سوار الدهب…تجربة حياة فريدة
خالد البلولة ازيرق
6 April, 2009
6 April, 2009
اعداد: خالد البلوله ازيرق
بدأت مسيرته مع الشهرة والنجوميه أيام بلوغ الغضب الجماهيري ضد حكم المشير جعفر نميري زروته، حيث ظل يرقب زهاء العشرة ايام تصاعد المد الجماهيري ضد النميري، ليجتمع مع قادة الجيش ويعلن انحياز القوات المسلحة الى جانب الشعب في "عملية بيضاء"، هكذا برز نجم المشير عبد الرحمن محمد حسن سوار الدهب من وزير دفاع لحكومة نميري الى رئيس للبلاد في السادس من ابريل 1985م.لتسجل تحربته الأولى على مستوى العالم العربي والأفريقي، التى يتولى فيها عسكري السلطة وأمور الحكم في البلاد ويلتزم بتعهدات قطعها على نفسه باعادة السلطة الى الشعب عبر القوى المدنية التي تمثله، ويقبل طواعية فكرة التنحي عن الحكم، وخلع البزة العسكرية، والانتقال الى فضاء المجتمع المدني. هكذا تقول السيرة الذاتية للمشير عبد الرحمن محمد حسن سوار الدهب، الذي ولد في ام درمان لوالده الذي قدم اليها من الأبيض، ثم انتقل والده الى الابيض لمواصلة نشاطه في مجال تعليم الدين، ليترعرع بها عبد الرحمن سوار الدهب الذي أكمل بها تعليمه الأولى، والثانوي في مدرسة خورطقت الثانوية، ليلتحق بعدها بالكلية الحربية الدفعة السابعة التى تخرج منها في العام 1955م وبدأت منها تتشكل حياته العملية في سلك العسكرية السودانية.وفي صبيحة السادس من ابريل 1985م كان الموعد المرسوم لإنطلاقة سوار الدهب الى فضاء النجومية والشهرة، وذلك عندما أطل بكامل بزته العسكرية على شاشة التلفزيون في بيان حمل الرقم واحد نصه "لقد ظلت القوات المسلحة خلال الايام الماضية تراقب الموقف الأمني المتردي في انحاء الوطن، وما وصل إليه من أزمة سياسية بالغة التعقيد، ان قوات الشعب المسلحة حقناً للدماء وحفاظاً على استقلال الوطن ووحدة اراضية قد قررت بالاجماع ان تقف الى جانب الشعب واختياره، وان تستجيب الى رغبته في الاستيلاء على السلطة ونقلها للشعب عبر فترة انتقالية محددة، وعليه فإن القيادة العامة تطلب من كل المواطنين الشرفاء الأحرار ان يتحلوا باليقظة والوعي وان يفوتوا الفرصة على كل من تسول له نفسه اللعب بمقدرات هذه الامة وقوتها وأمنها".وقد شكل البيان الذي تلاه سوار الدهب صدمة كبري لمناصري مايو ومؤيدها، ليس فقط في انحياز القوات السملحه لجانب الشعب وإنما في قيادة سوار الدهب لذلك الإنحياز، وهو المعروف بولائه وصلته القوية بالنميرى وحكومته، تلك الصلة التى بدأت وتعمقت منذ ان رفض سوار الدهب تسليم حامية الفرقة الخامسه مشاه بمدينة الابيض، عندما كان قائدا للحامية اثناء انقلاب الرائد هاشم العطا على نميري عام 1971، حتى استعاد نميري مقاليد السلطه بعد ثلاثة ايام، ويتفق كثيرون في الاوساط السياسية والعسكرية ان هذه الواقعة هي التي "جعلت نميري يضع كل ثقتة في سوار الدهب". ويقول انصار نميري بعد السادس من ابريل ان سوار الذهب "خائن، اؤتمن، ولم يرد الامانة الى