زهاء الطاهر كيف انت الان يا صديقى؟

 


 

 


سلمى الشيخ سلامة
1
لحلمى اليوم رائحة الموت، لا اعرف السبب ، رغم ان المطر كان فى اعلى معدلاته ، كنت حزينة ، حتى اننى اعلنت لاصدقائى اننى ساضع نقطة ولن ابدأ سطر جديدا
الاخبار من ناحيتها كانت لاتبشر بالخير ، هل اسهبت فى الحزن؟
وما لى سوى الحزن يرقد الحزن الى دولاب حياتى مستكينا ، يمشى معى اينما حللت ، لماذا الحزن كائن قائم فى خطوتى دائما؟
رغم انى استمع للموسيقى التى قالوا انها ترفع البلاء ، لكنها مجلبة للحزن ، اخ يا حزن ، اطلع منى
كلما تذكرت ان هذا الشهر اخذ عنى صديقا احس الحزن يلبسنى
لقد رايته فى حلمى بالامس
هو زهاء الطاهر ، الله ، حين رايته اول مرة كان ذلك منذ اعوام سحيقة ، كان ممتلئا بالحياة وينادى الجميع ليعبوا من كاس الحياة التى كان يعبها برفاهية متجلية فى كتاباته
الله يا زهاء تركت لى الحزن ومضيت
لماذا يغادر اصدقائى معترك حياتى يتركوننى نهبا للحزن ؟
لماذا ؟
لا اعرف لكنها سنة باتت لدى ، كلما مددت يدى لازهارهم اجدها تبوح بالمضى ، لبعض الوقت تمنت روحى ان تذهب لكنى كنت انتظر شئ ما ، ليس بين العودة وبينى حجاب ، لكنها مستحيلة
2
وليمة  لأعشاب الحب
كتب الى ّ ذات مرة يقول
ولو انكى فى سكة اسفارك من اقصى وريدك نحو وريدى ، وحتى ثمرات القلب ، مرورا بكعبة حلمك لمحتينى للحظة متدليا من غصنك الشرقى او نبتة حلم تضوع فى ذاكرة رملى ، او انك فى غمرة وجد رايت مطالع روحى تخرج من وحيى غمائم شوق وتباريح مسكوبة لحنا مجروحا فتوقفى وهزينى ، هزى اغصانى اتناثر عليك قصدا ، وسألح عليكى ان تسدى قمرى على امل او فرع فيك ، واسندى عصفورى ، واسكبى ما تبقى فى دن العمر والحقى بشجنى الباقى وألحفى باهازيجك حتى اتم حليبى وحلبى واضوع فى ذاكرة رملك او دعينى اتبخر فيك
كيف الحال ؟
كيف العافية والصحة
كيف البال ؟ اخيرا لكى الود كله
اكتبى اى شئ
كل شئ
زهاء الطاهر
يونيو 1994 الدوحة
3
رسائل زهاء
  ـ وما تلك التى بيمينك يا سمره ؟
ـ انها وردة ........ اهش بها على حلمى وارعى بها انجم الروح  فى ليل الندى
الخارق ، واشدو لها وارسمها بالاخضر الفالت لتروى صباحات الامل والعمر البهى ، وشاحات الاصائل الشافية مناديل الفؤاد المطرزة بالجزالة والحنين والصبا الراتع الماتع المطل وردات وفواتح وسماوات وديعة وشذى
الامل الفارع كالامل والزاهر للابد
المكوثر كسفر اليقين الموشى بلحون الشجن الشفيف
الوارف الاخطل
الجزل / الجذل
الحنون / الحنون
ـ انها روحى العصية يا سمرة ... الشجية هكذا
(هى روحى فما عاد للخوف (منها او عليها ... او علينا ) معنى
ما عاد للصمت معنى ولا للبعد معنى ، ولا للموت معنى ولا للقص او الرمز معنى ، ولا للشعر الهش معنى ، ولا للامطار معنى او للبرد معنى ، ولا للصيف معنى ................ لا )
يا غيمة تجلت .. اهطلى فىً اغرقينى اجمعى واغرقى قربى حتى النهاية ، فقد آن يا سمرة فيما يحدثنى قلب الوردة ان
ـ خوف الوردة بشرى لقاطف الورد المشوق ، فاعينى  هذا القلب يا آلهة الثبات
ويا ربة الموسم الازهر ، فاسرعى الىً بشتلات الغناء 

