ملتقى الإعلاميين ..مابين بيت الرئيس وغزلان الوالي!! (3-4) … بقلم: عبدالباقى الظافر

 


 

 

alzafir@hotmail.com

  

أضبط ..اختطاف في شارع النيل وأولى معمار قبول خاص .

 

الرئيس ..لا فساد بالخرطوم ورفضت التوسط لابنة أخي.

 

والى شمال دارفور.. بيتي من قش ومرغت انف رايس بالتراب.

 

اتهام جديد ..الوالي كبر يتهم أهل الشمالية بالتلاعب في التعداد الأخيرة

  

هذه الليلة سنلتقي  المشير البشير على مائدة عشاء في بيته بالقيادة العامة .. لقاء له خصوصية ..أغلب الحضور الاعلامى يناوئ البشير وحكومته .. حقيقة أدركها الوزير كمال عبد اللطيف عندما قال للمشير "بعضهم يكرهونا عمى "..غير ان قليل منا يرى الرجل باعتباره قائدا فذا يستحق المبايعة مدى الحياة .

  

الدخول إلى عرين الإنقاذ ليس سهلا ..حقيقة جعلتنا نبكر لنحجز مقاعدنا في البصات الوثيرة.. وصلنا إلى بيت الرئيس ..الصالون الملحق اتخذ شكل قاعة فخيمة ..جدرانها تغطيها ستائر غاية الجمال ..السقوف مزخرفة بعناية ..تذكرت قصور المهيب صدام حسين رحمه الله ..حتى فاجأني مرافقي الذى يعمل بمجلس الوزراء قال ان القاعة صممها مهندسون عراقيون .

  

بعيد قليل دخل الرئيس برفقته وزيره كمال عبد اللطيف..كلاهما في زى شعبي ..وقف الحضور احتراما للرئيس .. عادة معمول بها هنا في أمريكا ..القي المشير التحية واتخذ مقعدا في المنصة التي أعدت لهذه المناسبة ..الوزير تولى تقديم الحضور إلى الرئيس .. وصف الحشد الاعلامى بأنه غير مسبوق ..وبعامية مبينة وصف الإعلاميين العاملين بالخارج "سيدي الرئيس..ديل ناس ركازات.. مافيهم زولا هين ولا لين .. ومافيهم زولة هينة ولا .. " ..إشارة جندرية لقت تجاوبا من الإعلاميات عندما سكت الوزير عن إكمال القول السوداني المأثور.التفت كمال إلى الضيوف وقال "من حقكم ان تفتخروا بهذا الرئيس ..الرئيس الوحيد في العالم الذى يخلو سجله من الفضائح الجنسية "..بضاعة كمال لم تجد الرواج المطلوب .

 

الرئيس البشير تحدث بإفاضة وبلاغة ..الرجل الذى كان يبدو عليه التردد في سنوات حكمه الأولى ..صار اليوم أكثر تمرسا ..قال لن حكومته سعت للتواصل مع الإعلام الغربي ودفعت له (صمت قليلا) ثم واصل.. دفعنا لهم تكاليف الترحيل والإقامة وعندما عادوا إلى دولهم اشترى تحالف أنقذوا دارفور تقاريرهم ووجهات نظرهم وصمتوا.

  

فتح عبد اللطيف باب الأسئلة ..قال بثقة زائدة "عاوزين أسئلة ساخنة " وكان يردد عقب كل سؤال " يا أخوانا دى أسئلة باردة ..سخنوا الحكاية ".. أسئلة الإعلاميون كانت سطحية وغير محرجة ..سألوا الرئيس عن سد مروى ..وعن منع الترابي من السفر ..وعن فساد رجال ونساء من حول الرئيس .

 

عن السد قال لهم هذا مشروع القرن ومازال إنتاجه الكهربي في مرحلة التجريب .. عن الترابي بدأ الرئيس متحاملا على شيخه السابق وقال في لغة عسكرية " كان الترابي شيخنا يوجهنا يمين يمين.. شمال شمال " ولكنه بعد ان تركناه يتمنى ان تخسف بنا الأرض ..وقلل من دور محتمل للترابي في سلام دارفور وقال "خليل إبراهيم عاوز يبقى رئيس جمهورية وهل يمكن للترابي ان يحقق له هذا الأمر ".

  

الفساد كان الموضوع المفضل للرئيس .. قال الناس تتحدث بمبالغة وتهويل في هذا الأمر..وقال أبوابنا مفتوحة لكل من يملك أدلة وبراهين ..والمراجع العام لا يقدم تقاريره للسلطة التنفيذية بل للبرلمان مباشرة ..وضرب مثلا بنفسه وقال ان رجل أعمال أهداه عربتين فاخرتين وقال وجهت بتقيدهم باسم حكومة السودان ..وأضاف ان ابنة أخيه تخرجت من كلية الهندسة بجامعة الخرطوم ورفض ان يتوسط لها أحد من اجل وظيفة ثم قال مازحا " جاءها ود حلال وتزوجت ".

