مليونير من كلاب أحزمة الفقر … بقلم: طلعت الطيب
طلعت الطيب
24 February, 2009
24 February, 2009
talaat1706@hotmail.com
لم أشاهد الفيلم الذى حصد بالامس ثمانى جوائز أوسكار (ثمانية تماثيل) وهو فيلم (مليونير من كلاب احزمة الفقر) اذا صحّت ترجمتى لاسم الفيلم الذى حاز على تقدير المجتمع الهوليودى اى فيلم Slumdog Millionaire ، وقد تمّ تصوير أحداثه فى احد احزمة الفقر الشهيرة فى مدينة مومباى الهندية، تحديدا فى المنطقة الواقعة بين المطار والطريق الرئيسى المؤدى اليه، حيث يعيش حوالى نصف المليون مواطن ومواطنة هندية فى اكواخ الصفيح البائسة وبين أكوام الزبالة والمجارى القذرة، وقد تكون هذه المشاهد والصور البائسة و (أحياء الكرتون) مشاهد أليفة لمعظم سكان مدن ما يعرف بالعالم الثالث، حيث يتعايش المواطن مع البيئة المتدهورة وروائح القمامة والتى لا تقل عن روائح الفساد والظلم الاجتماعى التى تزكم الانوف فى تلك البلاد.
تقول الاحصائيات الرسمية انه يوجد حوالى اكثر من من ٥٧ مليون طفل هندى دون سن الخامسة يعانى من سوء التغذية، وبرغم احتفاء الشعب الهندى بالفوز الكاسح للفلم، والاعتراف العالمى الذى ناله، الاّ ان ذلك يفرض على الهند الاعتراف المحزن بحجم الفقر فيها، خاصة وأنها تعد واحد من اقتصاديات العالم الواعدة مما يعنى انه يتعيّن على الدولة القيام ببعض الاجراءات القاسية من اجل التقليل من هذه الكارثة الانسانية .
فى تقديرى ان فوز الفيلم شىء عظيم ، لأنه يقوم بتقديم الحياة وسط أحزمة الفقر، ويوضّح المعاناة الانسانية فى أبعادها الدرامية على ارض الواقع ، أيا كان شكل ذلك التقديم، ولأن الفوز سيساعد على انتشاره اكثر واكثر وحينها ستتعرّض شعوب العالم ، وتتعرّف على الفقر المدقع وأكذوبة الاقتصاديات النامية اذا كانت تترك ورائها هذا الكم الهائل من الطفولة البائسة والحزينة، فالشعوب الغنية فى الغرب خاصة، اصبحت تتحدث الان عن دورها فى مراقبة حكوماتها، وتوجيه الديمقراطية كى تكون فى خدمة الانسان اكثر واكثر، ليس على المستوى المحلى فقط ، ولكن كذلك على المستوى العالمى ، أو فيما عرف بالعلاقات الاقتصادية الجائرة بين الشمال والجنوب، ولا شك ان الفيلم سيساعد على ذلك الحوار بحكم انه يشكل حضورا جديدا للفقر الذى تحاول الحكومات اخفاؤه والتكتم عليه، انه يشكل ذلك النوع من الحضور المستمر، على الاقل لبعض الوقت، فى اذهان الملايين التى شاهدته او التى ستشاهده.
توقف الرئيس الامريكى أوباما فى احد اسواق مدينة أتاوا بشكل عفوى يوم الخميس الفائت ولمدة خمس دقائق اثناء زيارته لكندا التى استغرقت ساعات ، وقد كانت لوقفته تلك ومعانقته للناس العاديين فى السوق ، قد شكلت رمزية ساعدت على بلورت صورته الشعبية ، ولكن ذلك وحده لا يكفى اذا لم تقوم كل من الولايات المتحدة وكندا بالانضمام الى الدول الاوربية، والى الحملة التى تقودها انجلترا وفرنسا والمانيا من اجل مزيدا من التدخل وتقنين الضبط ومعاييره فى الاسواق المالية. ان وضع حركة رأس المال الخاص تحت دائرة الضوء بواسطة احداث اجراءات واضحة ومحددة هو الطريق الوحيد لايجاد الشفافية المطلوبة ، ولمعالجة ازمة الاسواق المالية والكساد الذى يعانى الاقتصاد العالمى من آثاره اليوم، وضمان عدم تكراره مرّة أخرى حتى لا تدفع فاتورته الشعوبكما يحدث الان.
بقدر ما يوضح النموذج الهندى بجلاء ان الديمقراطية والشفافية هما المدخل الوحيد لحل قضايا المجتمعات الانسانية، بقدر ما يؤكد فى نفس الوقت، على حقيقة ان الديمقراطية وحدها غير كافية اذا لم تصحبها الشفافية الكاملة من اجل محاصرة الفساد واتباع سياسات تضع قضايا الفقر والرعاية الصحية والتعليم فى اعلى السلم ، عند وضع الخطط والميزانيات من اجل التنمية من أجل احداث قدر معقول من العدالة الاجتماعية.
ان ظاهرة فوز باراك اوباما ، وانضمام كل من انجلترا وفرنسا الى المانيا التى كانت تنادى بمزيد من الشفافية فى الاسواق المالية ومنذ سنوات ، وذلك على اثر الازمة المالية الاخيرة ، ليعبّر عن صحوة جديدة تضع الديمقراطية على مستوى نوعى جديد من التطوّر فى اتجاه خدمة الانسان ، وانى اجد ان حدث الامس الذى توّج كلاب احزمة الفقر على غيره من الاعمال الفنية، لا يبتعد عن ذلك الاتجاه، خاصة فوزه على الفيلم المنافس ( حالة نجامين بوتان التى تثير الفضول)، الامر الذى أكّد على تلك الصحوة وذلك المزاج العام ، فهو نوع من الحضور الذهنى الذى يرتبط بحاجات العصر ومتطلبات المرحلة، وأظن ان البشرية قد أصبحت مهيئة له.