وانا من يقرأ لى قدرى ؟
من يقرأ لى سرا اسرار كفى فى بعض كفى ؟
والاسطر الناميات فى وديانها ونواحيها ويترجم لى كل هذا الشوق ؟
ويسلطنى عليك
غير هذا الوجد
اه منك
ومن بعدك هذا
كاد يجف لحنى لولا جنونى
كأن اقول لابى ببعض الجد والمرح
ــ انظر ما اورثتنى يا ابى
سيبتسم ، كأنى به يحرضنى
ـ كل شئ الا الخوف يا زاهى
(فلا تخافى او تصمتى واساليه وقولى ما سيقوله ، اساليه )
العمر تواق يا سمرة
والدنيا خضراء خضراء كالبسمة(وكتلك الضحكة )
والقلب مراتع
والافق ريد مقسوم وحب مقسوم وامل مقسوم
فيا الهى اين حظى من غنائكى اين انتى من حدائى ؟
ويا سمرة هل على َ ابداء شوقى ام اداريه حتى يفنينى واستريح
سيفتك بى ان لم تغثنى الطائرات القادمة
فيا نجوم الفجر
اخلعى خوفك كله واقدمى
انكى بالوادى المقدس طوى
اطوينى فى جناحك والهمينى وسالهمك
وانشرى ما ترين لله
او للشيطان
او لامى وامك

ـ خذينى معك !(قلت لها )
قالت لى
ـ وما الذ اخروجك فى عقبى ؟ اخرجك يا انت فى مثل هذا الزمن الشحيح ؟ اين كنت ؟
ـ كنت فى اثرك بمقدار ذراع ـ من الفى عام  فخذينى وضمينى اليكى ثلاثا  قبلينى بربك لاحسك جمعك فى شرايينى كلها
ـ وبعدها ؟
ـ ضمينى اليكى وادخلينى جوفك اذا شئتى
ـ انتظرنى
ـ انتظرتك العمر كله
ـ ايضا انتظرنى
(يا قديس الصبر اعنى ، ياعمرى التواق اعنى )
ها اليكى سفر اليقين فماذا اقول بعد ؟
اما جاء دورك كى تقولى ؟حسنا انى كلى اذان وفؤاد
ـ كم الساعة الان ؟ ارمقيها من اجلى واسالينى عنها يوما حين ترمقيننى
4
ِسفْر الخوف

