ترتيبات المرحلة الانتقالية
6 February, 2009
سالم أحمد سالم-باريس
salim.ahmed@neuf.fr
المقدمة
تشتمل هذه المقدمة على جملة من الحقائق التي تؤكد أن حكومة الإنقاذ قد انتهى أجلها من جهة "فاعلية الحكومة" وأن السودان قد دخل منذ فترة في المرحلة الانتقالية. وبناء عليه فإن الوضع السياسي الانتقالي الراهن غير المعلن يحتم على جميع القوى الاجتماعية السياسية في السودان، بما فيهم الجماعة التي تسيطر على البلاد باسم حكومة الإنقاذ، الإسراع في وضع ترتيبات المرحلة الانتقالية الجارية حتى يتجنب السودان وشعبه حالات الانفلات الأمني والفوضى السياسية أو أي نوع من الصدامات غير المبررة والتي سوف لن تعيد الحياة مجددا إلى الحكومة المنتهية. وعليه أوجز حقائق هذه المقدمة في هذه النقاط:
أولا: انتهاء فاعلية الحكومة
من جهة "الفاعلية الحكومية" فإن كل البراهين القائمة على الأرض تؤكد مجتمعة انتهاء عهد ما كان يعرف في التاريخ السياسي السوداني بحكومة الإنقاذ التي استولت على السلطة في انقلاب عسكري عام 1989 بدليل انتهاء فاعليتها على جميع الأوجه الداخلية والخارجية. إن استمرار القبضة العسكرية للجماعة الحاكمة لا يعني بأي حال من الأحوال "وجود فعلي" لأي حكومة سواء كانت حكومة الإنقاذ المنتهية أو غيرها من الحكومات التي على شاكلتها في العالم. فهنالك فرق عظيم بين حكومة فاعلة تتمتع بمظاهر وأداء الحكومة، حتى لو كانت حكومة دكتاتورية، وبين جماعة تسيطر على مقاليد البلاد بالقوة العسكرية وقد انصبّ كل اهتمامها أولا وأخيرا على كيفية الاستمرار وفعل كل شيء من أجل التشبث بأذيال الحكم الذي ولّى. كل ما تفعله المجموعة الحاكمة اليوم في السودان لم يخرج ولن يخرج عن البحث في كيفية الاستمرار على سدة الحكم المنتهي. وقد سبق لي أن أوضحت هذه الحقيقة في عدد من التحليلات السياسية المطولة، آخرها جاء تحت عنوان "أشقياء ثمود وناقة الشعب السوداني" ثم تحليل قبله تحت عنوان "هل تحكم السودان جماعة باطنية؟ والأهم من ذلك فإن النظرة الفاحصة إلى مآلات الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي الداخلي في السودان وعزلة وتشرنق الجماعة الحاكمة وجمودها وعجزها عن تقديم أي حل لأي قضية أو مشكلة صغيرة وصمتها عما كانت تردده عن التنمية، كل هذه المعطيات تنتهي إلى حقيقة واحدة أن حكومة الإنقاذ قد فقدت الفاعلية ودخلت التاريخ السياسي، وأن السودان قد دخل في طور المرحلة الانتقالية. على الصعيد الداخلي تتجسد هذه البراهين في موقف الشعب السوداني الذي تغلب عليه حالة من الانتظار لما سوف تنفرج عنه المرحلة الجديدة من تاريخه السياسي، كما يغلب عليه طابع الانكماش عن اتخاذ أي موقف تلقائي مساند للجماعة الحاكمة.
