الجنائية المجنى عليهـــــا … بقلم: سعيد عبدالله سعيد شاهين
سعيد عبدالله سعيد شاهين
24 February, 2009
24 February, 2009
waladasia@hotmail.com
سعيد عبدالله سعيد شاهين
كــنـــدا- تـورنـتـو
منذ أن انسحب الأمريكان من التوقيع على الأنضمام للمحكمة الجنائية الدولية بعد أن أضافوا ما عن لهم من بنود تحمى مواطنيها نهائيا من الوقوع تحت طائلتها ، والمثول أمام منصتها ، وعدم التوقيع أيضا من قبل اسرائيل ، الصين ،روسيا ،وثلاث من هذه الدول تتمتع بحق النقض لدى الجهة التى يتم تحويل القضايا منها الا وهى مجلس الأمن الدولى ، منذ تلك اللحظة يمكن القول باطمئنان ان هذا المولود ولد ناقصا ،بل معوقا ، حيث فقدت المحكمة أهم سماتها الا وهى تحقيق العدالة المتجرده دون تمييز أو محاباة ، بل رسخت تحت سمع وبصر العالم أجمع مبدأ الأفلات من العدالة . كان من المنطقى والطبيعى ان كان الهدف المطلوب تحقيقه العدالة المجرده أن تكون أهم فقرات تاسيس المحكمه هو خضوع كل عضوية الأمم المتحده تلقائيا لأجراءات المحكمة من تطالهم أو تحوم حولهم شبهة ما هو مدرج فى اختصاصات المحكمة من جرائم يشتبه ارنكابها ،على أن تكون سلطات تنفيذ أمر الايقاف من سلطات الانتربول ، وأن تكون هناك آلية محايده تماما ، تتمتع عضويتها بالكفاءة والنزاهة القانونية ويتم اختيارها بواسطة الجمعية العامة للأمم المتحده ، ترفع ما تراه يستوجب الفحص أمام المحكمة الجنائية للأمين العام للأمم المتحده ليرفع الأمر للمدعى العام للمحكمة بصفته النيابة المتخصصه والممثل الشرعى المفوض من عضوية الأمم المتحده لرد المظالم الواقعة على فئة ترى الأمم المتحده انها مسؤولة عن أمنهم وحمايتهم ، وفق ما هو منصوص عليه فى اجراءات ما يلى المحكمة للنظر فيه .
المبدأ أن العدالة لا تتجزأ، تحت أى مبرر ، لا يمنح ولا يسمح الضمير الأنسانى ولا الشرائع السماوية والديانات كافة ، استثتاءا أو افلات من العدالة لأى جهة أو قوة . فبأى ضمير مرتاح يتم اعفاء فئة ما من المثول أمام منصة العدالة ؟. وبأى حق اكتسبة هذه الصفة؟ الم أقل أن المحكمة كمولود يمثل الشرعية الدولية ولد معوقا ؟بل أتعجب حقا كيف يسمح ضمير شخص يتصدى لهذه المهنة المقدسة (الا وهى العدالة) أن يكون مطية ليغمض عينه عن نفس الجرم من جهات اخرى منحت نفسها حقا لا تملكه ؟
وبكل أسف جاء المحك العملى للمحكمة وفى أولى قضاياها مثار الجدل ألا وهى طلب المدعى العام للمحكمة بمثول الرئيس السودانى عمر حسن البشير أمام المحكمة وفق ما أورده من تهم تطال الرئيس السودانى حسب ما قدمه من بنود اتهام . والأسف هنا ناتج عن :-
تحويل الأمر للمحكمة من قبل مجلس الأمن وهو جهة تفقد شرعية تطبيق العدالة او الأعتراف بها حيث يوجد ثلاثة من عضويتها لا يخضعون لأجراءات المحكمة ، بمعنى أنهم مستثنون من المثول أمام منصتها لو ارتكبوا نفس التهم ؟! فبأى حق تقبل المحكمة من حيث المبدأ هذا الأخلال بالعدالة التى هى منوطة بتحقيقها على الجميع؟ لأنه من المعلوم أن فاقد الشىء لا يعطيه .
أول من أدلى بمعلومة أن المدعى العام سيقدم طلب اتهامه هو الناطق الرسمى للأدارة الأمريكية التى لا دخل لها بأمر المحكمة بأعتبار أنها لا تخضع لسلطاتاها !!! وكان من المفترض أن يتم ذلك عبر الناطق الرسمى للمحكمة ، أى أن يدلى الناطق الرسمى للمحكمة بعد موافقة ادارة المحكمة بذلك ببيان حول الموضوع. بمعنى أدق أنه حتى المدعى العام ان كان يعمل بمهنية عالية وحيادية تامه ويضع تقديرا واحتراما لمنصة المحكمة ، أن يلزم الصمت لتتخذ المحكمة ما تراه مناسبا . بل المؤسف أنه صار بعد تقديمه لطلبه يتحدث فى كل المنابر موحيا بأن الأمر مفروغا منه وهى مسألة وقت لتنفيذ حكم جاهز ضد المتهم مما أفرغ المحكمة وسلبها حقها الطبيعى لممارسة وظيفتها بعيدا عن أى ضغوط أو ممارسات ، بل بتصرفه هذا أفقد المحكمة مصداقيتها واحترامها .