(1)
طلع الخوف علينا من ثنايا الحلم ، كنت صبية بعد وكان الحلم كوة انظر من خلالها إلى عالم مثقل بالتناقضات ،ضوء، أمل، خوف، ظلمة، وطلعت أنت علىّ:
انسجنى عباءة
 لفني بك
 ازرعني حديقة
واروني بك
اجعلني أرضا ،وغطنى بك
 مدني صراطا ودعنا نمشى فيه معا
ـــ هذا شعر ..... أم؟
ـــ دعنى انثره عليك من فرجات الضوء نارا يشتعل فتيلها لحظة أن التقيك  ارانى خائفة خوف يطاردني كالظل يسيجنى بغلالة من ظلال لقمرمنسى
ـــ انتى الآن ندف من الثلج على حر العمر
ـــ أترى يا وهج النور، هيا ابرق على عمري، على غدى الممتد، اسطع، اسطع، بك انت
ــ بكى انتى يبدو العمر أزهى، أبدع
ــ بت تنظم شعرا، هذا يخيفني
ــ لكم احبك
ــ لكن الظل يطاردني، الخوف يسربل روحي
ــ تعالى معي، سأعبر بك إلى بر آمن
(2)
كنت واهمة أن خوفي إلى زوال، حين امتطيت صهوة الحلم وأسميته انت كنت واهمة حين تما هت خطوطك وخطوطي في الافق، خرجت لحظتها جبال خوفي تمادت روحي في الغلو، فغلى دمى
كان علىّ أن اسافر، أن اغادر، لم اكن اعرف إلى أين ؟ لكن كان علىّ أن افعل
ــ سافري إلى ربى قلبك
ــ هذا صوت امى
امى رصيفى الذي أتمدد إليه حين يبلغ بي التعب، تهدهدني امى تمنحني الأمان فامتاح من فيضها، تنثال كلماتها كالنورفى عتمتى، كدت أهوى ذات لحظة في ركام النسيان، لكنها شدتني، نزعت عنى فتيل الخوف إلى حين، ضحكت في وجهي، بفمها الدقيق وأسنانها الناصعة النضيدة، خرجت اللغة نظيمة وحلوة
ـــ هكذا هي الحياة يا ابنتي، أدرك حجم جرحك، أنا أمك، لا احد يرى جراح الأبناء سوى الامهات
(3)
امتطى الآن خيول الشوق عساها توصلني إليك، أهفو إليك يا امى، افكر فيك، كيف اعبر إلى هناك ؟ كل هذى الفيافي امامى ومفازات الروح  مفتوحة على السرمد ، صحراء القلب عطشى لقطرة من حبك ، لضحكك الطفولى
ـــ كيف انتى الآن ؟ اعرف انك مملوءة بالقلق علىّ، تجدينني أيضا قلقة عليك، أصارع ما استطعت طواحين الهواء الفاسد والكاسد الملئ بالتلوث والضجر، هنا فى القاهرة، حيث الكلاكسات والضجيج البشرى يعكران الصفو، وخاصة ما ينثرونه من سباب علانية، اكرههم يا امى لأنهم يسبون أمهاتهم، لعلهم لا يعرفون مدى حبي لك ؟يا من تملايننى الآن، يقولون عنى طفلة !!!طفلة ما أزال، لكنى اعرف سأظل تلك النطفة في امرحبى لك
(4 )
ألقيت كل ثقلي على ظهر موجة طافٍ عليها مركب، المركب موثوقة إلى المرسى، سحبت المرسى، حاولت التجديف، كادت المركب أن تفلت، ثمة موجة عظيمة عبرت تلك اللحظة، تشبثت بقوة في حافة المركب
ضربت الآن المركب عرض البحر، طفقت تحل من يمٍٍ إلى آخر، من شاطئ إلى آخر، يسلمني هذا إلى الآخر، موجة تقذف بي إلى اخرى اخرى تقذف إلى وجهي بزبدها، اغسل وجهي بذكراك كل مرة خيل الىّ أنى غسلت كل أحزانى، ارانى ألوك الصمت الآن، لا اعرف كم تبقى لى منها
احلم أنها انزاحت أود لو أعود (جديدة ) لأخرج عن متاهة العمى للضوء
(5)
كنت كلما التقينا نتحادث، كان يحدثني عن تجاربه، انتقالاته من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب، كان مولعا بالشرق وفلاسفته، كان يحدثني كثيرا عن تلك الفلسفات، وكيف أن بعض الفلاسفة كانوا يلقون الحكمة إلى ماء الحديث فتخرج الحكمة كالسمكات التي تعارفوا على تسميتها بالبوذية والكنفوشيوسية، حدثني عن بيدبا وكيف كان يتجنب ــ على الإطلاق ــ استخدام كلمة (أنا)
ــ سألته من أكون ؟ وسألته أن يرمى إلى ّ بسمكات المعرفة
(6)
أعود إليك يا امى، ادعوك أن تنسربى داخلي كنهر أبدى، اجعليني شلالات تفيض بحبك، ثم انزرعي فى ّ كضريح خالد يزيح عنى اسطورة الخوف
(7)
سألتني ( أنايّ ) ذات مرة من تحبين ؟ قلت لها: امى والسفر
(8)
فى دوحة الوحدة قالت لي نخلة:
ــ هذى مواسم اللقاح، وانتى جزع وحيد، فآليت على نفسي صمتا وطرت إلى نخلة أخرى وجدول تتكئ عليه، جلست إلى طرف الجدول، لكنها نكأت جراحي
ــ قلت لها: سألزم الصمت
ـــ قالت: سيطويك النسيان
ــ قلت لها: لكنى خائفة
ـــ قالت: أحد،فتوكلي عليه
هززت جزع روحي فلم يجب وتساقط دمع ملأ المكان
( 9)
لليل هنا طعم ماكر، تبرز أنيابه حتى إن كان يرمى إلى الابتسام، لكنه لا يبتسم قط ربما خشية أن تقع أنيابه
( 10)
يا قوة، يا قوت ، يا هذا الذي يشعل جسدي بالرغبة والشهوة ويختفي، كنت فى تلك اللحظة أحاول صنع فضاء من الأنس والالفة لكنني خائفة
(11)
ادخل دير روحي هنا أو هناك فى( سانت كاترين ) يهبط علىّ جن الشعر وحى الشعر،  وحى الحب، وجن الحب فأتدثر ببقايا ما كان من ذلك ولا يبرحني خوفي
(12 )
يهمى مطر كع كع كع ، طق طق طق طق  اتبلل به
اتغطى بصوت امى فيغينى وخز المطر
1991
القاهرة
كتب الىّ زهاء يقول    
اسعدنى( سفر الخوف )ساحفظه لاتلوه عليك قريبا وساتلوكى وستقراين عينىً (سرا كان ام جهرا ) وسأقراكى فلو انى يا سلمى يوما ، لو انى يوماانمتها على عشبى
وتوسدت يسراى
وطوقتها بالاخرى
فلو فعلت لخلدتنى فيها
ولاتيتها باوقات جديدة للورد
وبازمان جديدة لوردها
وردها الرامى بظلال اليقين على ً وعليها
النابت بين اكناف الابد
المنكهَ بايات التجلى
والصبابة
والحنين والشوق ابدا لها
والصبر الذى لوع مداخلنا
فاحالها واحالنا الى سجايا
نغمها شجن الورد الحنون
ايا وردة نبتت على صدرى اليسار
اترعى لى من فيوض حضورك الزاهر
ومن اصوات محركات الطائرات الاليفة
التى تعنى لى وصولى
او وصولك حواف وادينا