ثانيا: أفول الإنقاذ في نظر القوى العظمى وأقطار الجوار:
إن الجمود والمستوى الذي انحدرت إليه علاقات السودان الإقليمية والدولية ومع المنظمات والهيئات الدولية، وبالتالي المنظور الذي تنظر به هذه الأقطار والدول والمنظمات الدولية لحكومة الإنقاذ تعطي مجتمعة دليلا عمليا لا يقبل الجدل أو التشكيك في حقيقة أن هذه الأقطار والدول والهيئات أضحت تتعامل مع السودان من واقع ومنطلق انتهاء ما كان يعرف بحكومة الإنقاذ. فقد جمدت أو خفّضت جميع الأقطار المجاورة منذ فترة أي علاقة تنسيقية جادة مع حكومة الإنقاذ، وجمدت باقي الأقطار، مثل تشاد، أي مباحثات جادة مع حكومة الإنقاذ برغم كثرة الملفات المثقلة والعالقة بين حكومة الإنقاذ ومعظم دول الجوار، طبعا باستثناء المسائل الروتينية. إن تجميد الأقطار المجاورة لعلاقاتها مع حكومة الإنقاذ دليل قوي أن هذه الأقطار قد استشعرت أو أنها تلقّت إشارات قوية على انتهاء أجل حكومة الإنقاذ أو اقترابها الشديد من السقوط. لذلك بقيت الأقطار المجاورة في حالة انتظار وترقب. ثم إن الزيارة التي قام بها الرئيس المصري حسني مبارك لجنوب السودان ينبغي قراءتها ضمن الأدلة العملية على نهاية أجل حكومة الإنقاذ، مع ضرورة قراءة "مرور" مبارك على الخرطوم ضمن إطار أدب البروتوكول السياسي الذي يمنعه من التوجه مباشرة إلى جنوب السودان قبل أن يمر على عاصمة البلاد حتى لو من الوجهة الشكلية المحضة. إن زيارة مبارك لجنوب البلاد تعيد إلى الأذهان تلك الزيارة التي قام بها جورج بوش الأب عندما كان نائبا للرئيس للخرطوم ولقائه داخل السفارة الأميريكية بالخرطوم مع قادة الأحزاب قبيل سقوط الحكومة العسكرية الثانية (حكومة مايو) تحت سمع تلك الحكومة وبصرها وأنف رئيسها. مجمل هذه الوقائع تبرهن صراحة أن جميع أقطار الجوار، بما فيها ليبيا، تعيد ترتيب أوضاعها ومصالحها وهي في حالة انتظار لما سوف تنفرج عنه احتمالات السودان السياسية لبدء علاقات جديدة مع الأوضاع المستجدة.
الجمود والترقب قد غلب أيضا على موقف الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي والهيئات والمنظمات الدولية. فقد كفّ مجلس الأمن أخيرا عن إصدار قرارات ذات شأن حول السودان بالمقارنة إلى سيل القرارات التي ظل يصدرها المجلس طيلة السنوات الماضية. موقف المنظمة الدولية كأنه ترجمة لحرمة الضرب على الميت! أما لجهة القوى العظمى في العالم ممثلة في الإدارة الأميريكية وحكومات بريطانيا وفرنسا والصين وروسيا وألمانيا، فإنها تتعامل ومنذ فترة مع حكومة الإنقاذ كشيء من الماضي، وتتطلع هذه الدول إلى فترة ما بعد حكومة الإنقاذ. في الأثناء تعمل هذه الدول من أجل تثبيت أقدامها ومصالحها خلال المرحلة القادمة التي سوف ينفرج عنها مستقبل السودان. كما يعمل رؤساء هذه الدول على "عصر" حكومة الإنقاذ لاستخلاص آخر عصارة ممكنة من تفلها حول بعض التدابير التي قد تساعد مستقبلا على نوع من الانفراج في بعض الأزمات مثل أزمة دارفور. إن القراءة السليمة لمواقف وتصريحات الرؤساء والمسؤولين في حكومات هذه الدول وتجميد أقطار الجوار والمنظمات الدولية غير المعلن لعلاقاتها مع حكومة الإنقاذ تدل كلها على حالة من الانتظار الدولي والإقليمي .. لا يمكن إعادة عقارب الأحداث إلى الوراء!
