الوجع والمعالجة الغالية.. كيف وجد المؤتمر الوطني حظوظه الانتخابية … بقلم: أبوذر على الامين ياسين

 


 

 

تحليل سياسي

 


(حجبه الرقيب الامني عن صحيفة أجراس الحرية)

 

 

abuzzzar@yahoo.com

 

جاءت ردود فعل المؤتمر الوطني على تحالف الاحزاب (السبعة عشر) والحركة الشعبية قوياً وملفتاً للدرجة التي لا تصلح فيها القراءة التحليلية إلا اذا كانت مدعومة (بالمعلومات) خاصة مع وفرتها وتعدد ونوعية مصادرها!!!!؟. بل اثارت ردود فعل المؤتمر الوطني تلك اعادة تقييم أولوياته هل هي حقاً الانتخابات؟!!، أم الحكومة القومية!!!؟. قد يبدوا لك هذا غريباً لكن ما وقفنا عليه من (معلومات) يستدعي وبقوة طرح هذه الاسئلة كما سنرى لاحقاً، اذ أن البداية الأوفق بتقديرنا تقتضي عرض ردود المؤتمر الوطني التي استثارها تحالف السبعة عشر والحركة الشعبية.

 

بدأ رد فعل المؤتمر الوطني على تحالف الاحزاب السبعة عشر والحركة الشعبية بجمع أحزاب حكومة الوحدة الوطنية باعتبارها الأحزاب (المتحالفة) معه بدار المؤتمر الوطني، ولأن الحركة الشعبية أهم أحزاب حكومة الوحدة الوطنية ولم تكن ضمن ذلك الاجتماع فقد بدأ واضحاً أن الاجتماع واستعراض اعداد الاحزاب المشاركة فيه المقصود منه هو الرد على تحالف السبعة عشر والحركة الشعبية. لكن ما انتهى إليه اجتماع احزاب حكومة الوحدة بدار المؤتمر الوطني من رؤى وقرارات إنتهى رقم الحشد واستعراض عدد المشاركين فيه والغائبين عنه ليعبر عن رد المؤتمر الوطني وليس (حكومة الوحدة الوطنية) وبالتالي عن تتطابق وتوحد كل القوى المشاركة بدار المؤتمر الوطني مع رؤيته التي يريد تمريرها على أنها جماع رؤية وثمرة تداول تلك الاحزاب. ولعلنا لا نحتاج أن تسنتج هنا فالمؤتمر الصحفي الذي أعقب ذلك الاجتماع وقف عليه نافع على نافع وليس اي قيادي أو منتمي آخر من (أحزاب حكومة الوحدة الوطنية)، كمان خلاصاته تحمل رؤية نافع والمؤتمر الوطني للدرجة التي لا تلمس فيها أي دور أو مساحة لرأي أو أضافة من أحد تلك الاحزاب. اذ اكد نافع في ذلك المؤتمر الصحفي حرص الحكومة على قيام الانتخابات في موعدها قطعاً للطريق على الذين لا يريدون اجراءها ويتعللون بجج واهية ولا يبدون ما يضمرون (بحسب ما نقلت عنه صحيفة الصحافة الأربعاء 27 مايو 2009م العدد 5717) لكن نافعاً ورغم حرصه على قيام الانتخابات في موعدها عاد وأعطي حق التأجيل لمفوضية الانتخابات وأن الشريكان سينظران في الضرورات ويقرران وفقاً لها، ثم عاد وأكد وجود ضمانات من الدولة وتوفير الامكانات اللازمة لقيام الانتخابات. ورداً على رؤية تحالف السبعة عشر الذي يرى ان تأجيل الانتخابات يعني فقدان الحكومة لشرعيتها، حرص نافع على تحديهم بالتوجه للمحكمة الدستورية لإثبات عدم دستورية الحكومة واعتبر ذلك ادعاء لايسنده منطق قانوني أو دستوري بل هو استغفال للناس وتحايل عليهم باسم الدستور. أما بشأن الدعوة التي وجهتها الحركة الشعبية لتحالف السبعة عشر للإجتماع بجوبا وضمت المؤتمر الوطني لتلك الدعوة فقال نافع أنه لاحرج في ذلك من (حيث المبدأ )بل دعى له كل القوى السياسية (لممارسة لعبة الارقام – 17 في مقابل 25 أو 35 التي يجيدها المؤتمر الوطني) ورغم هذه الحفاوة راي نافع أن الدعوة لذلك الاجتماع  تناقض الدستور. الأمر الذي أكده اعلان صدر عن المؤتمر الوطني برفض المشاركة في اجتماع جوبا، ولم يكن المدهش في هذا الاعلان أنه اعلن باسم المؤتمر الوطني وليس باسم أحزاب حكومة الوحدة الوطنية، بل كان المدهش فيه أنه رفض (مبدئ) ليس في تناقضه مع الدستور بل لوجود لجان مشتركة بين الوطني والحركة الشعبية وبينها والاحزاب الاخرى. أما أميز ما اثير ضمن ردود المؤتمر الوطني هي تحذيره من قيام تحالفات تقوم على اقصاء الآخر وانها ستكون وبالاً على الشعب حال قيامها!!!؟ ولكن أين الاقصاء أمام تحالفات معلنه وواضحة أحدها يضم سبعة عشر حزباً والحركة الشعبية – والذي ما يزال تحت الاحتمال والاعداد. والاخر الذي يضم 35 حزباً شاركت منهم 25 ضمن اجتماع المؤتمر الوطني الاخير.

