الذين أنعم الله عليهم … بقلم: د. عمر محمد سعيد الشفيع
د. عمر محمد سعيد الشفيع
18 March, 2009
18 March, 2009
omar.alshafi@gmail.com
السورة الأولى في القرءان العظيم هي سورة الفاتحة. واسمها يدل على أنها فاتحة ومقدمة الكتاب التي تلخِّص مواضيعه الرئيسية. ويعتبرها أمين أحسن إصلاحي مقدمة للكتاب كله وفي الوقت نفسه مقدمة أيضاً للمجموعة الأولى من المجموعات السبعة التي يتكون منها الكتاب كله حسب تدبره. والمجموعة الأولى تشمل السور الخمسة الأولى إبتداءً من الفاتحة وحتى المائدة وعمودها المركزي هو الشريعة من موقع الشهادة على الناس.
وسورة الفاتحة نفسها تبدأ ـ بعد البسملة ـ بحمد الله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين. وهذه المركبات الثلاث أو الأربع {الحمد لله (رب العالمين) / الرحمن الرحيم / مالك يوم الدين} تحتاج إلى تدبر في القرءان العظيم حسب التشابه والمثاني الخاصة بها، أي حسب التعالق والإقتران المرتبطين بألفاظها.
ثم يأتي في السورة مركب “إهدنا الصراط المستقيم” على المستوى النظري المعرفي ومركب “صراط الذين أنعمت عليهم” على المستوى العملي التطبيقي. ولن أشتغل اليوم بماهية “الصراط المستقيم” وخصائصه ولكن الذي يهمني هو صراط “الذين أنعمت عليهم” وسؤالي: من هم الذين أنعم الله عليهم؟
مجموعات الذين أنعم الله عليهم
وقد أوضحت الآية 69 من سورة النساء أن من يطع الله والرسول فأولئك مع “الذين أنعم الله عليهم” من:1. النبيين 2. والصديقين 3. والشهداء 4. والصالحين. وواضح أن صراطهم هو طاعة الله والرسول طاعةً متصلة غير منفصلة وتعني إتباع هذا القرءان العظيم.
إذن هؤلاء هم المجموعات الجزئية لمجموعة (الذين أنعم الله عليهم). والصراط المنسوب إلى المجموعة الكبيرة (الذين أنعم الله عليهم) هو أيضاً صراط المجموعات الجزئية {النبيون، الصديقون، الشهداء، الصالحون}.
والسؤال الأول: من هم الذين ينضوون تحت كل مجموعة جزئية؟
والسؤال الثاني: من هم الذين يشتركون في أكثر من مجموعة؟
دعونا نبدأ أولاً بعناصر كل مجموعة على حدة قبل أن ندلف إلى العناصر المشتركة بين أكثر من مجموعة.
النبيون
النبيون بعثهم الله مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق بعد أن كان الناس أمة واحدة وأخذ منهم ميثاقهم وفضَّل بعضهم على بعض وجعل خاتمهم محمداً وسوف يُجاء بهم مع الشهداء يوم تشرق الأرض بنور ربها ويوضع الكتاب. والنبيون الذين أنعم الله عليهم هم من خمسة مجموعات وهي (1) من ذرية آدم (2) وممن حملنا مع نوح (4/3) ومن ذرية إبراهيم وإسرائيل (5) وممن هدينا واجتبينا كما أوضحت ذلك الآية 58 من سورة مريم.
ومجموعة {النبيون} تحتوي في القرءان العظيم على مجموعة {الأنبياء} في تقاطع بيِّن بينهما كما هو التقاطع البيِّن بين الرسل والمرسلين. والنبيون ذكرهم القرءان في زُمَر هي:
الزمرة الأولى ـ زمرة النبيين الذين ذُكِر كل واحد منهم بأنه “نبي” وهم عيسى وإبراهيم وإسحاق ويعقوب وموسى وهارون وإسماعيل وإدريس وهؤلاء ورد ذكرهم في سورة مريم وإسحاق ورد ذكره مرة ثانية في سورة الصافات. وهذه الزمرة هي التي أشارت إليها آية مريم بلفظ “أولئك” وذكرتهم كأمثلة للمجموعات الخمسة التي يأتي منها النبيون الذين أنعم الله عليهم.
الزمرة الثانية ـ زمرة “الذين آتيناهم الكتاب والحكم والنبوة” وهم الذين ذكرتهم سورة الأنعام. ويشملون ـ بالإضافة إلى سبعة من الثمانية المذكورين في الزمرة السابقة (إدريس لم يذكر في زمرة إيتاء النبوة) ـ نوح وداوود وسليمان وأيوب ويوسف وزكريا ويحيى وإلياس وإليسع ويونس ولوط (وهذه الزمرة مقسَّمة على مجموعات أخرى مثل مجموعات المحسنين والصالحين والمفضَّلين على العالمين).