5
لك انثر وحدتى
الى سين
ناح ، كان ان ناح، والقطار  اجمعه تجهم ، زفر ثم ساح ، ثم زفر ، وهدأ
ثم تبسم
كان مجهدا ، متربا ، اشعثا ، وكان المساء كله منطرحا بين قدميه ، على يمين السكة الحديد ، قرب شجرة الهجليج الشقية  ،  وبعض شتلات النيم اليتيمة ، قرب قرننا هذا ، فخرج اول مرة يتهادى ،ذات شتاء ، ذات صيف ، ذات عمر ما ، وكانت الرابعة ، او ربما الثانية ، او ربما شيئا آخر من يوم خميس واسع وابله ، وردئ الصنع ، اصبحوا يصنعون اياما غاية فى السوء  وفى القصر ، وفى الركاكة ، لكن ربما كان جمعة ، لابد ان اليوم كان جمعة ، والا فما معنى ان تتجه كل هذه القمارى شرقا اول هذا الصباح ، ثم تمعن ريشها ، وتزفزف لنا هكذا ، ؟
اتريد ازدرادنا دفعة واحدة ؟
دخل اربعينياته وانحنى ليمر من تحت بوابة المحطة كما يمر المطر ، وشمس امل كانت فى كبد الاشياء ، لكنها كانت متسلطة على كبدى ، وهى ابدا لم تكن قربه حتى حين انشرخ النواح
هو الذى كان دوما قربها حتى حين شرخه النواح ، وابتسم ، حتى حين اننى مثله القطار ذاك المساء ، وهام القطار ذكية وزكية ، ولم يكن يجيد سوى التحديق واحتساء الاصائل ، وهى كانت توأما لها ، للاصائل والقمارى وهديلها
كان ان تحرك القطار وخرج اجمعه من وقاره ، وخرج اجمعه من سكته ، وطار فى اتجاه الروح ، وامل واقفة على نبضها تنظر اليه ولم تحادثه ، ولم يفاتحها فى امر ، حتى حين ضجت دماؤه سالها بحياء ولم يكن ينظر اليها ، فقد كانت بعيدة
ـ ايمكن ان نلحق به ؟
اسدلت جفنيها ، من منكم راى امل وهى تسدل جفنيها ؟
اسدلتهما واصطنعت معه بعض الخصام ، وطقطقت بما تلوكه ، بصوت ما ، لا لتبهره ، ولا لتفزعه ، فقط لانه كان مجهدا ، ثم التفتت كسحابة تنظر لايام الخميس وبعض القطار
وكانت نديانة وندية وكانت فى ثلاثينات القصائد ، ناضجة كقصيدة من البحر الاخضر ، قوافيها حواشيها ، فرس فى شرخ الصهيل ، يفوح عرفها طيبا ونداوة وحلمت ان تزمل بى فسالتها
ـ انشدينى امل قصائدك الاخيرة
قالت لى
ـ لن اسالك لماذا لكنك ما بالك عجول  هكذا ؟


