إدمان المخدرات – رؤية سردية
د. عمر بادي
2 March, 2009
2 March, 2009
بقلم د. عمر بادي
ombaday@yahoo.com
كنت قد وعدت الأحبة القراء في مقالة لي سابقة أن أقدم لهم نقدا لكتاب ( ربع جرام ) الذي كنت قد إقتنيته أثناء زيارتي للقاهرة في هذا الصيف , بعد أن لاحظت رواجا له بين مشتري الكتب , و سمعت تعليقات كثيرة تشيد به كرواية واقعية عن عالم الإدمان و مآسيه .
مؤلف الرواية عصام يوسف هو إبن الكاتب الأديب عبد التواب يوسف رائد كتابة كتب الأطفال في مصر و الوطن العربي . أما والدته فهي الكاتبة الصحفية نتيلة راشد ( ماما لبني ) رئيسة تحرير مجلة ( سمير ) علي مدي أربعين عاما . لقد تخرج عصام يوسف من كلية الآداب في جامعة القاهرة و هو يعمل حاليا مديرا عاما لشركة مونتانا ستوديوز للإنتاج السينمائي , و تعتبر هذه الرواية أول عمل أدبي مطبوع له , و الكتاب عبارة عن رسالة توعية و تذكير لكل مدمن علي المخدرات و لأهله و لأصدقائه و للشباب عامة .
لقد لقيت الرواية رواجا منقطع النظير منذ صدور الطبعة الأولي منها هذا العام حتي وصلت الآن الي الطبعة السابعة . إن أهمية الكتاب تتجلي في أنه رواية واقعية تتصدي لأكبر مشكلة تواجه الشباب ألا و هي مشكلة المخدرات , فبطل الرواية صلاح هو شخصية حقيقية كان قد روي للكاتب قصته الكاملة مع المخدرات فكتبها المؤلف و تركها في طي الكتمان عملا برغبة بطلها , و خلال تلك الأعوام شفي بطل القصة من داء الإدمان علي المخدرات , ثم تقابل مع المؤلف و اشار عليه ان ينشر روايته تلك لتكون رسالة للشباب و لذويهم عن الآثار المدمرة للمخدرات . بطل الرواية صلاح ينتمي الي عائلة مرموقة فوالده مهندس معروف و عضو في مجلس الشعب ووالدته أستاذة جامعية تحمل درجة الدكتوراة في التاريخ . الكتاب في شكله يحتوي علي 635 صفحة من القطع المتوسط , و عنوانه مقتبس من فقرة فيه دللت علي أن المخدر و خاصة الهيرويين و إن قلت كميته لا يستهان به في تأثيره علي الشلة حتي يتحكم فيهم بعد ذلك !
الرواية في مجملها تركز علي دور ( الشلة ) و أصدقاء السوء في جذب الضحايا الشباب الي الإدمان , سواء في الزمالة الدراسية في المدرسة أو في الأندية و الأحياء . كما تركز علي مشكلة بُعد الأبوين و إنشغالهما عن مراقبة و رعاية الأبناء سواء بضغوط العمل أو بمساهمتهما الإجتماعية و الخيرية . تتطرق الرواية أيضا للسلوك الموصل الي الإدمان بأنواعه ... إبتداء بتدخين السجائر في الخفاء أثناء الطفولة , الي تجربة شرب البيرة تمثلا بالكبار , ثم التحول الي المشروبات الكحولية المركزة , ثم يأتي تأثير أصدقاء السوء في تجربة تدخين الحشيش و البنقو و إستعمال الحبوب المخدرة , ثم الإنتقال الي شم الهيرويين و الكوكايين و الحقن بالمورفين ...
الرواية مكتوبة بلغة عربية بسيطة , تجنح كثيرا للعامية , ربما لإعتماد المؤلف علي التسجيل من سرد إملائي من الراوي , و لكنها مليئة بالتفاصيل المتعددة عن المسكرات و المخدرات و الفتيات الساقطات في فخ المخدرات . هي بذلك تعتبر رواية واقعية عن حياة شريحة من الشباب .