اصحابها"، ويشيرون الى مستوى الثقة التي كان يوليها نميري لسوار الدهب، وحرص سوار الدهب على تنفيذ كل التعليمات التي تصدر اليه من جعفر نميري. ولكن معاصرون لتلك الفترة يشيرون الى ان اجتماعا لكبار ضباط القوات المسلحه مع سوار الدهب وزير الدفاع وقتها والمقرب من الرئيس جعفر نميري، هو الاجتماع الذي غير مجري تاريخ حياته العامه، حيث ضغطوا عليه لكي يوافق على إعلان انحيازهم للانتفاضة بالاطاحة بالنظام، وقد نجحوا في ذلك في الساعات الأولى لفجر السادس من أبريل.ولكن رجل الانتفاضه الذي وجد غير القليل من إجماع القوي السياسيه حوله ومساندته والثناء على إنضباطه وهدوءه وقوامة خلقه، لم يمضي عام على بيانه الأول حتى كانت حجارة الأحزاب ترمى بإتجاهه خاصة اليساريين الذين كانوا يتهمونه "بأنه كان ينحاز للاسلاميين بزعامة الدكتور حسن الترابي" ويروى البعض أن العهد الذي كتبه سوار الدهب وقطعه على نفسه بتسليم السلطه للشعب أوحى له به الدكتور حسن الترابي، الذي يقال ايضا أنه اوجد له مخرجا فقهياً حول "قسم الولاء" الذي قدمه للسلطه المايويه. ليمضي العام منذ اعتلائه للسلطه بعد الانتفاضه، ويفي سوار الدهب بوعده، وتجرى انتخابات عامه شاركت فيها كل القوي السياسيه انتهت الى اعتلاء السيد الصادق المهدى للسلطه بعد فوز حزب الأمه بتلك الانتخابات، ليسجل بذلك سوار الدهب في مدونات التاريخ العربي اول تجربة لعسكري يتولى زمام القيادة ثم يتنازل عنها طواعية، ليصبح بذلك موقف تضرب به الامثال في صلونات السياسيه ودهاليزها محلياً وعربياً وأفريقيا.ولكن المجد الذي تحلق حوله ونسب إليه، يشير البعض الى انه كان مدفوعاً إلى هذا المجد ولكنه لم يذهب إليه طواعية، وقد قال معاصرون لتلك الفترة أن سوار الدهب لم يكن يتحلى بقوة الارادة اللازمة للانحياز "كوزير للدفاع" بالجيش إلى الشعب السوداني في تلك الساعات المفصلية التي ثار فيها على حكم جعفر نميري، وكان يؤثر السلامة على مجرد التفكير في "خيانة" نميري الذي عرف بسحله لكل من يحاول الانقلاب عليه، ويشير هؤلاء الى ان سوار الدهب كان مرغما على القبول بترؤس المجلس العسكري الانتقالي، بعد أن وضع الضباط الكبار الذين اتخذوا قرار الاطاحة بالنميري، وضعوا سوار الذهب في الساعات الأخيرة من الانتفاضة الشعبية أمام خيارين، إما أن يرأس المجلس بوصفه وزيرا للدفاع وأرفع الرتب العسكرية في الجيش بعد جعفر نميري الذي كان في رحلة إلى الولايات المتحدة وقتها، أو مواجهة مصير مجهول فيما لو قرر الوقوف إلى جانب الرجل الذي اختاره وزيرا لدفاعه.