دوحة السلام …. بقلم: بقلم : فتح الرحمن شيلا
في وقت مبكر من صباح الخميس 12/2/2009م وصلتني رسالة تفيد أن صحيفة (نيويورك تايمز) الأمريكية نشرت خبر وصول قضاة المحكمة الجنائية إلى قرار بإصدار مذكرة توقيف بحق البشير بتهمة ارتكاب جرائم حرب في إقليم دارفور. لم يكن هذا الأمر مفاجئاً لأسباب عديدة وهي عدم تأثير القرار على الإطلاق على الموقف الرسمي والشعبي للسودان وذلك لما تناولته الأقلام وشهدته الاجتماعات مع قطاع كبير في الحركة السياسية السودانية التي أجمعت على رفض قرار المدعي العام للمحكمة الجنائية وطبيعي أن ينسحب الرفض لقرار المحكمة عند صدوره في أي زمان . ثانياً يجئ هذا التسريب ولا أظن بل أجزم بأن دولاً وجهات كثيرة لا تريد لبلادنا سلاماً ولا استقراراً حقيقياً ويكفي أن تصدر هذه الإدعاءات في وقت تشهد فيه العاصمة القطرية الدوحة اجتماعات بين وفدي الحكومة وحركة العدل والمساواة بقيادة الدكتور نافع علي نافع والدكتور خليل إبراهيم ولعل مشاركة الحركة بوفد رفيع في هذه المفاوضات خيب آمال المتربصين ببلادنا.ويبدو التناقض واضحاً حيث نقلت وكالة (رويترز) عن دبلوماسي بالأمم المتحدة رفض الكشف عن هويته قوله بأن القرار قد صدر . بينما امتنعت المتحدثة باسم المحكمة الجنائية عن الأدلاء بتعقيب واكتفت بالقول بأن القرار في أيدي القضاة . وهكذا بدا السيناريو الذي انقلب رأساً على عقب بعد ردود الأفعال المحلية والإقليمية حيث نفت المتحدثة باسم المحكمة لورانس بليرون صدور قرار من المحكمة وربما تستمر هذه اللعبة المكشوفة لعدة ايام نسمع فيها تصريحات مختلفة، لكن كما صرح دكتور نافع من الدوحة (ان اى قرار تصدره محكمة الجنايات الدولية بحق الرئيس لا يعنى السودان فى شىء) .
وعودة لمفاوضات الدوحة في جولتها التمهيدية لتوقيع اتفاق اطاري بين وفد حكومة الوحدة الوطنية وحركة العدل والمساواة التي لم تقصد فيها الحكومة والوسطاء اقصاء الحركات الأخرى والإنفراد بحركة العدل والمساواة دون سواها كما ورد في الأنباء لأن رفض الآخرين المشاركة في المفاوضات ينبغي ان لا يعطل التفاوض مع الحركات الأكثر استعداداً للقبول بالمبادرة العربية الأفريقية بعد أن أعلنت الحكومة استصحابها لمقررات ملتقى أهل السودان لتكون مرجعية للتفاوض. من المفيد التأمين الكامل على الدور المصري الفاعل في عملية السلام بدارفور وقد توقف وفد الحركة والتقى بالمسئولين بالقاهرة هو مؤشر إيجابي يرفع ويؤمن على المبادرة العربية الأفريقية وهي الرائدة تاريخياً في التصدي والدفاع عن الحقوق في أفريقيا والعالم العربي ولتخرس الألسن التي تريد الاصطياد في المياه العكرة وأن تنال من العلاقات الطيبة والتاريخية لشعب وادي النيل.وفي ذات الوقت برز موقف لا يتسق ولا يتناسب مع قيادة حركة تحرير السودان بقيادة مني أركو مناوي بوصفهم للقاء بالدوحة بالثنائي والذي لا يعبر عن شعب دارفور وعجيب وغريب أن يأتي هذا القول البسيط ممن يتبوأ منصب (كبير) مساعدي رئيس الجمهورية الذي يفترض أن يعبر عن رئاسة الجمهورية بعد أن قاده الاتفاق الثنائي في أبوجا إلى القصر كبيراً للمساعدين، وكما قال الاخ الدكتور مصطفى عثمان (ان الحكومة وقعت اتفاق ابوجا حتى يتحقق السلام، الا انه لم يكتمل،لذلك نتوقع من مناوي وهو جزء من الحكومة اذا لم يشارك في المفاوضات التمهيدية الجارية الآن ان يشارك مستقبلاً في المفاوضات الرئيسية). وهي دعوة عقل ينبغي ان يتعامل معها الاخ مني ولا أظن أن يفوت على فطنته وذكائه أن ادعاءه بعدم تمثيل حركة العدل والمساواة لأهل دارفور ينطبق عليه وكلاهما لا يمثلان شيئاً سوى البندقية طريقاً للسلطة وحدها بينما يعيش مشايخ الطرق الصوفية ببعدهم الديني وزعامات الإدارة الأهلية بانتشارهم وسط المواطنين في المعسكرات والمدن والقرى التي لم تتأثر بالحرب الأهلية والأخ مني أركو يستعمل المنصب الرئاسي عند اللزوم ويعود لمهاجرية (سابقاً) إذا لزم الأمر.
