إستراتيجية الصدمة والترويع … عمرخليل علي
11 May, 2009
بسم الله الرحمن الرحيم
إستراتيجية الصدمة والترويع - الترهيب Shock & Awe وهل لغزوة امدرمان في مايو 2008 علاقة بهذه الإستراتيجية ؟
عمرخليل علي .... كاتب ومحلل عسكري
هناك من الاستراتيجيين العسكريين من يقول ان نظرية او استراتيجية الصدمة والترويع وليدة منظرها الامريكي (هارلن اولمان) الاستاذ بالكلية العسكرية الامريكية عام 1996 والذي يعمل حاليا في (معهد راند للاستشارات العسكرية) Rand ومعاونه (جيمس وود)...الا ان التاريخ يثبت ان النازيون استخدموا هذه النظرية خلال الحرب العالمية الثانية ضد قرية (غارنيكا) في 1937 التي كانت لا تمثل أي هدفا عسكريا بل كانت رمزا لهوية وثقافة اقليم الباسك الاسباني والتي دمرها النازيون من خلال قصف جوي امتد لثلاث ساعات احرق كل شئ بها وروع السكان وكسر روح المقاومة....وكذلك قنبلتي هيروشيما وناجازاكي ما هما الا تكتيكا وشكلا عسكريا جديدا في ذلك الوقت روع اليابان وجعلها ترفع راية الاستسلام... من هنا نخلص بان هذه الاستراتيجية ليست جديدة وانها استخدمت كثيرا في الحروب وان لم تكن بنفس المسمي ...من هنا لابد لنا ان نوضح ماذا تعني الصدمة والترويع او الترهيب، هونقول في البدء أن هذه النظريه او الاستراتيجية لا تعتمد علي مبادئ الحرب الاساسية المعروفة والتي من الاستحالة كسب معركة تقليدية من دونها او من دون بعضها وهي المبادئ ال (16 ) والتي اهمها: الهدف، المرونة، المفاجأة ،الاقتصاد في الجهد ،المناورة، الحشد ، الهجوم ،الروح المعنوية، وحدة القيادة ،المبادأة، خفة الحركة،حرية العمل الخ...
الصدمة والترويع : تعني السيطرة السريعة علي ارادة العدو باستخدام الآلة العسكرية والإعلامية بقصد تدميره وإذهاله بحيث لا يستطيع العدو المقاومة ولا يجد امامه سوي خيار الاستسلام والإذعان للشروط التي ستملى عليه....
روجت الولايات المتحدة الأمريكية لهذه الاستراتيجية خلال اعدادها لحرب غزو العراق عام 2003 وذلك من خلال الاستخدام المذهل للاعلام وقد كان المشاهد حول العالم يتابع هذه الحرب منذ بداية القصف الجوي وعمليات انطلاق صواريخ التوماهوك من لحظة انطلاقها من السفن بالخليج العربي الي لحظة انقضاضها علي اهدافها المنتقاة ببغداد وعلي تجمعات الجيش العراقي....كان هذا الزخم الاعلامي العسكري جزء من هذة الاستراتيجية التي روج لها خبراء (معهد راند – اولمان وجيمس) لوزير الدفاع ( رامسفيلد) واجهزة استخباراته.... نخلص ان الاعلام جزء مهم في هذه الاستراتيجية لبث الرعب بين العسكريين الاعداء والمدنيين الذين يشاهدون تقدم الغزاة وتدمير دولتهم ...ويكذبون (تطمينات ) اعلامهم العسكري (اكاذيب محمد سعيد الصحاف مثالا لذلك)..لا اود الدخول في الاسباب الحقيقية لهذه الحرب...الا ان ما يهمنا في هذه الجزئية استخدام هذه النظرية التي تعتمد علي القصف المركز في الحرب وعلي تحطيم بنية الدولة ومعنويات الجنود والسكان ومن ثم الإنقضاض علي اشلاء الدولة بريا لفرض شروط الاستسلام والخنوع....وبعد ذلك تنفيذ الاهداف الغير معلنة......
ايضا اسرائل استخدمت هذه الاستراتيجية في حروبها ضد العرب وقد كانت حرب 1967 خير مثال لحروب الصدمة والترويع حيث استطاعت خلال وقت وجيز احتلال اراض عربيه اضعاف مساحتها الاصلية وفرضت شروط الاستسلام المذلة علي العرب....وكذلك سعت في حربها ضد حزب الله وحركة حماس (حرب غزة) علي استخدام نفس الاسلوب طمعا في انهاء المعركة في وقت وجيز وفرض شروطها ..الا ان حركات المقاومة لم تمكنها من تحقيق اهدافها ..واصطدمت نظرية الصدمة والترويع رغم قوتها باستراتيجية الصمود والتحدي والعقيدة والايمان بالقضية...وكان النصر للحق وصلابة المقاومة..