كانت مطالعها تشبه السحاب المزركش ، وكانت خواتمها  فى لون الامل وفى لون المعجزات والاصائل كلها ، كانت تريانة
قالت لى
ـ اتعبتنى
وسالتها
ـ انا ؟
قالت لى حين كانت جالسة على طرف العنقريب
ـ انا مستعجلة ماشه اشوف اشغالى
قلت لها
ـ لماذا تفلتين منى دائما وتصطنعين خصامى ؟وتجاهرين بصدى وتمعنى فى البعد عنى ؟ تكاوينى ؟
قالت لى
ـ  لانك واحد منهم
ثم اضافت وهى تنظر فى عينى بغضب
ـ كلكم (.........)
ثم قامت
قلت لها
ـ لكنى احبك
التفتت الىً  وكانت فى طريقها نحو ايام الخميس
ـ كلهم ردد نفس الاسطوانة "قصة الولد اليتيم "
ـ لكنى لست مثلهم ، طينتى اخرى وهى ذاتها التى صاغوك منها
ـ من ادراك
سالتنى
قلت
ـ لكنى لست كاحد، لست مثلهم يا امل
مازالت واقفة تنظر الى ً حين قالت
ـ ربما لست مثلهم ، ربماا نت وانت بالتحديد قد تكون اكثرهم ركاكة ، فجاجة وقلة ادب
سالتها
ـ تعالى نراهن ونلعب الورق ، ولينتصر منا واحد لينهزم الاخر
جاءت وجلست مرة اخرى فى طرف العنقريب ، نظرت الى ولم اكن انظر اليها ، اخرجت ورق اللعب ، وقمت ووزعت سته وعشرين ورقة لكل منا ، وجاءت كل اوراقها السته وعشرين بنات
ـ ستة وعشرون بنتا ؟
سالتها
ورفعت الى صدرى اوراقى  كانت كلها بيضاء بلا صورة وبلا رقم ، سته وعشرون ورقة بيضاء
نظرت الى مرة اخرى وسالتنى
ـ كيف ترى حظى ؟
قلت لها
ـ لماا تنظرين الى هكذا ؟ لماذا انتى قاسية هكذا يا امل ؟
والتفت الينا القطار راميا اذنيه لكى يسمع فقالت بهمس
ـ لا تصرخ هكذا ، لتصمت حتى لا يسمعنا القطار فيحدث اباءنا امهاتنا  وتلك
الاصائل

لم نكن صغارا ولم نكن اصغر حتى من اصائلنا،لكنها كانت خائفة ، وهذا ما اخافنى
قلت لها
ـ اشتهيت السفر وهاانتى تخافينه
ـ لقد اسهبت
قالت لى
وهى اول مرة فى اربعيناتى اصطك بمثل هذا الاسهاب الحزين
وحين كان يقلها بص مدرستهن من شرق المدينة الى جنوبها كنت انطرح للبص بجسدى كله من غرب المدينة حتى شمالها فيتخطانى ، وتضحك امل لكنى ابدا لم اصطك
لكنها ما عادت تضحك لى ضحكتها الجميلة ، وحين تجلس الى او اجلس اليها تحاصرنى بوجهها القسيم ، تحاصرنى باشيائها الصغيرة  الجميلة حتى ترانى اتراجع واتداخل فى اظفارى ، فتنبر قائلة
ـ إنسل
حين عادت وجلست الى طرف العنقريب مرة اخرى قلت لها
ـ طاعمة انتى يا امل
قالت
ـ انا لا احب هذا التشبيه
وسالتها
ماذا على ان اقول ؟
قالت
ـ كان يمكنك ان تقول :امل انتى تشبهين يوما ما
ـ حسنا امل انت تشبهين يوما ما
ـ اى يوم ؟ سالتنى
ناح القطار خرج يتهادى وهى قربى بمقعدها كنا بالقطار وحدنا
سالتنى
ـ لماذا تاخرت هكذا ؟

