؤخراً من الإخوة فى الرياض بالمملكة العربية السعودية عن مؤتمر عقدوه يوم 24 ديسمبرالماضى وحضره السفير السودانى قدَّم فيه بعض المثقفين من أبناء القبائل العربية أوراق متوازنة عن قضية دارفور, وقد وصلتنى منهم ورقة أساسية قدَّرتها كثيراً حيث ركزت على خطوات عملية للحل الشامل نرجو منهم نشرها على صفحات الإنترنت تعميماً للفائدة وحتى يتمكن أبناء دارفور والمهتمون بأمرها داخل وخارج السودان من الوقوف عليها.

الملاحظة الثانية التى يمكن أن نستنتجها هى إعتقادنا أن هذا التنظيم قد نشط مرة أخرى فى مطلع التسعينات قبل أن ينحسر تماماً بعد مذكرتهم الشهيرة لرئيس الوزراء, وأنَّ دماء الحياة قد دبَّت فى عروقها فجأة بعد إنقلاب الإنقاذ ثمَّ قفزت درجات فى سلم تطورها خاصة بعد حملة بولاد حيث وجدت الرعاية والعناية الكاملة والدعم من النظام الحاكم, ولعلَّ مخطط تقسيم ديار القبائل الكبرى وتفتيتها عبر ما يُعرف بنظام الأمارة, حيث تم فرض توطين بطون قبلية صغيرة, نعتقد أنَّها وافدة, وإعطائها إدارات رسمية فى قلب الديار الكبيرة, شكلَّت حجر الزاوية فى إتجاه تطور سلبى, فحين إعتبرت الحكومة وهب تلك الأراضى والأمارات بمثابة تشجيع لتلك القبائل ومكافئة لوقوفهم بجانبها لكنهم من جانبهم إعتبروها ضوءاً أخضراً للإستيلاء على المزيد من الأراضى بقوة السلاح وفرض الأمر الواقع, ودعوة آخرين من بطون قبائل بتشاد للهجرة والإستقرار بدارفور, فكانت هذه النزاعات وحملات الإبادة التى تتسترعليها الحكومة والتى وجدت إدانات عالمية واسعة من ناحية وزادت من إستنكار كل أهل دارفور لها من ناحية أخرى, وفى الحقيقة تبدو الصورة شبه مقلوبة فى هذه المعضلة فالحكومة هى الظالمة تدفع بالمليشيات المساندة لها لتنفيذ خططها, وتختبئ وراء ظهورهم, فيظهر للعالم أنَّ الجانى الحقيقى هم هؤلاء المجموعات وربما ينداح الإتهام بفعل تعميم الإعلام ليشمل القبائل العربية جميعاً, وإذا بدأت أصابع الإتهام العالمية تشير إلى الحكومة, وهى محقة فى ذلك, فإنها لا تتردد فى أن تتبرأ من تلك المليشيات, وذلك ما قصدناه تماماً من الآية الكريمة التى أوردناها فى صدر الحلقة السابقة من هذا المقال, واليوم عندما يُكوِّنْ أهل كلبس لواءاً كاملاً لقتال مسلَّحى دارفور, حسب طلب رئيس الجمهورية, ويحدث من القتل والدمار ما يحدث فإنَّ الحكومة لن تتردد أن تتبرأ منهم أيضاً أسوة بسابقيهم, ولذلك فإنَّنا نعتقد بأنَّ المرتبطين بتنظيم التجمع العربى اليوم هم أقلية وفى إضمحلال مستمر ولا يمثلون إلاَّ أنفسهم وقد يكونوا متحالفين مع بعض الفئات العربية التى نزحت من دولة تشاد وتبحث عن مواطئ قدم لها فى الإقليم, ولذلك كان هذا القتل الجائر والخراب الذى ضرب البلاد والعباد.