 

كمال عبد اللطيف قطع سيل الأسئلة الساخنة وقال حسين شندى في انتظاركم وكمندان البوليس لن يسمح للحفل ان يمتد بعد الحادية عشر مساء.. ابتسمت وقلت لنفسي

 

" ما شاء الله الناس سواسية أمام القانون ".

 

نصبت سرادق الحفل في الحديقة الأمامية .. العشاء كان فاخرا ويوحي ان البلاد وحكامها في هناء وثراء ..حسين شندى وليس قيقم من يصدح بالغناء في بيت الرئيس ..الخرطوم عادت مدينة ليبرالية تسمع ما تريد وتلبس ما تحب ..الرئيس شارك ضيوفه الاحتفاء وعرض على أنغام الغناء الحماسي .. انتهت ليلة لتبدأ ألف ليلة وليلة .

  

هبطنا إلى فاشر أبو زكريا ..المطار المتسع يحوى طائرات متعددة الجنسيات ..بعضها تحمل شعار الأمم المتحدة وأخرى للقوات المشتركة ..وجزء منها لمنظمات خاصة ..وجه الأزمة يبدو من مطار المدينة البائس ..انه ذات المكان الذى كتب شهادة ميلاد الحركات المسلحة وأعطاها بطاقة الاعتراف الدولي ..يوم ان هاجمت جيوش تحرير دارفور هذا المطار عام 2003

 

  نحو مائة رجل وامرأة في صف طويل بانتظار مقدمنا ..كان علينا ان نصافحهم فردا فردا ..يبدو أنهم يتوسمون فينا خيرا .

 تفرق وفدنا على عدد غير قليل من البصات الصغيرة (حافلات ) .. تتقدمنا سيارة عسكرية وعسكر في حالة انتباه ..مظاهر لا تدعو للاطمئنان.. مررنا على سوق المدينة ..مظاهر عمران تتحدى الحرب..وزارات تطاولت في البنيان ..مطعم بيتزا..قلت لجارى في الرحلة وأنا أشير إلى مطعم البيتزا ..هذا ما يطلبه الخبراء الأجانب وما خفي أعظم ..زرنا عدد من المعسكرات ..السلام وابوشوك .. ومعسكر ثالث نسيت اسمه .

في المعسكر الاول حاولت وزميلتي بثينة عبد الرحمن الصحفية بالشرق الأوسط ان نلج إلى داخل المعسكر ..مرافقنا الامنى رفض السماح لنا بالدخول ..وقال انه لا يضمن سلامتنا الشخصية ..جدال انتهى بعودتنا إلى بقية الوفد .

  

محطتنا الثانية بمعسكر ابوشوك ..وجدنا الناس في صفوف وصفوف ..انه يوم توزيع المواد الغذائية ..يوم بالشهر .. تجمع الناس أحال المكان إلى سوق صغير ..سيدة تبيع (الزلابية)  والشاي ..كهل يعرض بصلا ..بعض الناس لم يأبه حتى لوجودنا ..ربما تكرر عليهم المشهد ..شاب في مطلع الثلاثينات ..حسن الهندام ..يرتدى نظارة سوداء..سألته عن الأحوال فى معسكرهم هذا ..رد على بجفاف بائن "زى ما شايف " محاولاتي معه أثمرت نجاحا ..أزاح نظارته السوداء كأنه يتأكد من هويتي ..وقال لى "لن استطيع الحديث ..الخوف يملأ المكان " .

 

شابة أخرى فى ربيع العشرينات ..تتوشح حجابا أنيقا.. لا يبدو عليها رهق المعسكر .. سألتها عن اسمها ..رفضت الإباحة ..قالت أنها معلمة في المدينة ولكنها تزور أقاربها..مضت قائلة المواد الغذائية قليلة ..أشارت إلى لتر من الزيت وقال هذا مخصص لثمانية أشخاص كل شهر ..لمحت عجوزا تجتهد بالغربال لتجمع من على الرمال بعض حبيبات من الذرة .

 

دلفت إلى داخل المعسكر خلسة ..مجموعة من الأطفال ..حالهم تعيس .. حفاة عراة ..سألتهم ان كانوا يدرسون ..ردوا بالإيجاب وانصرفوا بلا استئذان .. الصور المتناقضة تزاحم مخيلتي ..وأنا أقابل شاب في ملابس رياضية ..يرتدى شعار المريخ كاملا ..طلبت منه صورة فجلس جلسة رياضية ومضى إلى حاله ..تقدمت خطوات ..دلفت إلى بيت من القش ..سلام حباب ..خرج رجل البيت بينما اكتفت سيدته بنظرة متعجلة إلى الغريب ثم توارت عن الأنظار مع طفليها ..إدريس على محمود من كنوى ..إنها المنطقة التي كان يدور فيها ذات اللحظة قتال عنيف بين قوات حركة العدل والجيش الحكومي.. إدريس يقدم رؤية مختلفة تعكس عمق الخلافات في هذه المنطقة المشتعلة ..يقول إدريس ان الحياة طيبة وتسير على ما يرام .. ويضيف ان العودة إلى بلدته كنوى مستحيلة بسبب الظرف الامنى .. سألته عن جيرانه ..أشار بإيجاز ان الجار الملاصق هو شقيقه.