ثالثا: التدابير العسكرية والأمنية
في إطار محاولاتها التشبث بالسلطة التي ولّت، شرعت الجماعة الحاكمة في السودان في اتخاذ بعض التدابير البوليسية والأمنية والعسكرية والاعتقالات وأخذ الرهائن من المواطنين والسياسيين والناشطين في مجالات العمل المدني وحقوق الإنسان وتعذيب المعتقلين إلى غير ذلك من سياسة التخويف والإرهاب والتمظهرات العسكرية وإلغاء هوامش الحريات وإحكام سيطرة أجهزة أمن الحكومة المنهارة على غرار ما كنت تقوم به حكومة الإنقاذ طيلة السنوات التي أعقبت انقلابها العسكري. ومن الواضح بمكان أن الجماعة الحاكمة تهدف من وراء ذلك إلى نشر الإرهاب الاجتماعي وتقييد حركة الشارع السوداني ومنعه عن القيام بأي تحرك مناوئ من شأنه أن يكشف حقيقة انهيارها. لكن سياسة التخويف قد مر زمانها وغالبا ما تأتي بما لا يشتهيه سَفِن الجماعة الحاكمة.
رابعا: تسويق الذرائع
ذريعة نيفاشا:
ضمن مساعي التشبث بالحكم، تحاول الجماعة الحاكمة أن تسوّق للعالم وللرأي العام الداخلي إجراءاتها الأمنية وتشديدها لقبضتها العسكرية بعدد من الذرائع: أولا التذرع بحماية اتفاقات نيفاشا، بحيث تبدو هذه الإجراءات العسكرية وكأنها تحمي الحكومة من أجل حماية اتفاقات نيفاشا وبالتالي منع تجدد الحرب الأهلية! بهذه الذريعة تحاول الجماعة الحاكمة أن تربط ربطا وثيقا بين استمرارية اتفاقات نيفاشا وبين استمراريتها في الحكم، ومن ثم الإيحاء إلى الرأي العام المحلي والدولي أن زوالها كحكومة سوف يعني انهيار اتفاقات نيفاشا. لكن الواقع يدحض هذه الذريعة. فمن حيث المبدأ فقد وافقت حكومة الإنقاذ وهي مجبرة على اتفاقات نيفاشا من أجل سبب وحيد هو أن تستمر في الحكم، وذلك في أعقاب فشل حلها العسكري في الجنوب وسقوط "الجهاد" وفي وقت كادت فيه الهزائم العسكرية أن تلحق بها هزيمة سياسية ماحقة في الخرطوم. إن أهم ما يسند كون أن حكومة الإنقاذ وافقت على اتفاقات نيفاشا مرغمة وفقط من أجل الاستمرار في الحكم هو أن حكومة الإنقاذ ظلت تتلكأ وتتمنع وتماطل في تنفيذ بنود اتفاقيات نيفاشا وبروتوكولات ميشاكوس خاصة جهة التحول الديموقراطي وإطلاق الحريات وترتيبات المرحلة الانتقالية وإقرار القوانين التي تضمن حيادية الانتخابات. كما رفضت حكومة الإنقاذ أن تعترف أن مرحلة ما بعد نيفاشا كانت مرحلة انتقالية تمهد لإجراء انتخابات حرة نزيهة وتمهد لاستفتاء في الجنوب بين خياري الوحدة أو الانفصال، كما أصرت حكومة الإنقاذ أن تتصرف من منطلق الحاكم المطلق دائم الحكم والسلطة، الأمر الذي سبب مضايقات عنيفة للحركة الشعبية وأحرج وأخرج الحركة الشعبية عن موضع الشريك الأساسي إلى موضع المعاون الضعيف وأحيانا المتواطئ. إن كل تصرفات حكومة الإنقاذ كانت بمثابة المهدد الأكبر لاتفاقات نيفاشا، وكادت تصرفاتها وسوء مقاصدها أن تتسبب في تجدد القتال.
