علم يشمخ في رأس الرجاء
د. عمر بادي
16 March, 2009
16 March, 2009
( مانديلا مثالا )
تمعنت في الوضع السوداني الحالي , و تذكرت مانديلا , و حاجتنا الي أمثاله , فقد جلس مع سجانه و معذبه و مطبق سياسة التمييز العنصري المعروفة بالأبارتايد , و توصل معه بنظرة مستقبلية و بدون نكأ للجراح , الي إنهاء التفرقة العنصرية و الي الإنتخابات الحرة النزيهة مع حفظ حقوق الأقليات و الي السلام الإجتماعي و تساوي الفرص و الإرتضاء الي القضاء للمتظلمين و المتضررين و الي المحافظة علي الإستثمار و المستثمرين , و أن الوطن يسع الجميع ... و بذلك حافظ علي الوطن و علي الجميع . يبدو أن سياسيينا في إحتياج الي فترات من الحبس طويلة حتي يهتدوا الي سبيل مانديلا , لو كانوا يهتدون !
لشد ما أنا معجب بسيرة نيلسون مانديلا , و لي قصيدة كتبتها في عام 1987 بإسم ( منطق العبيد و السادة ) أهديتها الي مانديلا الذي كان حينذاك قد أمضي في سجنه عشرين عاما , و قد ضمنتها في كتابي الشعري ( الوطن المهجور ) .
و أنا في تمعني عن الوضع السوداني و مانديلا , تذكرت قصيدة لي كنت قد كتبتها في عام 1994 , عندما تم إنتخاب مانديلا رئيسا لجمهورية جنوب أفريقيا , و عدت الي أوراقي ووجدتها متحفزة تتحين وقت حل إسارها , و حق لها ذلك كما حق لصاحبها أن يستاء لها في وقت تكميم الكلمات ! قصتها تقول أنني قد كتبتها عندما تلقيت نبأ إختيار مانديلا كأول رئيس أسود لجمهورية جنوب أفريقيا , و انا حينذاك عضو مؤسس في المنتدي الثقافي في حلفاية الملوك , و قرأتها لهم في المنتدي و أعجبوا بها , و إقترح الأخ العزيز الشاعر سعد الدين إبراهيم أن ينشرها في مجلة كان يعمل متعاونا معها , و أكد لي بعد ذلك أنها قد تم إخراجها مزينة في صفحة كاملة و لكن قبل الطباعة تم إستبدالها بموضوع آخر ! بعد ذلك حاولت أن أنشرها مرتين في صحيفتين مختلفتين , و لم يكن مصيرها بأحسن مما كان في المرة الأولي , فتركتها حتي حين آخر .
الآن , إذا رأت قصيدتي هذه النور , فسوف يكون قد تم لها ذلك بعد أربعة عشر عاما من كتابتها ! فإليكم بها :
علم يشمخ في رأس الرجاء
( الي أسطورة العصر ... نيلسون مانديلا ... عند إنتخابه رئيسا لجمهورية جنوب أفريقيا – يونيو 1994 )
لو كان هذا زمانُ الأنبياءْ ...
زمانُ من يُعذَّبونَ في الأرضِ
و يُعزلونَ و يُبعدونْ
من أجلِِ كلماتِ السماءْ ,
لو كان هذا زمانُ الأنبياءْ ...
زمانُ من يعضُّونَ علي الصمودِ بالنواجذ
و يعبرونَ حواجزَ التعذيبِ
حاجزاً فحاجزْ
و يثبتونَ بالرسالاتِ و لا يلوونْ
هيهاتَ في الثباتِ أن ينالهم
شيءٌ من الترغيبِ و الترهيبْ ,
لو كان هذا زمانُ هؤلاءِ الأنبياء ...
لقلتُ أنتَ منهم
يا علماً يشمخُ في رأسِِ الرجاء
يا فناراً قد توقّّد
ثم عمَّ في الأرجاء .
++++++++++++++
مانديلا يا ...
رمزَ البسالةِ و الرسالةِ و العطاءْ
و قروناً من القهرِ القمينِ تجمّعت
في ثلاثٍ كالأثافي
قد خبا الجذوةََ فيها مفعولُ الرماد
و أُلقيت بمزابلِِ التاريخِ و الفناء
لا ( أبارتايدَ ) بعد اليومِ لا !
لا شعورَ بإضطهاد !
قد تساوي الكلُ في العهدِ الجديد
و تساوت أعينٌ زرقٌ بأخري هُنّ سُود
و تساوي الصوتُ بالصوتِ ...
فأفرحي بانتصاركِ يا بلاد .
++++++++++++++++
و اليوم ها نحنُ تجرَّعنا الحُبور
فتمادت أرضُنا السوداءُ نشوي بالرواء
طرباً تذوبُ علي رحيق ٍ
قد أتاها من الجذور
طرباً تُراقص ذلك الممشوقَ دامعة ً
تنازعُ للبكاء ,
أفي البكاءِ لديكِ رقصٌ
و في المسيراتِ
و في وقتِ الغناء ؟
مرحي بكم ... مرحي بكم
و طبولُكم قُرعت مدويّةً تزلزلُ بالنداء .
++++++++++++++++++
مانديلا تمهَّل...
ثم حملِق في الدخيلةِ من بعيدْ
اليوم أكملتَ العبورَ و صرتَ برناردَ الجديد
فضممتَ عضوَ بلادِك المبتورَ إلحاقاً
إلي الجسدِ المُضاء
و رضيت مانديلا التآخي لا الجلاء
و حقنت سيلاً من دماء ...
قد قيل أنت من اليسار
و قيل أنت مُحِّرضٌ
و مخرِّبٌ صلدٌ عنيد
لكنهم لم يعرفوك ...
لم يعرفوا المهجوسَ و الوطنَ الفداء
فجرَّبوك , و عذّبوك , و لم تلن
و مكثت في ( روبينَ ) عشراتِ السنين
و من السجونْ ...
أقحمت نفسك في الأتون
تتسقّط الأخبارَ من خلف الرتاج
متحزِّماً بالعزمِ من دون اختلاج
متكللاً أبداً ...
تقضُّ مضاجعَ البيضِ العتاة
لكنهم في لحظةٍ لم يلمحوك
متخاذلاً , أبداً تلينُ لك القناة
و ظللت كالكهانِ مجترحاً صنوفَ المعجزات .
++++++++++++++++++
و هناك في ( سويتو ) حيثُ المعوزون ْ
قد لاذوا بالأنقاضِ مهترئي الثياب
و هُجِّروا ... لكنهم متيقنون
أنّ في غدهم إياب .
من يمنعُ ( الكانتونَ ) ان يعبق
بأنسامِ الصباحِ من الجنوب ؟...
و هبّت ثورةُ الأنواءِ أشبهُ بالهبوب
و سُحب تحت الأرجلِ البساط
و انثلمَ ما قد كان في الأحقابِ من نظام
وولج جملُ النصرِ في سمِّ الخياط
و انبجس بالتحريرِ مؤتلقُ القرون .
+++++++++++++++++++
مانديلا هَا ....
أنا ذا أشدُّ علي يديكَ بإنتشاءْ
فلقد عرفتك بالصدارةِ و الجسارةِ و الأناة
و مدحتُك رغم أنِّي
لا أطيقُ المُدحاء
لكنني أكبرتُ شيمتَك الثبات
و اليوم ترأسُ دولةَ العزِ الفتيَّة
لك التحية ...
لك التحية ...
يا افتخاراً عمَّ في الأجماتِ و البيداء .
+++++++++++++++++++
1994