وتشمل هذه الزمرة أيضاً بني إسرائيل (الجاثية 16).
الزمرة الثالثة ـ زمرة {الأنبياء} هي زمرة النبيين الذين جُعِلوا أنبياء في قوم موسى وهم من ذرية نوح وذرية إبراهيم في مجموعهم أما على التفصيل فقد حدد القرءان منهم إسحاق ويعقوب وعيسى. وارتبط لفظ الأنبياء بالجعل {أنبياء قوم موسى، إسحاق، يعقوب، عيسى} والقتل الذي ارتبط بهم أنبياءً ونبيين.
الزمرة الرابعة ـ زمرة من وصفه القرءان بـ”النبي” لفظاً معرفاً بنفسه بألـ التعريف ومنفصلاً عن غيره وارداً في القرءان ثلاثين مرة. وورد لفظ النبي مرتبطاً بالواو “والنبي” مرة واحدة في آية المائدة 81 . وهذه المجموعة تشمل النبي محمد وحده وتفصِّل سيرة نبوته مع الذين آمنوا معه ومع أزواجه وغيرها من الموضوعات في مركبات أخرى مع لفظ النبي مثل (يا أيها النبي) و(هذا النبي) و(على النبي) و(النبي والذين آمنوا).
الخلاصة في مجموعة النبيين:
أولاً ـ الألفاظ الواردة في موضوع النبيين والنبوة هي {نبي، نبياً، النبي، النبيون، النبيين، الأنبياء، أنبياء، أنبياء الله، النبوة}. ويبدو أن كل لفظٍ من هذه الألفاظ يتجه إلى دلالة فرعية خاصة به إذ أن لفظ (نبي) يرد في سياق الحديث عن النبيين عامةً ولفظ(نبياً) يرد في سياق تحديد نبي معين ولفظ (النبي) يرد في السياق الخاص بالنبي محمد.
ثانياً ـ النبيون الأشخاص عددهم عشرون نبياً هم {نوح، إبراهيم، لوط، إسماعيل، إسحاق، يعقوب، إدريس، يوسف، داوود، سليمان، أيوب، إلياس، إليسع، يونس، موسى، هارون، زكريا، يحيى، عيسى، محمد}. أما المجموعات التي جاء منها هؤلاء النبيون فهم ذرية نوح وذرية إبراهيم وبنو إسرائيل.
ثالثاً ـ هود وصالح وشعيب وذو الكفل ليسوا من النبيين إلا أن منهم رسلاً وبذلك يتبيَّن لنا خطأ القاعدة التي تقول أن كل رسول نبي.
الصديقون
وردت مادة الجذر {ص، د، ق} في جذوع مختلفة في لسان القرءان منها زمرة (تصدَّق والمتصدقين والمصَّدِّقين والصدقات) ومنها زمرة (صدَّق وتصديق ومصدِّق وصدِّيق) ومنها زمرة (صدَق وصِدْق والصادق والصادقون). وما يهمنا هنا هو الزمرة الثانية التي يدخل فيها الصِّدِّيقُون.
الصديقون يمثلون مجموعة قائمة بذاتها تدخل مجموعةً جزئيةً في مجموعة (الذين أنعم الله عليهم) ومجموعة الصديقين تحتوي على مجموعة وأشخاص.
أما المجموعة فهم (الذين آمنوا بالله ورسله) كما ورد في آية الحديد 19 .
وأما الشخوص فهم إبراهيم وإدريس ومريم ويوسف وهارون.
إبراهيم: .
إبراهيم صدِّيق ونبي وحتى الآن نرى إبراهيم يدخل في الصديقين والنبيين وهو كان صديقاً قبل أن يكون نبياً إما لأنه صدَّق بالله وملكوته من خلال منهاجه الحنيفي أو لأنه صدَّق الرؤيا التي رآها في منامه
إدريس: . إدريس صدِّيق ونبي على منهاج إبراهيم وذُكِر مع إسماعيل وذي الكفل بأنه من الصابرين والصالحين.بالإضافة إلى أنه رُفِع مكاناً عليَّاً.
مريم: ومريم صديقة لأنها صدَّقت بكلمات ربها وكتبه . وأنظر إلى هذا التركيب (كانا يأكلان الطعام) إذ أن مريم لم تأكل من الطعام الذي نعرفه المتمثِّل بالرطب لحظة أن هزَّت جذع النخلة إلا بعد ولادة المسيح لأنها كانت تأكل من رزق الله الذي كان يأتيها حتى تتهيأ لحمل المسيح ساعات قليلة.
يوسف: . وجاء وصف يوسف بالصدِّيق على لسان رسول الملك.
هارون: . وجاء وصف هارون بفعل (يصدقني) على لسان أخيه النبي موسى.
والخلاصة أن إبراهيم وإدريس ويوسف وهارون من الصِّدِّيقين ومن النبيين ومريم من الصديقين.