لقد أصبح في غير موقع شك أن حكومة الإنقاذ سابقا والجماعة الحاكمة اليوم باسم الإنقاذ هي المهدد الأكبر لاتفاقات نيفاشا، وهو تهديد ظل يحيط بهذه الاتفاقات من تاريخ التوقيع عليها. فقد كان من المفترض أن تنهي اتفاقات نيفاشا حالة الحكم الشمولي وتعيد ترتيب الأوضاع السياسية من خلال المرحلة الانتقالية التي لم يعرف لها السودان طعما. ضمن هذه المخاطر ربما تقوم الجماعة الحاكمة بمغامرة غير مدروسة بمحاولة نقض اتفاقات نيفاشا من جانب واحد من أجل خلط جميع الأوراق وفرض أحكام الطوارئ بغية تشديد قبضتها العسكرية وإعادة الأوضاع إلى مربع أول يوم في انقلاب الإنقاذ العسكري، أو ربما لخلق نوع من الفوضى الأمنية والسياسية تمتد لفترة طويلة تعقب الرحيل النهائي للجماعة الحاكمة لحماية نفسها من المحاسبة والمحاكمات. طبعا من الوجهة الإجرائية لا تستطيع الجماعة الحاكمة إلغاء اتفاقات نيفاشا .. حتى لو وافقت الحركة الشعبية على ذلك لأن نيفاشا ليست اتفاقية ثنائية بين حزبين!
إن أيا من الاحتمالات الوارد ذكرها من شأنه أن يفرض على الحركة الشعبية والمجتمعات السودانية أن تعي جيدا جملة من الحقائق: أولا: أن اتفاقات نيفاشا ليست مرتهنة إلى استمرارية أو وجود حكومة الإنقاذ أو حتى الحركة الشعبية. ثانيا: إن ورود "المرحلة الانتقالية" والانتخابات في صلب الاتفاقية واحتمال خسران حزب حكومة الإنقاذ أو الحركة الشعبية للانتخابات دليل أكيد أن اتفاقات نيفاشا ليست اتفاقية ثنائية بين الحركة الشعبية وبين حكومة الإنقاذ، وأن الاتفاقات مملوكة لكل الشعب السوداني في شمال البلاد وجنوبها ومضمونة دوليا، وأن الاتفاقات معنية بمستقبل السودان السياسي ككل بصرف النظر عن الأحزاب الفائز منها أو الخاسر. ومن أجل التعامل السلس مع أي مستجدات أو مباغتات قد تلجأ لها الجماعة الحاكمة، فإن إن هذه الوقائع تفرض على الحركة الشعبية عدم الانجراف وراء أي تدابير قد تصدر عن الجماعة الحاكمة، مع عدم التعامل من موقع ردود الفعل. ليس المطلوب من الحركة الشعبية الخروج عن الشراكة الحالية، لكن المطلوب من الحركة الشعبية أن تميل مع الرأي الغالب في السودان وإيداع الاتفاقات والشراكة لدى الحكومة الانتقالية التي سوف يختارها الشعب السوداني خلال وبعد المرحلة الانتقالية. والعبء الأعظم يقع على عاتق الشعب السوداني بالحفاظ على هذه الاتفاقات المكفولة دوليا.