إن الأفكار التي يروجها متعاطو المخدرات و مروجوها بين الشباب لجذبهم لها تنطوي علي مغريات بان المخدرات افضل من غيرها من المسكرات في أنها لا تظهر علي متعاطيها و لا تؤثر كثيرا في سلوكه و يمكن له الإقلاع منها متي قرر ذلك . كل ذلك محض إفتراء و مجاف للحقيقة , لأن المخدرات مع التعود عليها تقود الي تزايد الجرعات و الي التحول الي الأنواع الأقوي منها حتي يتم للمفعول تأثيره , و بذلك تتحول الي عادة و إدمان لا فكاك منه , دون أن يدري المدمنون بذلك , و دون أن يعترفوا أنفسهم بأنهم مدمنين . لذلك يصير المدمن في سبيل حصوله علي المخدر مستعدا لعمل أي شيء ليتحصل علي النقود سواء عن طريق السرقة و التي تصل الي سرقة مقتنيات البيت و بيعها , و ربما تصل الي الولوج الي عالم الجريمة و الي مصيدة المروجين و عصابات الإجرام بل و الي عالم العمالة الأجنبية . في هذا الخصوص فإن بالكتاب إتهام صريح لإسرائيل للترويج للمخدرات خاصة الهيروين وسط الشباب و بأسعار قليلة و مغرية جدا بواسطة عملاء لها .
الشيء المحزن في تلك الرواية هو معرفة الشاب المدمن بمآلات الإدمان و حتمية موته المأساوي في ( أوفردوز ) لا يعود بعدها الي وعيه و الي الحياة , و رغم ذلك لا يستطيع الإقلاع عن التعاطي بعد أن يتملكه الإدمان , و في الكتاب في أماكن عدة يذكر المؤلف كلمة ( أوفردوز ) هذه و قد عربها الي الفعل ( أوفرّ ) , و قد ذكر حالات مؤثرة عن شباب قد ( أفرّوا )و فقدوا حياتهم قبل أن يتم إسعافهم .
تحدث الكتاب عن الأمل في إسعاف المدمنين عن طريق مستشفي إعادة التأهيل , و هي نوع من المستشفيات صار معروفا في معظم البلاد . هنا لا بد من الأخذ بيد هؤلاء المدمنين الضحايا و إعتبارهم مرضي و ليسوا مجرمين يحاسبهم القانون , حتي يعودوا مواطنين صالحين في المجتمع . لقد ذكر الراوي صلاح في الكتاب أنه قد لفتت إنتباهه لافتة في مستشفي إعادة التأهيل من الإدمان مكتوب عليها : " اللهم إمنحني السكينة لأتقبل الأشياء التي لا أستطيع تغييرها , و الشجاعة لتغيير الأشياء التي أستطيع تغييرها , و الحكمة لمعرفة الفرق بينهما " . كما ذكر أنهم في مستشفي إعادة التأهيل يلقون عليهم محاضرات و ينظمون لهم حلقات حوار تتركز في أشياء ثلاثة : الأمانة و التفتح الذهني و النية . الأمانة في أن يكون المريض أمينا مع نفسه في كل متطلبات الأمانة حتي في تناول الدواء , و التفتح الذهني في الصفاء في التفكير و في الإستفادة من درس التعاطي و في العودة الي الإيمان و قوته , أما النية فبدونها لا يصمد المدمن علي ترك التعاطي و إنما يعود إليه بعد خروجه من المستشفي . لذلك كانت النية بالشفاء و عدم العودة تتم بمساعدة متطوعين كانوا في الأصل مدمنين و تخلصوا منه و قد كونوا أفرعا لجمعية عالمية لها برنامج معروف ببرنامج المدمنين المجهولين و الذي يحتوي علي برنامج الإثني عشر خطوة .
المدمنون المجهولون هي جمعية عالمية تكونت بعد نهاية الحرب العالمية الثانية من مجموعة من المدمنين القدامي علي الخمور الذين تعافوا منها , ثم صارت الجمعية تهتم بكل أنواع المؤثرات العقلية و أضافت المخدرات اليها . للجمعية أفرع في 127 دولة و لها إجتماعات أسبوعية تصل الي 43 ألف إجتماع في كل تلك الدول أسبوعيا , و لها برنامج مكون من إثني عشر خطوة يتبعها المدمنون المرضي الذين ينوون الإقلاع . تضم هذه الخطوات الآتي : الإعتراف بالضعف تجاه الإدمان , الإيمان بأن هنالك قوة أعظم من أنفسنا بإستطاعتها أن تعيد المدمن الي طبيعته , إتخاذ القرار بتفويض الله في أمرنا و إرادتنا , الرجوع الي النفس و محاسبتها أخلاقيا , الإعتراف لله و لأنفسنا و لشخص نثق في مساعدته بأخطائنا , سؤال الله أن يخلصنا من نقائصنا الشخصية , تحديد الأشخاص الذين آذيناهم للإعتراف لهم , الدعاء الي الله و التأمل في حالنا , الوصول الي الصحوة الروحانية ....