 ناح القطار  وخرج يثب ، كنت وحدى وكنت احلم ، فقلت  لها
ـ لماذا تاخرت هكذا ؟ انا مخاصمك يا امل
ابتسمت ، وناح القطار
كنا ثلاثتنا جالسين فى ساحة المدرسة نغنى بخفوت
قالت لى
ـ لترفع صوتك قليلا
ابتسمت ورفعت صوتى فقامت وذهبت تركتنى بالساحة وحدى قام معها الذى كان معنا وانا خاصمتهما
ـ انا مخاصمك يا امل
قالت
ـ لن اسالك لماذا ؟ لكن لماذا ترفع صوتك هكذا ؟
والقطار استاء فخرج من سكته وخرج من كل شئ واتجه نحو سماواته ليشحن بعض المعجزات وياتى لنا بها فكلما اتى بمعجزة جديدة ازدرى كفرى به وبها حتى تصالحنا امل فاقوم واخرج من بين الصفوف حتى السبورة الواقف قربها ناظر مدرستنا فاتناول من جيبه منديله الابيض الموشى بالحرير وامسح به كل ما هو مكتوب بالسبورة ، واقذف بالمنديل من النافذة ، فتقوم امل تخرج بالنافذةلتاتى بمنديل ناظرنا حين اكون فى تلك اللحظة ارسم كل  وجهها  على السبورة ، تعود بالباب ، تدخل الفصل وترى وجهها مرسوما فتقوم تمسحه بمنديل  ناظرنا وتقذف به وتخرج غضبى وتخاصمنى
ـ لماذايا امل ؟ هذا حين الحق بها واسالها
تقول لى
ـ لانك مثلهم، بل اكثرهم ركاكة
واسالها
ـ انا ؟
بشارع الموردة جلسنا معها قرب الموردة ، وقبل ان اقول لها كلمة واحدة قالت لى
ـ لنقم من هنا
قلت
ـ سنقوم ، لكن عليكى النبى يا امل لا تساليننى الى اين نحن نسير ؟ فقط تابعينى هذه المرة
قالت لى
ـ مستحيل