ذريعة حكومة الوحدة الوطنية:
من الملاحظ أن حكومة الإنقاذ كانت تتخذ قراراتها منفردة وتتستر تحت غطاء حكومة الوحدة الوطنية. ولم يكن ليخفى على أي مواطن سوداني أن غطاء حكومة الوحدة الوطنية قد تم ترقيعه من أسمال بعض الأحزاب السودانية عديمة الفاعلية، وهي أحزاب لا تعدو كونها بعض الأفراد الذين رضوا لعب هذا الدور لمجرد منافع شخصية وتسهيلات تجارية وبعض الأموال التي تنفحها لهم حكومة الإنقاذ لقاء تمثيل الدور. وبالنظر إلى التحولات العميقة المنتظرة خلال هذه المرحلة الانتقالية، من المتوقع أن تلجأ الجماعة الحاكمة باسم الإنقاذ إلى اتخاذ قرارات قد تكون عنيفة وتلحق الأذى وربما الموت بالمواطنين السودانيين. إن بقاء الأفراد والأحزاب المشاركة في ما كان يعرف بحكومة الوحدة الوطنية يجعلهم شركاء في كل ضرر وموت يصيب الشعب السوداني. لذلك ينبغي على كل حزب أو فرد مشارك في أجهزة الجماعة الحاكمة أو وزارتها أو برلمانها المعين أن ينسحب على الفور من هذه الأجهزة والوزارات والبرلمان المعيّن. الانسحاب لا ينسحب على الحركة الشعبية التي يتوجب عليها البقاء في مواقعها يما يحفظ الهيكل العام للإدارة وتصريف الأعباء العامة إلى حين تنتهي القوى الاجتماعية السودانية من تشكيل الحكومة الانتقالية.
الترتيبات المقترحة:
إن الوقائع الوارد ذكرها باختصار تضع القوى الاجتماعية السودانية أمام مسؤولياتها في الإسراع في وضع ترتيبات المرحلة الانتقالية، ومن ثم الشروع في التفاوض مع الجماعة الحاكمة حول هذه الترتيبات قبل وقوع تطورات محتملة قد تكون لها عواقب وخيمة. وعلى العقلاء في الجماعة الحاكمة الإقرار بالأمر الواقع الانتقالي من أجل تجنيب البلاد وأنفسهم الكثير من الأضرار ومن أجل التمتع بموقع ما في مستقبل السودان السياسي. أيضا من واجب المجتمع الدولي أن يساعد القوى الوطنية الاجتماعية السودانية في التسريع بهذه المفاوضات والاتفاق على ترتيبات هذه المرحلة الانتقالية.
وبناء عليه نعرض على القوى الاجتماعية السودانية وعلى الجماعة الحاكمة الترتيبات المقترحة أدناه كأساس للدخول في المباحثات حول ترتيبات المرحلة الانتقالية. بكل تأكيد من حق القوى الوطنية السودانية إجراء ما تراه مناسبا من تعديلات أو حذف أو إضافة أو حتى استبدال هذه المقترحات بالكامل، ومن ثم طرح ما سوف يتم الاتفاق عليه على الجماعة الحاكمة بواسطة اللجنة الوطنية للتفاوض التي سوف تشكلها القوى الاجتماعية الوطنية وعلى رأسها القوى الاجتماعية غير المنضوية تحت ألوية الأحزاب التقليدية السودانية، وهي القوة الاجتماعية الغالبة التي نحذّر من عواقب عزلها أو تجاهلها. إن عزل وضرب هذه القوى بواسطة الأحزاب التقليدية كان السبب المباشر في ما آلت إليه أوضاع السودان. وعليه نقترح الترتيبات التالية