كثرت الأقوال وتضاربت عن صدور القرار أو متى سيصدر بل تم تحديد القرار الصادر قبل أن تصدره المحكمة مما اضطر الناطقة الرسمية باسم المحكمة أن تنفى صدور القرار؟وكان من المتوقع وهو حق أصيل للمحكمة أن توجه مجلس الأمن والمدعى العام التزام الصمت وعدم التاثير فى سير العدالة وهذا ما لم يحدث ؟
ومما زاد الأمر سوءا فى مصداقية العدالة الدولية تلك الجريمة البشعة والتى كانت تنقل على الهواء مباشرة ، المجزرة التى حدثت فى غزة مما جعل مذيعة تلفزيون اسرائيليه تجهش بالبكاء مما يحدث ؟ وعندما سئل المدعى العام للمحكمة أجاب أن هذا الأمر خارج اختصاصه؟؟؟؟؟؟؟ ألم أقل أنه مولود معوق .
أننى لا أدافع عن الرئيس السودانى أو أطلب له استثناء ، ولكن أطالب بيقظة الضمير العالمى ، خاصة من يمتهنون مهنة من أقدس المهن فى تاريخ البشرية الا وهى الأمساك بميزان العدالة بكل تجرد ومهنية ونزاهة لتحقيق العدل على الجميع لأن الظلم هو الظلم أينما كان لايخضع للون أو عرق أو جاه أو قوة لأن العدالة هى الأقوى والمقدمة على جميع الأعتبارات .
عليه ولأن العدالة مطلب أصيل حتى تنعم البشرية بالأمن والسلام
ولأن الأفلات من العقوبة أمر مرفوض فى كل الأحوال ، ولأن المحكمة الجنائية الدولية أمل الجميع لتكون أداة فاعلة ليسود الأمن أرجاء العالم لا نطالب بألغائها ولكن نطالب بالأستفادة من هذه التجربة تجربة قضية الرئيس السودانى ، وذلك بأعادة النظر فى أمر المحكمة ووجوب خضوع جميع الدول الأعضاء بالأمم المتحده لأجراءاتها الزاما ، وتشكيل آلية غير مجلس الأمن لتقديم القضايا عن طريق الأمين العام للأمم المتحده ، للمدعى العام لمباشرة الأمر ، والزام الجميع بعدم التدخل فى ما هو معروض للعدالة الا بعد انتهاء الموضوع المعروض بصفة نهائيه ولتأكيد ذلك وحتى يقدم القضاة الأجلاء النموذج المرجو منهم فى ماذا تعنى قدسية العدالة أو التأثير فى سير أعمالها . أرى أن يصيغ السادة القضاة مذكرة تعيد للقضاة هيبته وللعدالة سلطتها واستقلاليتها ، من واقع التجربة الماثلة ، فى القضية المطروحة وما أعتراها من تدخلات أفقدت العدالة مصداقيتها حتى لو كانت التهم الموجهة صحيحة، حيث أن الجو العام للسير فى اجراءات المحاكمة بات ملوثا تماما أمام هيئة المحكمة والتى نثق ثقة مطلقة فى كفاءت ونزاهة من يجلسون على منصتها ، ولكن قدرهم أن بات من أولى أولوياتهم وضع الأسس الصحيحة والمعايير الدقيقه لمبدأ العدالة للجميع ، واستقلالية المحكمة من أى مؤثرات ، وأن تقدم هذه المذكرة مشفوعة باستقالات جماعية حتى يشعر الجميع بجدية الأمر ومدى ما تم أخترافه بحق العدالة الدولية ، وليكون ذلك عونا للعدالة الدولية فى مقبل أيامها ، وهذا الأمر لا يقوم به الا من يعتز بمهنيته العالية ومصداقيته فى العمل المتجرد من أى غرض الا تنفيذ العدالة ورد الحقوق لأصحابها من غير تمييز . وبغير هذا
حقيقة أخشى أن أقول أنه تم أرتكاب جريمة نكراء فى حق العدالة عندما يباح لكل من هب ودب أن يوجه أو يسمح له بالتأثير فى سير العدالة أو استثناء نفسه من المثول أمام العدالة الدولية ، وكم تكون طعنة نجلاء فى قلب العدالة وبأيدى من كلفوا بأمر العدالة ويكفى أن المحكمة الجنائية الدولية (جنى) عليها من الآخرين ، وكم يكون مؤسفا أن يكون من ضمن الجناة أو المتسترين أوالممرين للأمر هم أهل المنصة أنفسهم ونربأ أن يكونوا من ذلك . ونثق أن ضمائركم الحية ستجعلكم تضعون اللبنات السليمة لمستقبل عدلى أفضل ، سيسجله لكم التاريخ بمداد من ذهب ، وأنتم أهل له..