تابعينى واصمتى هذه المرة
قمنا تحركنا اخذنا شارع الحلم مررنا بشارع الحدائق فطلع بنا حتى قرب ميدان الربيع مررنا بالمسجد الجامع حين سمعنا تكبيرات المصلين ، القينا نظرتين داخل المسجد الجامع من خلال نوافذه العديدة فراينا المصلين جميعهم فى طريقهم الى سجود السهو
قالت لى املى
ـ هى كلها اربعة ركعات فى ثلاث دقائق ويسهون فيها ؟
وقالت لى ايضا
ـ انت ايضا مثلهم الرجال كلهم يسهون
قلت لها
ـ ربنا يسامحك انا اسهى ؟
وصمتنا وسرنا حتى وصلنا مدخل الكوبرى  فسالتنى
ـ احنا ماشين وين ؟
كانت قد وقفت تصلح من ثوبها فلما فرته بدت لى كقمرية نشوانة بغديرها ، حملت امل بين ذراعى وركضت بها
سالتنى
ـ انت مودينى وين ؟
رآنا القطار وابتسم ، كانت تمام  الرابعة ربما كانت الثانية ، وامل قالت لى
ـ انا خايفة
كانت بين ذراعى ورغم ذلك قالت إنها خائفة
ناح ، كان ان ناح ، والقطار اجمعه تجهم
6
عن صلاح شعيب كتب لى  من الخرطوم هذه المرة يقول
ـ اكتب اليك فى بعض من عجالاتى القديمة اكتب ولا اكتب ، لكنى ساكتب (فالعارض انكسر ) رويدا رويدا ساعود الى سجيتى ، ساعود لجنونى وذاك الالق ، ألقى اللعين ، وانعتاقاتى ،
صلاح يا سلمى ، سيصلك على ابعد تقدير منتصف فبراير يصلك وزوجته نسرين ليعملا بجريدة الخرطوم ، فقد تعاقد صلاح معهم ، لكنه حين يصل سيكون خالى الوفاض حتى النخاع  فلو احتاج اليك فارجو اقالة عثرته لحين تثبيت اقدامه ، بالنسبة للسكن فهذه قضية محلولة بالنسبة له ، وما تبقى عشمى ان تحليه له ، عظيم ثقتى ، كما ارجو ان تراعى ابنتى نسرين عبد الرحمن
وارجو ان تكتبى لى وكثيرا جدا
وعن صلاحا يقول
هو صلاح عثمان حسن شعيب من ذو قربانا وصديق جم الوفاء يعمل بفذاذة وتميز  وحماس وصحافيا مشاكسا ومحاورا نبيها يجوس ان جلس يلوذ بذهنية متقدة وفكر شاسع وعميق
الا ان الاهم عندى ولا يزال ولا يزول ، رقة مشاعره ، وحياء روحه وكبر نفسه وعفة لسانه ، حلاوته وطلاوته سطاعة يقينه ، هذا اليقين عندى هو توهج دلالته قبساته ، انسيابه  كانسان رهيف الاحاسيس يعمر وجدانه بباسقات نخيلات الامل
يازهاء لماذا ؟
7
صحوت قبل قليل من نومى
(فى كل يوم اصحو من النوم ... فما اسعدنى )
صحوت ولم اهب من رقدتى ... واصلت استلقائى وفتح عيونى ،
محدقا
  فى
سقف الصالة
كنت وحدى
انا دائما وحدى
منذ مليون عام ... وعام
كنت مستلقيا احدق فى سماء الصالة
افكر فى بقايا حلم الامس
كنت افكر فيك
قرن مضى على وانا افكر فيك
وافكر فى هذه اللحظة
فى بقايا الحلم الذى رايته والذى لم يبق منه سواك
وسوى طفل يشبهك ويشبه جدى ( جدى لامى الذى يشبهنى )
(انا لم ار جدى لابى الذى ـ كما قلت لك ذات مرة ـ انه جاء من غرب غرب الدنيا عبر مشاوير عنيدة )
لكن الطفل الذى يشبهك ، يشبه جدى لامى  وكان يشبهنى
ـقولى لى من اين اتيت بهذا الطفل القسيم يا مريم  ؟
قلت وكنت ـ اتجول ـ وحدى فى المدينة ـ وكنت اركض احيانا ، مرتديا "تريننج سوت زيتية " وحذاءا خفيفا ، وكنت الوك لبانا ضكرا !اما من لبان انثوى يلوكنى فى ركضى ؟ وكنت اتملى البيوت فى تجوالى ولم يكن ثمة اناس يقابلوننى فى طريقى ، ولم اك مسعودا ، وانا لم اكن حزينا ايضا ، وكنت الوك لبانا ضكرا بحذاء خفيف
ولم اك متعكرا ولم اك معتكرا ، ولست صافيا  الصفا كله
(كان يمكن ذلك لو ان ماكنت الوكه غير الذى الوكه ، او انه طاعما بعض الشئ )
ذلك ان كل ماهو انثوى طاعم وطاعم ، حتى اسالى المعانى
فالانثوى فيها ازهى وارقى مما سواه ، لهذا يبدو ان المراة "مستقبل الرجل " والانوثة هى مستقبل كوننا الجميل هذا ،
العدل رجل والعدالة امراة ، وهى اشمل ، التساوى مذكر والمساواة انثى ، وهى ابدع وهى انبل ، الحرية انثى
كنت فى تجوالى وليس ثمة احد ، كانت المدينة ترزح فى صمت بليغ ، وانا لم انتبه اول الامر لهذا ، فقد كنت اركض واركض والوك ثم الوك ، ولم اك اترنم باى شئ ، وهذا ما لفت نظرى ، فلما الفته رايت نوافذ الدور مشرعة ورايت الدور خاوية ،  فانتبهت ونظرت حولى ، فلم ار احدا ، مشت بى قشعريرة بسيطة اول الامر ، فتجاهلتها ، ثم مشت بى اخرى  وارتجفت ، وتيقنت ان محاصر نوعا ما بكم من صمت بذئ ووحدة ما ، وشرعت اركض من جديد ، وبصقت ما كنت الوكه ، جبت كل الطرقات ، لكنى لم اجد احدا ، وفى زاوية ما ، ركن ما ،وحين دلفت اجمعى  بالدرب الطويل ،رايتك فى اخر الدرب وحدك يا سلمى
العوافى يا سلمى
يعافيك
ويغطيك
لكن
"ما اقسى ان احبك هذا الحب ،
فى حبك كما يقول لوركا
يؤلمنى الهواء ، وقلبى ، وقبعتى "
 
fieroze@hotmail.com

 

آراء