أولا: استقالة رئيس حكومة الجماعة الحاكمة وتسليم كل مقاليد الرئاسة الانتقالية لنائبه الأول عن الحركة الشعبية. الدين سوف يكون أول نقطة يثيرها بعض أركان الجماعة الحاكمة باعتبار أن النائب الأول غير مسلم. الدين لا يمانع من ذلك في ضوء وضع انتقالي غير دائم وهناك الكثير من الأسانيد الواردة في السنّة المطهرة. ثم إن اتفاقات نيفاشا التي سبق أن وقعت عليها حكومة الإنقاذ قد أقرت ولاية النائب الأول. ما يحرمّه الدين حقا فهو نقض المواثيق والعهود والخروج عليها، والإقرار بالمواثيق ملزم شرعا لا يبرره أنه كان من باب الاحتيال والمخادعة. ثم إن القاعدة الدستورية واجبة النفاذ هي أن اتفاقات نيفاشا لم تمنح الجنوب منصب النائب الأول كمنصب شرفي بروتوكولي، وإنما ليمارس النائب الأول الصلاحيات الكاملة للرئيس عند الملمات والطوارئ أو موت الرئيس أو إقالته أو استقالته، ومن ثم يستمر النائب الأول في أداء أعباء الرئيس الكاملة "تكليفا موقوتا" إلى حين الفراغ من الظرف الاستثنائي وانقضاء أجل الفترة الانتقالية بعد إجراء الانتخابات. أما الاحتجاج بأن اتفاقات نيفاشا قد نصت أن يخلف الرئيس نائب الرئيس عن حكومة الإنقاذ فإنه احتجاج منكول لأن ذلك ينطبق فقط على الظروف العادية، والوضع الآن وضع استثنائي يتطلب أن يحل النائب الأول فورا محل الرئيس إلى حين زوال الظرف الاستثنائي الذي أملى تنحية أو استقالته الرئيس السابق. في كل الأحوال هنالك الكثير من البدائل لتفويت الفرصة على مثل هذه الحجج الواهية حتى لو اضطرت الحركة الشعبية أن تختار مسلما لتولي المنصب، أو إذا كان ولابد أن يعلن النائب الأول عن إسلامه إذا كان مسيحيا أو أرواحيا ولا ضير في ذلك.
ثانيا: يتولى نائب رئيس الحكومة المنتهية منصب النائب الأول لرئيس الحكومة الانتقالية،
(البندان أولا وثانيا ينبغي تنفيذهما على الفور ويسبقان كل البنود اللاحقة. البندان القصد منهما الحفاظ على اتفاقية نيفاشا تمهيدا لاستكمال تنفيذ بقية بنودها علاوة على سد أي فراغ دستوري أو إداري محتمل).
ثالثا: يقوم شعب دارفور بانتخاب نائب أو نائبة لرئيس الحكومة الانتقالية من بين بنات أو أبناء دارفور،
رابعا: تكوين مجلس رئاسي يضم ممثلا واحدا عن كل محافظة من محافظات السودان إضافة لرئيس الحكومة الانتقالية ونائبيه. يتم اختيار أعضاء المجلس الرئاسي عن المحافظات بالانتخاب الحر المباشر عبر انتخابات عاجلة تكميلية استثنائية تحت إشراف وطني ورقابة الأمم المتحدة. المجلس الرئاسي تنعقد له المهام التشريعية وتنتقل له كل صلاحيات البرلمان المعين. يتخذ المجلس الرئاسي قراراته بالإجماع، وإلا بثلاثة أرباع الأعضاء. وإذا تعذر ذلك بترجيح صوت الرئيس إذا كان مع الأغلبية، وبالعدم يعاد الموضوع إلى مجلس الوزراء والمداولة، وبالعدم عقد جلسة مشتركة للمجلسين لاتخاذ القرار بالأغلبية العادية.