الملاحظة الثالثة تعكس جانب سلبى وتتمثل فى تصريحات حكومية يدلى بها بعض التنفيذيين الحكوميين من أبناء الإقليم حول جوانب تتعلق بالنزاع المسلَّح فى دارفور, هؤلاء الإخوة وبحكم مناصبهم يمشون على خيط رفيع بين مسئولياتهم الرسمية وخلفياتهم القبلية ولذلك فإنَّ أى كلمة تصدر منهم يجب أن تكون محسوبةً تماماً لأنَّ تداعياتها قد تتعدى الأطار القومى إلى المحلى وقد تنتقل من العام إلى الخاص, فيسؤ الفهم والظنِّ معاً, وفى هذا فإننا نتمنى أن يوازن حاكم جنوب دارفور فى تصريحاته تجاه الحركة المسلحة بالإقليم, و مع إيماننا التام بحقِّه فى القيام بما يستوجب عليه من المسئوليات إلاَّ أنَّه يجدر أن ينظر للمنظر العام برؤية تستوعبه كاملاً, وينسحب هذا القول أيضاً على وزير التجارة الخارجية, فقد يكون لائقاًً أن يطلب من أفراد الجيش الذين إلتقاهم فى حامية أعالى النيل بملكال الذهاب إلى دارفور لضبط الأمن, ذلك يكفى لتوصيل رسالته تماماً, أما أن يطلب منهم "سحق" الحركة فلا نظن أنها لغة توفيقية البتة, نعتقد بأَّنها قد قرعت فى نفس كل من قرأها حتى من بعض الذين من هم ليسو من أبناء الإقليم.

إنَّ الجانب الإيجابى فى هذا الأمر هو إجماع أهل دارفور, إلاَّ القلة والأجانب, على ضرورة رتق الخرق الذى إتسع مداه خلال العقد الماضى, وهى من المظالم التى ألمَّت بدارفور وتتحمل الحكومة جرائرها خاصة فى جانب سياساتها القائمة على ضرب القبائل بعضها البعض, ولقد نشأنا فى دارفور ولم نسمع بعبارات عرب وزرقة حتى صرنا رجالاً مما يدعم إيماننا بحتمية التعايش السلمى والدور الحاسم التى ظلَّت الإدارة الأهلية تقوم به فى تعزيزها, وإمكانية إستعادة دورها المنوط بها لضبط حركة القبائل والمجتمع العريض مع ضرورة تحديثها بوسائل وآليات فعَّالة لا تؤدى إلى مسخها وتشويهها بل إلى زيادة كفاءتها وعملها على النحو المرجو, ولعلَّ قياداتنا الأهلية من سلاطين وملوك ونظَار وشراتى وعمد يعرفون دورهم جيداً ويريدون فقط أن تعود إليهم تلك الثقة بأنَّهم فى إمكانهم أن يفعلوا شيئاً إيجابياً.

أمَّا فى جانب القبائل العربية فقد بدأنا نلاحظ إشارات صادرة من بعض ممثليها تنفى وجود تجمعاً عربياً موجهاً ضد أى جهة فى دارفور, وقد يدعم هذا قولنا آنفاً بإنحسار التجمع العربى وإضمحلالها نتيجة للوعى الإيجابى عند المثقفين من أبناء القبائل العربية, بل إنَّ بعضهم ذكروا صراحة بأنَّهم لم يسمعوا بإسم التجمع العربى أو تنظيم قريش إلاَّ من خلال وسائل الإعلام الشيئ الذى يدعم قولنا أيضاً بأنَّ تلك الجماعات يمكن أن تكون أقلية لكن أفعالها الشائنة قد إنسحبت على الكل, وربما يكون مفيداً هنا أن نورد بياناً عاماً صدر مؤخراً من إعلام اللجنة السياسية لمجلس تنسيق القبائل العربية بجنوب دارفور, وتم توزيعها على وكالات الإعلام بنيالا, تؤكد ما ذهبنا إليه فى تحليلنا أعلاه, كما نعتقد بأنَّها تحتوى على العديد من الإشارات الإيجابية نرجو أن تجد الجهود لتطويرها وتعزيزها, ويا ليت لو تواترت مثل هذه البيانات من كل القبائل والأفراد والفعاليات السياسية ومنظمات المجتمع المدنى بالإقليم, فإلى صيغة البيان:

مجلس تنسيق القبائل العربية
اللجنة السياسية
بيـان رقم (1) لجماهير ولاية جنوب دارفور
بسم الله الرحمن الرحيم