غزوة امدرمان وهل تحسب في اطار الصدمة والترويع Shock & Awe ؟
اذا نظرنا الي ان القوات المتقدمة من حدودنا الغربية مع تشاد لمسافة تصل الي نحو 3000 كلم عبر مسرح عمليات في طبيعته ارض منبسطة مفتوحة تتخللها اودية وكثبان رملية وطرق شبه وعرة الا انها تسمح بسير المركبات ذات الدفع الرباعي بسهولة وهي (عصب هذه القوة) ...واذا اخذنا في الاعتبار ان القوات المتقدمة (شبه نظامية) paramilitary forces معظم اسلحتها خفيفة ومتوسطة ..هل حققت هذه القوة المفاجأة وهل هذه المفاجأة بمستوي الصدمة ؟ وذلك بوصولها الي تخوم العاصمة الوطنية امدرمان ؟؟ الشاهد والمنطق العسكري يقول نعم حققت المفاجأة وان لم تحقق الصدمة..و لم تحقق اهدافها ...وهنا يبرز السؤال المشروع للمواطن العادي ناهيك عن العسكريين والمحللين الخ ....هل كانت قواتنا تعلم بتحرك هذه القوات وهي بهذا الكم الكبير من المركبات؟؟ وهي لا تخفي عن عين المواطن العادي ولا عن سالكي هذه الطرق الممتده من الغرب الي نهر النيل....وهل (في ذلك الوقت)لم تكن لدينا عيون امنية علي طول هذه المسافات الشاسعة..؟ ان كانت الاجابة بان قواتنا كانت تعلم بتحرك هذه القوة....هل كانت تتابعها وترصد تقدمها من الجو وهي تتنقل من مكان الي اخر وقد اخذت وقتا في تحركها نحو العاصمة لطول المسافة..؟ اذن لماذا لم يتم التصدي لها وهي بعيدة عن العاصمة في (منطقة قتل او ارض معركة مناسبة) باستخدام الطيران او ملاقاتها بالقوات المدرعة..... عدم التصدي هذا أحدث ربكة وسط المراقبين والمحللين رجح الكثيرون منهم ان هذه القوة المتقدمة وصلت الي تخوم امدرمان دون علم او اكتشاف قواتنا......والا لتصدت لها بعيدا عن الهدف حيث لا يسمح المنطق العسكري بمواجهة القوه داخل المدينة والدخول في تعقيدات حرب المدن والمناطق المبنية اذن في ما سبق اجابة علي ان هذا الوصول للعاصمة لقوة بهذا الحجم يدخل جزئيا في استراتيجية الصدمة (في حالة غفلة قواتنا ) وان لم يحقق اهداف القوة الغازية....حيث لا تكتمل اركان هذه الاستراتيجية الا بتحقيق الاهداف...هناك تساؤل مشروع اين الاستخبارات العسكرية وماهو دورها في تحليل هذا التقدم السريع لهذه القوة عبر تقارير الاستخبارات؟ ما هو دور الاستطلاع الجوي في مراقية ارض ومسرح بهذا الاتساع وتقديم المعلومة لغرفة ادارة المعركة وللطيران الذي كان بامكانه وقف هذه القوة بعيدا عن العاصمة بل تدميرها عن بكرة ابيها...وهي هدف سهل للطيران ومشروع .هناك من يقول ان القوات المسلحة كانت بمنأى عن تأمين العاصمة وان هذا الواجب اوكل للقوات الامنية الأخري من شرطة وامن والتي تفتقر لامكانيات القوات المسلحة المتاحة للتصدي لمثل هذه العمليات.. ان كانت هذه المقولة صحيحة (ارجو ان لا تكون كذلك)..اعلم ان قواتنا المسلحة قادرة ان اتيح لها ذلك علي التعامل مع مثل هذا الموقف.....وتظل هذه النقطة علامة استفهام كبيرة الي ان تستبين وتتضح الامور...
لناخذ في الجزئية الاخيرة من التحليل جانب القوات الغازية ....بكل المقاييس العسكرية التعبوية والاستراتيجية نقول ان هذا الهجوم ضرب من المجازفة....بل الانتحار لعدد كبير من الانفس والمعدات والمركبات الخ....ماذا لو كانت هذه القوه متابعة ومرصودة من قبل قواتنا الامنية ومن قبل استطلاعنا الجوي وقواتنا الجويه ...كانت ستكون هدفا سهلا لطيران قواتنا المسلحة ولن يحميها تحركها ليلا في وثبات واختباءها نهارا (يفترض انها تتحرك هكذا) فطول المسافة وعدد المركبات يفترض ان يكون مكشوفا وكذلك حركة السابلة في الطرق المرصوفة والوعرة والعيون التي ترصدها تجعل من تحرك هذه القوة امرا في غاية الخطورة وضربا من الانتحار...وحتي لو تمكنت القوة من الوصول الي العاصمة ...كما حدث فعلا فلا اظن ان هذه القوات ستؤخذ بالاحضان من جانب المواطن العادي وقد فشلت غزوة كهذه في سبعينيات القرن الماضي بإتحاد الشعب بمعارضته مع قواته المسلحة في صد العدوان علي امدرمان ...بجانب ذلك ستدور معارك من شارع الي شارع ومن مبني لآخر ستكون الغلبة المؤكدة في النهاية للقوات المسلحة لعددها وعتادها وتدريبها علي حرب المناطق المبنية مسنودة من قبل السكان الذين ينشدون الامن والامان....ونقول في هذه الجزئية انه لمحض الصدفة فقط ان لا تواجه هذه القوات بعيدا عن العاصمة...وستبدي الايام والمستقبل لماذا لم يتم ذلك؟
، فهل حسب مخططو هذه العملية انه كان بالامكان تدمير هذه القوة وبسهولة !
بالرجوع الي استراتيجية الصدمة والترويع نجد ان اكتشاف المواطن العادي وهو في طريقه للعمل صباح العاشر من مايو 2008 وجود قوات داخل امدرمان وتتجه نحو الجسور وتحدث فوضي وضرب في العاصمة احدث نوع من الصدمة للسكان العاديين والإستغراب أدي الي مقتل عدد منهم ...الا انه من الثابت ان من خطط لهذه العملية لم يقصد باي حال من الاحوال استخدام نظرية الصدمة والترويع في تنفيذه لهذا العمل وان تفاجأت به قواتنا وتصدت له بعد ذلك ...والتأريخ العسكري لن يرحم او يعفي من تهاون بعلمه او بدون علمه من مسئولية تمكن هذه القوة من الوصول الي تخوم امدرمان وجسورها وترويع المواطنين مهما كانت الاسباب... والله المعين.....