أول مهام المجلس الرئاسي:
تطبيق كل ما ورد في اتفاقات نيفاشا تطبيقا كاملا روحا ونصا،
التوصل إلى حل شامل لقضية دارفور ضمن الإطار الوطني والوضع الانتقالي،
حل المحكمة الدستورية وإعادة تشكيلها،
إقرار قوانين الانتخابات العامة المقدمة من مجلس الوزراء،
إقرار وإجراء الانتخابات البلدية التي تسبق انتخابات المؤسسات والمناصب الدستورية،
الإشراف على انتخابات المؤسسات الدستورية بعد
الإشراف على انتخاب رئيس الجمهورية،
صدور قرار عن المجلس الرئاسي بقضي بالفصل بين السلطات التشريعية والقضائية والتنفيذية شريطة أن يمنع القرار الجمع بين سلطتين من هذه السلطات،
صدور قرار عن المجلس الرئاسي ينص على عدم تسليم أي مواطن سوداني أو مقيم لمحكمة الجنايات الدولية،
صدور قرارات عن المجلس الرئاسي بالعفو عن كل فرد من أطقم حكومة الإنقاذ يقبل بمبدأ الاعتراف ويطلب الصفح من صاحب أو أصحاب العلاقة المباشرة،
خامسا: حل ما يعرف بالمجلس الوطني ونقل كل صلاحياته إلى المجلس الرئاسي إلى حين إجراء الانتخابات العامة،
سادسا: تشكيل وزارة (حكومة) انتقالية من الكفاءات الوطنية المشهود لها من غير الرموز الحزبية الصارخة مع مراعاة التمثيل الجغرافي،
يتم اختيار رئيس الوزارة بنفس معايير الكفاءة والتجرد الوطني. رئيس الحكومة رئيس المجلس الرئاسي لا يكون رئيسا للوزارة لضرورة الفصل بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية حسب قرار المجلس الرئاسي المشار إليه أعلاه،
تضم الوزارة الانتقالية الوزراء الذين يمثلون الحركة الشعبية، مع مراعاة تعديل حصة الحركة الشعبية بسبب حصول الحركة الشعبية على منصب رئيس الحكومة الانتقالية،
ثلث الوزراء من القوى الاجتماعية غير الحزبية، ومقاعد وزارية متساوية لجميع الأحزاب التي خاضت آخر انتخابات قبل انقلاب الإنقاذ العسكري، ويدخل في القسمة حزب المؤتمر الوطني وحزب المؤتمر الشعبي،
الوزارة ترفع مقرراتها بشأن مشاريع القوانين إلى المجلس الرئاسي لإجازتها،
سابعا: حل حكومات الولايات وتسريح كل كوادرها الوزارية والسياسية، واختيار محافظين بالانتخاب الحر المباشر لتصريف أعباء المحافظات خلال المرحلة الانتقالية. يتقدم كل مرشح لمقعد المحافظ مع قائمته الإدارية التي تضم 7 من الإداريين يفوز المرشح أو يخسر مع قائمته. الانتخابات حرة ويشارك فيها الجميع بلا قيد أو حظر وتحت إشراف وطني ورقابة الأمم المتحدة. المحافظون ليسوا أعضاء في المجلس الرئاسي،
ثامنا: إلغاء جميع مناصب مستشاري رئيس الحكومة وغيرها من المناصب الشرفية،
تاسعا: تكوين مجلس استشاري من المحافظين المنتخبين، يجتمع مرة كل شهر للإطلاع على بعض مقررات مجلس الوزراء وإبداء الملاحظات عليها قبل تقديمها للمجلس الرئاسي،
عاشرا: تشرف الحكومة الانتقالية المكونة من المجلس الرئاسي ومجلس الوزراء على إجراء انتخابات بلدية حرة في كل أجزاء البلاد تسبق الانتخابات الأخرى،
حادي عشر: عودة الجيش إلى أداء دوره الطليعي والطبيعي والوطني في حماية الوطن وحماية المرحلة الانتقالية وحماية المؤسسات الدستورية والإسهام الفعال في البحوث والتطور العلمي، واتخاذ التدابير المالية والإدارية والتقنية التي تضمن ذلك،
ثاني عشر: حل جميع أجهزة أمن الحكومة الإنقاذ السابقة وإعادة هيكلتها وتأهيلها وصياغة هذه الأجهزة وتحديد دورها وتبعيتها الإدارية حسب الدستور واتفاقات نيفاشا، بشرط أساسي هو حظر إعادة تعيين كل من عمل في أجهزة أمن الحكومة السابقة أو أجهزة أمن الحكومة العسكرية الثانية.
تلك هي المحاور الأساسية لترتيبات المرحلة الانتقالية الجارية. ونتوخى من القوى الاجتماعية والأحزاب التقليدية والرموز الفكرية والقانونية والسياسية دراسة هذه الترتيبات المقترحة وإبداء الملاحظات حولها لما فيه خير السودان وشعبه الكريم .. لم يعد هنالك متسع من الوقت.
سالم أحمد سالم
باريس
30 ديسمبر 2008