يقول المولى عز وجل ( يا أيها الناس أنا خلقناكم من ذكر واثني وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا أن أكرمكم عند الله وأتقاكم), ويقول سبحانه وتعالى (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الأثم والعدوان) صدق الله  العظيم

 لقد ظلنا نعايش ونتابع مشاكل ولايات دارفور عامة وجنوب دارفور بصفة خاصة بكل الآسي والحزن متفاعلين مع كل الجهود التي بذلت وتبذل لإيقاف كل مهددات الأمن من نهب مسلح وصراع قبلي حول الموارد الشحيحة أصلاً سواء كانت هذه الجهود رسمية وشعبية وذلك من خلال المؤتمرات واللقاءات التي تعقد على مختلف المستويات ولكن بحلول عام 2003م فوجئنا كما فوجئ الجميع بأن الأمر قد تغير كثيراً وأن هناك حركات مسلحة قامت بها بعض القبائل في دارفور الكبرى منادية بتحرير دارفور تارة وتحرير السودان تارة أخرى فرفعت شعارات [جيش تحرير دارفور D.L.A وجيش تحرير السودان قطاع دارفور S.P.LA] وظهرت شعارات أخري مثل [مفز] والذي يرمز إلى أسماء القبائل التي قادت التمرد في هذه الولاية بالأحرف الأولى من الأسماء ونتيجة لذلك تعرضت مدن الولاية الكبرى مثل الفاشر وكتم ومليط والطينة إلى غزو غادر راح ضحيته نفر كريم من أبناء الولاية من منسوبي القوات المسلحة والمواطنين العزل بجانب القوات النظامية الأخرى، ودمرت ممتلكات الشعب من طائرات ومخازن السلاح وأموال كثيرة نهبت ، ونشرت هذه الجماعات الهلع والخوف في نفوس المواطنين وروعت الأمنيين منهم وكان ذلك امتداداً لما حدث في قولو وطور ودربات مما يؤكد ارتباط هذه الحركات بعضها ببعض ووحدة قيادتها وبالتأمل الموضوعي والتقصي لمجريات الأمور ومن واقع البيانات الصادرة من هذه المجموعات القبلية، عبر مختلف وسائل الإعلام تأكد أن المقصود ليس هو المطالبة برفع الظلم ولكنه تحرير دارفور من العنصر العربي وكل من يتحالف معه سعياً لتفتيت دولة الإسلام والعروبة في السودان ، حسبما جاء على لسان وفدهم أمام سفراء الدول الغربية في إجتماعهم بنيالا بقاعة الشهيد الخليفة عبدالله يوم الاثنين الأول من ديسمبر 2003م وما وضح جلياً من خلال مقررات مؤتمر نرتتي ورؤية أعيان الفور لأحداث دارفور الكبرى في أجتماعاتهم بالخرطوم. وهكذا تستعين هذه الجماعات المتمردة بالأجانب وتستنصر بهم فيمدونهم بالسلاح والأموال والدعم المعنوي ويكفي ما قاله ممثلهم في لندن لإذاعة البي بي سي.

وحتى تجلي الحقائق للجميع فإن مجموعة القبائل العربية في دارفور الكبرى وجنوب دارفور خاصة لم ولن تجتمع لإقصاء أحد فأهدافنا تتمثل في دعم كل الجهود الرسمية والشعبية في بسط الأمن والسلام وتحقيق التنمية لكل أبناء السودان في دارفور وسيلتنا في ذلك العمل على القضاء جميع المهدات الأمنية المتمثلة في الآتي: -
1- النهب المسلح.
2- النزاعات القبلية.
3- العصبية القبلية تحقيقاً لقوله تعالى (وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا).
4- التقرير بأن تناول السلطة يجب أن يتم عبر الشورى والعصبية الحزبية ومنظمات المجتمع المدني وليس على أساس القبيلة أو الجهة.
5- دعم الجهود الرسمية محلياً وقومياً في تحقيق التنمية المتوازنة لأبناء دارفور.
6- مد جسور التآخي مع الجارة الشقيقة تشاد تأكيداً للعلاقة الأزلية ذات الخصوصية حيث أن كل من السودان وتشاد عمق طبيعي وامتداد للآخر.