  

نحن الآن في بيت الوالي ..يسمونه البيت الرئاسي ..عنوان يعكس شغف ساكنه بالسلطان ..استقبلونا بالرقص الشعبي كل قبيلة تعرض ما عندها ..لفت نظري شاب مهندم كان يشارك قبيلته الرقص ..ملامحه تبدو معتادة ..سألت عنه زميلي عبد الفتاح عرمان ..قال لى هذا إبراهيم بقال ..وبقال هذا ملأ فضاءات الانترنت ضجيجا ..قبل ان يصالح ..سألت نفسي كيف يتحول الثائر إلى راقص في بلاط الوالي ؟ .

 

صالون الوالي ليس في فخامة بيت الرئيس بالخرطوم ..تباين يعكس بعد المسافة بين الفاشر والخرطوم ..ولكن بالبيت سعة وأصالة وتناقض ..نافورة مياه في بلد عطشانة .. وغزلان برية في إقليم يموت أهله من نقص في  الثمرات .

 

زميلتي بثينة عبد الرحمن التي تعمل بمكتب الشرق الأوسط بالنمسا ..جلست في المقاعد الأمامية ..ظنت ان الفاشر هى فينا ..رجال الوالي خلعوها من مقعدها بحجة ان المقاعد الأمامية مخصصة ( للناس المهمين)  ..جاءت وجلست بجانبي في المقاعد الشعبية ..عاد ذات الرجل وتوجه هذه المرة إلى المصري هاني رسلان ..وضعت يدي على قلبي .(.جات سليمة ) ..لأن الرجل ابلغ رسلان ان الوالي يطلب حضوره .

 

الوالي يوسف كبر ..معلم.. تقلب بين التنظيمات حتى وجد ضالته في الإنقاذ ..عندما تستمع اليه تدرك انه رجل صحاب مقدرات عالية ..مصادم لدرجة الاستفزاز ..يحفظ لوحه جيدا ..يقول عن نفسه انه ولد في قطيه وأسرته الكبيرة مازالت تسكن في بيت من القش .

 

في أثناء حديثه كان يستعين بجهاز (لابتوب)  مزود بشاشة ضخمة .. جعل على الحاسوب رجلا يديره ..قال الوالي كبر وفدكم هذا رقم 484 ..مضى قائلا زارني في هذا المنزل ثمانية من رؤساء الدول والحكومات ..وغير قليل من وزراء الخارجية الأجانب ..تحدث بفخر واعتزاز كيف انه مرغ انف الوزيرة كونداليزا رايس بالتراب ..يوم زارت مدينته ..وخصص  له رجالها بضعة دقائق للحوار .. فقط  مسافة مابين السيارة والطائرة ..قال كبر رفضت الأمر ..اضطرت رايس ان تأتى إلى هنا و تمنحني الوقت الكافي ..ولكن الوالي كبر يحملنا رسالة للأمريكان " قولوا للأمريكان نحنا تعبنا وانتو تعبتوا .. أفضل نتحاور " .

 

اقر الوالي كبر ان قوات حرس الحدود المتهمة بارتكاب فظائع في دارفور ..قال أنها تحتاج إلى ضبط وتدريب اضافى ..وقال أنها ليست مليشيا هذه قوات عسكرية تتبع للجيش السوداني ..وقال ان كثير من مخالفاتها أحداث فردية .

 

عن التعداد السكاني والزيادة اللافتة للأنظار لسكان دارفور..قال ان تعداد 1993 لم يكن دقيقا ..وان أهل دارفور تأكدوا ان التعداد هو فرصتهم الأخيرة في الإنصاف.. قال حتى الحركات المسلحة ساعدتنا في إكمال التعداد ..اتهم كبر أهل الولاية الشمالية بتضخيم إعدادهم وقال "قبل التعداد كانت العربات والقطارات تمتلئ بالناس المتوجهين للشمالية " اتهام يطعن في نزاهة التعداد ..هذه المرة جاء من الغرب ..في مرات عديدة كان يأتي من الجنوب وحده .

 

أدينا صلاة الجمعة بمسجد السلطان على دينار ..مسجد فخيم شيده الوالي كبر على أنقاض مسجد عتيق ..عدنا إلى بيت والينا ..استمتعنا بالعصيدة الشهية ..وأهدانا الوالي بعض من المنسوجات البلدية التي تعكس تراث دارفور العريق .

 

قبيل الغروب عادت بنا سودانير إلى مدارج مطار الخرطوم ..العودة الآمنة استحقت صفقة  من الركاب كأنهم لا يصدقون هذه السلاسة من نقلنا الوطني ....يوم حافل بدارفور خرج الإعلاميون بعده بانطباع ان الأمور ليست جيدة ولكنها ليست بذلك السوء.

  نواصل

 

آراء