ويبقى الامر الآخر المتمثل في امتناع الاخ عبدالواحد عن الحضور وتصريحاته السالبة حول مفاوضات الدوحة واذكر هنا انني كنت قد كتبت مقالاً قبل أكثر من عامين حول قراره بفتح مكتب في اسرائيل وقلت (ان تجربة العمل المعارض تحيطها مجموعة من الظروف والعوامل السالبة التى تؤدي الى حالة من اليأس والاحباط عندما تضيق فرص الحلول السلمية وتعجز وسائل العنف والسلاح وتضيق آمال الانفراج للوصول الى حلول عاجلة وهي تجربة عشناها خلال فترة العمل المعارض بالخارج والبعد عن الوطن والاهل إلا ان التصرف بالحكمة والعقلانية ضرورية وواجبة وهي الاصرار والعزيمة الصادقة على اهمية اعمال لغة الحوار وتجاوز التعقيدات التى تعترض مسيرة التفاوض السلمي وليس الانتحار السياسي كما فعل الاخ عبدالواحد).. وها هو الاخ عبدالواحد يدفع ضريبة التصرف المرفوض الذي قام به حينما وقع في براثن الشرك الصهيوني وربما لا نجد تفسيراً يصف رفضه لمحادثات الدوحة ابلغ مما قاله الدكتور كمال عبيد: (ان الحكومة تملك وثائق تثبت تورط اسرائيل ومنظمات صهيونية في قضية الجنائية)، وأشار الى تزامن زيارة عبد الواحد لتل أبيب واجراءات المحكمة بغرض تقويض العملية السلمية. ولم يسلم عبدالواحد من سهام الدكتور خليل الذي وصفه بأنه (يردد شعارات دون ان يبذل مجهوداً حقيقياً لتحقيقها على ارض الواقع) وكيف يتسنى له ذلك ويده مغلولة بالطوق الذي وضعته حولها اسرائيل ؟
الحديث عن ان اتفاق أبوجا سيكون ضحية ومهراً لمفاوضات الدوحة لا يسنده منطق ولا عقل والواقع يقول بأن ابوجا ولدت ناقصة لانها لم توطد أركان الاستقرار ولم توقف معاناة المواطنين ربما لعجز فيها أو نقص في قدرات الحركة التي وقعت على الاتفاق او لوجود حركات مسلحة أخرى نأت بنفسها عنها أو وقعت بحسابات أخرى وها هو بعضها يعود ويوافق على الحوار وصولاً للاتفاق وهو ما يجد من مواطني دارفور وجميع اهل السودان استحساناً وكنا نحسب أن يكون في مقدمتهم الأخ كبير مساعدي رئيس الجمهورية وأكثر من ذلك تكثيف الجهود لضم الرافضين من الحركات المسلحة الأخرى وإذا كان السلام والاستقرار هو الهدف المنشود فلماذا الخلاف حول المناصب الدستورية؟. ولدينا تجربة مماثلة للذين وقعوا على اتفاقية سلام الخرطوم 1997م ومن بينهم الدكتور ريك مشار والدكتور لام اكول ولما لم تحقق الاتفاقية الهدف المنشود عادوا مرة اخرى ضمن الاتفاقية الاشمل اتفاقية نيفاشا.. اذن لا ضير في ان يكون هناك ملحق لاتفاقية ابوجا يستصحب ما تم الاتفاق عليه سابقاً ويستوعب بقية القضايا والحركات الدارفورية الاخرى.
دعونا لا نفقد الامل في ان تتمخض مفاوضات الدوحة في نهاية المطاف عن سلام حقيقي وشامل يعم كل دارفور في غضون ثلاثة اشهر كما صرح بذلك عدد من المسئولين مع الأخذ في الاعتبار ان الجولة الحالية هي لايجاد اتفاق اطاري أشبه باتفاق مشاكوس الذي انجب نيفاشا وبهذا الفهم تحدث الدكتور خليل حين قال: (الأمل كبير في أن نصل إلى اتفاق سلام إطاري لتأتي بعدها الوفود الأخرى للدخول في تفاصيل هذا الإطار كي نصل إلى السلام النهائي قريباً).