ومن أجل ذلك نعلن لجماهير أبناء دارفور خاصة ولأبناء السودان عامة أنه ليس هناك تجمع عربي ضد أحد فرداً كان أو جماعة وإنما توحيد للصف درءاً لأي مفسدة.
ومن هنا نناشد الذين تسترقهم الحزبية الضيقة والقبلية الممقوتة والجهوية المؤطرة أن يتقوا الله في مواطنيهم ووطنهم وإلا يتاجروا بقضية دارفور.
وإلى الذين تتاح لهم فرصة مخاطبة المسلمين من على منابر المساجد عليهم أن يتقوا الله أيضاً في تناولهم لقضايا الأمة والوطن بحياد ونزاهة ونسألهم أين كانوا عندما ضربت الفاشر ودمرت الطائرات وأزهقت الأرواح البريئة في كتم ومليط والطينة وقولو وطور ودربات.

أننا نمد أيدينا بيضاء للسلام عملا بقول الله تعالى الذي بدائنا به هذا البيان ونعلن وقوفنا مع كل الخيريين من أبناء الولاية وأبناء السودان عامة دعماً لدعوة الحق والإيمان إقراراً للأمن والسلام ،بسطاً للعدل والتعايش السلمي من أجل إعادة دارفور إلى سابق عهدها وذلك حتى تخرج الولاية والبلاد عامة من رق العصبية القبلية والتمرد والخروج على دولة الإسلام في السودان التي تجعل المواطنة أساساً لنيل الحقوق والقيام بالواجب لا الخضوع والخنوع والتباكي أمام أعداء الأمة والإسلام بل نعمل من أجل دارفور العزة والكرامة بالندية مع كل شرائح المجتمع المحلي والقومي والدولي دعاة أمن وسلام وتنمية واحتراماً لحقوق الإنسان التي أقرها رب العزة في قوله (وكرمنا بني آدم) يا أهل دارفور تعالوا إلى كلمة سواء لبناء مجتمع الوحدة والإخاء والتنمية ولرفاهية من أجل أجيالنا القادمة بأذن الله.
وإلى لقاء آخر إنشاء الله لكشف الهوية التاريخية.

ختام:

نعتقد إبتداءاً أن همَّ دارفور يجب أن يكون على قلب كل مواطن من أهل الإقليم وضمير كل سودانى, ولقد كررنا من قبل أنَّ أى خير يأتى للإقليم سيعم كل أهله وأى شرٍّ سيؤذيهم جميعاً, وعندما يميل البيت فإنَّ أهله هم من "يُلقُّونه" ويصلحون من شأنه, وبيت دارفور اليوم مائل ولذا يجب, بل يكون فرض عين, على بنيه المبادرة بذلك, ونود أن نرى إهتماماً أكثر من المثقفين تجاه ذلك, وعليه نريد أن ندلى بدلونا عبر مقترحات محددة فى محاولة لتبصر أقدامنا على طريق الحل, وهو جهد يجب أن نقوم به جميعاً دون عزل أو إقصاء لأحد, ونعتقد:

(1) أن يتحلى المثقفون وذوى المكانة من أبناء الإقليم بالتجرد من أى مصلحة ذاتية من أجل مصلحة دارفور, فالنظر لدارفور من خلال منظار عريض يستوعب أهله جميعاً هو الخطوة الأولى ومفتاح الحلول لمعظم المشاكل القائمة.
(2) أن يكون رأب الصدع الإجتماعى لأهل دارفور الهدف الأكبر والأسمى فى هذه المرحلة من أجل تمتين الوحدة وإرساء دعائم التعايش السلمى بين كل الطوائف.
(3) أن تكون هنالك هيئة لدعم السلام فى دارفور الكبرى وأن تعتمد أفكاراً وخططاً خلاَّقة ذات فعالية ومردود سريع لتثبيت دعائم السلم والتسامح الإجتماعى منها (كما ذكرنا فى مقالات سابقة) تكوين جيش للسلام يكون مكونَّاً من عناصر مؤهلة من أبناء الإقليم من حملة الشهادات الجامعية, و يتم تدريبهم فى فنون ووسائل فضِِّ النزاعات وتأهيل برامج للسلام وإقامة الورش الإعلامية ومراقبة المسارات والتدخل السريع فى حالات الحروب وتقديم الإغاثة.
(4) إنشاء هيئة إقليمية لتوفير مشاريع المياه وصيانة الموجودة منها ورسم خرائط بشرية و مائية وزراعية ورعوية للإقليم.
(5) أن تتم وضع برامج علمية وعملية لمكافحة الجفاف والزحف الصحراوى وإدخال عمليات رش البذور بالطائرات وتقليل الإعتماد على الفحم والحطب كمصادر للطاقة وإستبدالها بأنابيب الغاز والكيروسين.
(6) أن يتم إلغاء كل القرارات الفوقية التى صدرت فى عهد الإنقاذ لتفتيت ديار القبائل مع الحفاظ على مبدأ تمتع كل المواطنين بحقوق المواطنة فى التحرك والتملك والرعى والزراعة فى كل مناطق الإقليم دون التعدى على حقوق الغير أو اللجؤ للقوة.
(7) تثبيت ديار القبائل مثلما كانت فى ماضيها وعدم السماح للقبائل التشادية الدخول للإستقرار فى الإقليم.
(8) إعادة الإدارة الأهلية وتمكينها من القيام بواجبها فى الحفاظ على النسيج الإجتماعى والقبلى لأهل دارفور وإرساء دعائم التعاون والتعايش السلمى, وتحديثها من خلال إنشاء منبر أو مجلس أهلى يتكون عضويته من كل زعماء وشيوخ القبائل على قدم المساواة وتكون له أمانة عامة وتجتمع مرتين على الأقَّل سنوياً للتفاكر فى شئون الإدارة الأهلية بالإقليم.
(9) الإستفادة من الخبرات العالمية فى دعم التعايش السلمى مثل "مشروع أبيى" الذى طبقته وكالة المعونة الأمريكية فى منطقة أبيى وأحدث أثراً إيجابياً فى تلك المنطقة تغرى بتطبيقها فى دارفور.
(10) التنمية الإقتصادية والإجتماعية الشاملة من خلال إعتراف الحكومة للطبيعة السياسية لمشكلة دارفور والإسراع فى إثبات جديتها تجاه ذلك.

فى الختام أحب أن أوضح أن هدفى من هذه المقالات حول الجنجويد سابقاً, ثمَّ التجمع العربى حالياً, ليس هو "شيل حال" لأفعال قلة من أهل دارفور وأجانب غريبين عنها, بل إنَّه لمن أوجب الواجبات أن يعرف مجتمع دارفور خاصة, وكل المجتمع السودانى, وقبلهم الحكومة السودانية إن لم تكن تعرف, هذه الحقائق حتى تتم معالجتها بعمق وحكمة, ولذلك يجب أن تتوفر كل المعلومات مهما كانت مؤلمة فعن طريق تحليلها بحكمة وتعقل فى إطار البيت الواحد يمكن التوصل للحلول الجادَّة, من ناحية ثانية إنَّ سياسة دفن الرؤوس فى الرمال هى لبَّ المشاكل ومصدرها خاصة فى مجتمعنا السودانى المتشكل, وهو مجتمع ما زال قائماً على القبلية والعرقية والجهوية تطورت بصورة مزعجة خلال العقدين الماضيين على طول البلاد وعرضها, وهى دائماً ما تؤدى إلى تعقيد المشكلات إلى مستويات يستحيل معها الحلول التوفيقية كما نشاهد جلياً فى سيناريو المفاوضات الحالية للتوصل لسلام فى الجنوب, فلو جلس أولئك المتنفذون يومها إلى الإخوة الجنوبيين عام 1955م وإستمعوا إلى أشواقهم فى دولة السودان المستقل, وإلتزموا بها وطنياً ودستورياً, لما كان الحال كما هو عليه الآن, لكنه قصور فى النظر وضيق فى الأفق وشح فى الخيال البناء, ولذلك نتمنى ألاَّ تكرر الحكومة ذلك الخطأ القاتل مرة أخرى فى دارفور, ونسأل الله تعالى ألاَّ ينتهى هذا العام إلاَّ وقد تمدد غطاء السلام ليشمل كل دارفور بعد أن إقترب تمدده على جنوب الوطن, وكل عام وأنتم بخير.

 

آراء