لغة الوداد بين مصر والترابي … ترتيبات ما بعد الانقاذ …. بقلم: د. معتز بلال محمد
1 April, 2009
بسم الله الرحمن الرحيم
من المعروف معاداة مصر التاريخية للدكتور الترابي لاعتبارات أصوليته ودعمه القوي لحركات الإسلام السياسي على مستوى العالم.والترابي بدوره ينظر الي النظام المصري بأنه مصدر دائم للشر الوارد علي السودان ويرفض استتباعها السودان كمستعمرة سابقة لا تخرج عما ترسمه من سياسات وتوجيهات.
كانت هنالك نقاط التقاء وتقارب فرضتها ظروف الإنتقال وتقلبات الأوضاع والنظم بالسودان.بدا ذلك واضحا في فترة ما بعد النميري وظهور الجبهة الإسلامية القومية قوة صاعدة ولاعبا فاعلا في مجريات الحياة السياسية في السودان.حيث احتضنت مصر الرسمية الترابي وفتحت له أبواب قاهرة المعز يحاضر في جامعاتها ويخاطب مجلس شوراها.
جاءت الانقاذ لتعيد العلاقة الي مربعها الأول بعد ان أسفرت عن وجهها الإسلامي الحاد ومشروعها الإسلامي التوسعي حيث احتضن السودان حينها اطيافا من الحركات الإسلامية وأوجد لها غطاءا سياسيا .بالمقابل دعمت مصر وبقوة المعارضة السودانية بكافة أطرافها حتى الحركة الشعبية وأوجدت لها دعما عربيا ودوليا لتحكم الخناق على نظام الإنقاذ لينتهي الأمر بتبني بعض القيادات بالنظام محاولة اغتيال الرئيس مبارك بالتعاون مع بعض المتطرفين التكفيريين من مصر.واتهمت القاهرة حينها الترابي بتدبير تلك المحاولة.
تغيرت طبيعة العلاقات بين مصر والانقاذ بعد اقصاء الترابي الذي سعت له سرا مع بعض أقطاب النظام وسوقت النظام بشكله الجديد للمجتمع الدولي .ودعمت مواقفه فيما يتعلق بأزمة دارفور وقامت بطرد قيادات حركة العدل والمساواة بعد أحداث امدرمان وروجت لوجهة نظر النظام بارتباط الحركة بالترابي.الان وبعد دخول نظام البشير في مأزق الجنائية الدولية اعادت مصر قراءة أوراق اللعبة من جديد,فبالرغم من محاولات اظهارها إستمرار دعمها للبشير إلا أن ثمة مؤشرات تدل على غير ذلك ومن أهمها:
* زيارة الرئيس المصري لأول مرة الي جنوب السودان وذلك بعد توجيه الاتهام من قبل المدعي العام للمحكمة الجنائية الدوليه مما يشير الي تجاوزها لحكومة الخرطوم وتعاطيها المباشر مع ملف الجنوب وهو أمر يدعم ما رشح من معلومات تفيد دعوته البشير للتنحي واللجوء الي مصر.
* بعد توجيه الاتهام رسميا من قبل الدائرة التمهيدية للمحكمة شهدت الخرطوم زيارات ماكوكية من أعلى أقطاب النظام المصري وتبني مبادرات داعية الي قيام مؤتمر دولي بشرم الشيخ ليناقش قضية السودان وملف دارفور وانصب سعيها فقط في محاولة تأجيل تنفيذ قرار التوقيف لمدة عام. مما افضى بالحكومة السودانية الي رفض جميع المبادرات المصرية.
* تبع ذلك الرفض السوداني حملة إعلامية شرسة من قبل مؤسسات الاعلام الرسمي المصري ضد مواقف الحكومة السودانية المتصلبة.
* على الرغم من عدم ذهاب الرئيس المصري لقمة الدوحة بحجة الخلاف مع النظام القطري ,الا أن في ذلك ما يوحي برفع مصر يدها عن دعم البشير في الوقت الذي يحتاجها فيه بشده. ومن المعلوم أن الدول العربية لا تنظر بصورة جادة الي قضايا السودان أو فلسطين الا عبر المنظور المصري.
* زيارة السفير المصري بالخرطوم للترابي بمنزله لاول مرة بعد الافراج الاخير عنه,وهو أمر غير معهود سابقا. وتصريحات عمر سليمان مدير المخابرات المصريه عن عدم وجود موانع من زيارة الترابي لمصر. تلا ذلك تكثيف اجهزة الاعلام المصرية في الاونة الاخيرة الاضواء على دكتور الترابي عبر حوارات ومقابلات عدة تحاول أن تستكشف فيها افاق المشهد السياسي السوداني مما سبق يتضح أن النظام المصري قد حسم أمر خياراته فيما يتعلق بمستقبل البشير والمؤتمر الوطني.واستكشف خارطة القوى السياسية الاخرى والتي خبر أغلبها في الماضي القريب في تجربة التجمع الوطني الديمقراطي .وعلى الرغم من خوف الحكومة المصرية وتوجسها من دكتور الترابي الا أنها تبدو مضطرة للتنسيق معه مرحليا في مستقبل السودان ما بعد الانقاذ .خاصة أنها تعتقد أن الترابي فاعل رئيسي فيما يتعلق بدارفور وحركاتها المسلحة التي سعت مصر أخيرا للتقرب اليها و استقبلت القاهرة أيضا مني أركو مناوي قبيل مفاوضات الدوحة الاخيرة. كما أن هواجس انفصال الجنوب تدفعها باتجاه الترابي لعلمها بحرصه الشديد على الوحدة بدواعي الانتصار لرؤيته الاسلامية وخوفه من نسبة الانفصال الي الحركة الاسلامية بعد تجربتها الفاشلة.
الترابي بدوره التقط هذه الاشارات ورد التحية بأحسن منها حيث اشاد في حواراته الاخيرة بهامش الحريات الصحفية في مصر مقارنة بالسودان وأكد ثبات الدولة المصرية وتماسك النسيج المجتمعي بها رغم تعاقب النظم عليها,كما أشاد بدور مصر في تنمية الجنوب وذكر صراحة أن النظام المصري لم يعد ينظر اليه باعتباره اسلاميا متطرفا وصرح في حواره الاخير مع قناة العربية أن مصر أقرب اليه الان من قربها من نظام البشير.
ومن نكد الدنيا على المرء أن
يرى عدوا له ما من صداقته بد
د. معتز بلال محمد