وإن كانت خطوة الاستيلاء على السلطه والانحياز للشعب قد وجدت الاستحسان، إلا ان مسيرته في ادارة شئؤن الدولة وجد ايضا غير القليل من الانتقاد، حيث يأخذ البعض على المجلس العسكري الانتقالي برئاسة عبد الرحمن سوار الذهب، والتجمع النقابي، أنهما أخطاءا حينما حددا الفترة الانتقالية بعام، وكان المجلس العسكري متمسكاً بفترة "6" أشهر فقط على غرار فترة الستة أشهر في ثورة اكتوبر 1964م، ولكن الظروف في العام 85 كانت على غير شاكله العام 1964م، وكانت الحاجة ملحة بالنسبة للقوى السياسية بعد غياب ست عشرة سنة من الساحة السياسيه لتنظيم هياكلها وترتيب اوضاعها وتنظيم مؤتمراتها لتكون جاهزة للانتخابات العامة، وأقترح العديدون فترة ثلاث سنوات، ولكن رئيس المجلس العسكري بوجه خاص كان متعجلا بحيث قبل بفترة عام واحد للحكم الانتقالي، ووقع وثيقة يتعهد بموجبها على تسليم الحكم في الفترة الانتقالية المقررة 26 أبريل 1986م. كما اتخذ المجلس العسكري قرارا خطيرا بضغط من التجمع النقابي قضي بحل جهاز الأمن الوطني مما ادى لتعريض البلد لكثير من المخاطر الأمنية التى كانت تحدق بها، وإستطاعت جهات عديدة الحصول على ملفات أمنية مهمة مع أنها ذات صلة بأمن السودان. ومن القرارات الهامة التى اصدرها المجلس العسكري الإنتقالي بقيادة سوار الدهب حل مشكلة الجنوب، في إطار حكم ذاتى إقليمي، داخل مبدأ "السودان المواحد" من خلال إنتهاج سياسة حوار ديمقراطي مع كافة القوي الجنوبيه، وتمهيداً لذلك قرر، إيقاف قرارات تقسيم الجنوب الى ثلاثه أقاليم، إيقاف العمل بقوانين الشريعة الإسلامية في الجنوب، إيقاف العمليات العسكرية في الجنوب، الدعوة الى مؤتمر قومي لزعماء الشمال والجنوب وجون قرنق لحل المشكلة، تعيين مجلس تنفيذي عالٍ لحكم الجنوب، كإتجاه نحو توحيد الجنوب في إقليم واحد. ولكن هذه القرارات تبرخرت سداً بعد ان رفض جون قرنق الإعتراف بالمجلس العسكري بإعتباره إستمراراً لثورة مايو 1969م وأسماها "مايو2"، وأعلن عدم إعترافه بالوضع القائم وبدأ في تصعيد عملياته العسكريه.لتنتهى حقبة عبد الرحمن سوار الدهب بعد عام في 1986م، تاركاً الدولة وشئونها للاحزاب بقيادة السيد الصادق المهدى الذي تولى دفة القيادة من جديد، ليتفرغ بعدها سوار الدهب لمجالات أخري بعد أن فارق العسكرية والسلطه، حيث شغل منصب نائب الرئيس للمجلس الاسلامي للدعوة والاغاثة وتضم نحو "70" منظمة، ونائب الرئيس للهيئة الاسلامية العالمية في الكويت، ونائب "رئيس ائتلاف الخير" ومقرها لبنان تعنى بدعم القضية الفلسطينية، ونائب رئيس امناء مؤسسة القدس الدولية، لينشغل أخيراً بقضية جمع الصف الوطني، والاوضاع في دارفور، التى دفعت بمجموعة من المهتمين الى التحرك من اجل ايجاد الحل السوداني لشتى القضايا، بتكوين هيئة جمع الصف الوطني برئاسة عبد الرحمن سوار الدهب، كما شارك بفعاليه مؤخراً في مبادرة ملتقي أهل السودان لحل مشكلة دارفور بصفته أحد رؤوسائها.كما نال سوار الدهب مؤخراً جائزة حمدان بن راشد آل مكتوم للعلوم الطبية والإنسانية كرئيس مجلس أمناء منظمة الدعوة الإسلامية، لنيل الجائزة العالمية للمتطوعين في الخدمات الطبية والإنسانية تقديرا لجهوده واهتمامه بتحسين الاوضاع الإنسانية والطبية والإجتماعية في القارة، كما فاز عبد الرحمن سوار الدهب بجائزة الملك فيصل العالمية في خدمة الإسلام عام 2004م.