 

وتصاعدت ردود فعل المؤتمر الوطني ليشارك فيها الرئيس نفسه الذي اتهم الحركة الشعبية لتحرير السودان بتقييد العمل السياسي في جنوب السودان، وقال إن الجنوب تحكمه الاستخبارات العسكرية التابعة للجيش الشعبي منذ توقيع اتفاق السلام الشامل. وهدد البشير الحركة بالمعاملة بالمثل وحظر عملها في الشمال إذا لم تتراجع عن تلك الممارسات. وقال "إذا كانت الحركة الشعبية تظن أنها تقفل الجنوب بوجه القوى السياسية، وتأخذ (في الوقت ذاته) حريتها في الشمال، فنحن نقول إن المعاملة ستكون بالمثل، العين بالعين والسن بالسن".(بحسب قناة الجزيرة الأحد 6/6/1430 ). وتجاوزت ردود الفعل كل التوقعات على اثر محاولة اغتيال ياسر عرمان أمين القطاع الشمالي الذي يؤرق المؤتمر الوطني ويمثل اقوى خلفية لردود الفعل التي صاحبت اعلان تحالف السبعة عشر والحركة الشعبية. اما أقصى تصعيد بلغه المؤتمر الوطني هو ما عبر عنه  مطرف صديق (بحسب أجراس الحرية عدد الجمعة 5 يوينو 2009م) اذ أكد عدم وجود حل لمشكلة دافور رغم مباحثات الدوحة وكل الجهود التي بذلت معتبراً أن المشكلة خارجية ولا يمكن وصفها بالازمة أو المشكلة السودانية الداخلية وإلا كانت قد شهدت حلاً منذ سنين، ووصفها بأنها أزمة أمنية دولية كبرت لدرجة ان يطلب الرئيس أمام محكمة الجنايات الدولية. ولكن ألى اي مدى تقدم تفسيراً شافياً لكل ردود الفعل تلك ما اطلعنا عليه من معلومات؟!!.

 

تفيد المعلومات طرفنا أن الحوارات والنقاشات داخل المؤتمر الوطني تؤكد وبقوة عدم رقبة المؤتمر الوطني في قيام الانتخابات وأن حيثيات ذلك تستند بحسب النقاش الذي دار ضمن الهيئة القيادية أن كل الاحتمالات والدراسات تؤكد أن المؤتمر الوطني لن يستطيع ولو بشق الانفس بلوغ نسبة كسب 50%، كما تفيد المصادر أن النقاش تداول في أمر عدم شرعية الحكومة كما اثارته احزاب تحالف السبعة عشر وأن هذا الامر حقيقي ولا يمكن إنكاره، وأن التحالفات هي اخطر المخاطر التي سيواجهها المؤتمر الوطني للدرجة التي لا يمكن مقابلتها أو مقارنتها بتهديد المحكمة الجنائية الدولية. وتفيد المصادر أن خلاصات تلك النقاشات انتهت إلى أن الخط المعلن يجب ان يعصد من المطالبه بقيام الانتخابات على موعدها المعلن بل للدرجة التي استخدمت فيها الفاظ مثل (ننفخ) حتى لا نبدوا مع الخط المشكك في تأجيلها القادم. أما عدم دستورية الحكومة فالمطلوب استنكارها وقفل الطريق أمامها مهما كلف ولو امام المحكمة الدستورية التي نملك ناصيتها تماماً. وبخصوص التحالفات فالمطلوب العمل على عدم نجاحها وتوفير كل المعينات وتوظيف كل الامكانات وخاصة الاجهزة الامنية  وكل ما تستطيع بما في ذلك توظيف الكادر والمصادر ضمن تلك الاحزاب.

 

ليست هذه هي حدود المعلومات ذلك ان أكثر من مصدر أكد أن المؤتمر الوطني بدأ بالجزيرة (ضمن مثلث حمدي) باستخراج شهادات الجنسية والبطاقة الشخصية للمنتمين لقبائل الغرب والذين استقروا بالجزيرة منذ اكثر من عشر عقود وكانت السياسية المتبعه تجاههم أن يمنعوا من امتلاك جنسية أو بطاقة شخصة ولو طلبوها طوعاً، بل وخلال حكم الانقاذ اتبعت سياسية عزلهم عن السكن ضمن حرم القرى المعروفة وظلوا يسكنون بعيداً عنها في مناطق عشوائية (كنبو) ومنعوا من شراء المساكن ضمن القرى وإن وقع الشراء لا يتم تحويل الملكية للمشتري منهم. لكن الآن تجرى حملة واسعة ضمنهم لاستخراج الجنسية والبطاقة تمهيداً لمرحلة السجل الانتخابي القادم.

 

كما أكدت مصادر (من الداخل) أن اعلان استيعاب خرجي (الدبلومات) يأتي ضمن الاعداد للحملة الانتخابية، خاصة وأن حملة درجات الدبلوم كانوا قد منعوا سابقاً من التقديم للكثير من الوظائف بمافيها (الجلوس لإمتحان القيد الصحفي). وضمن ذات السياق يأتي الاهتمام الاخير ونفض الغبار عن مشروع توظيف الخريج المنتج الذي يستند على أفكار وكوادر على مستوى عال من الكفأة والذي كافحوا طويلاً لضمان حق كل خريج في الحصول على وظيفة باعتبار ذلك حقا له بحكم المواطنة، بل هو مهمة أصيلة من مهام الحكومة تجاه مواطنيها وخاصة طلابها الذين يعانون من البطالة التي افرزتها ثورة التعليم العالي لتبلغ درجة المرض الخطير، لكنه ظل يعاني من الاهمال وقلة التمويل وتدخلات القيادات التي تحرص على تحويله لآلية ومصدر استقطاب لصالح حزب المؤتمر الوطني مقابل منح التمويل أو توفير الوظيفه، والان يتم اعادة الاهتمام به ضمن سياق الاعداد والاستعداد للانتخابات.

 

كل ذلك جاء على خلفية درسات ميدانية تم اجراءها (بكل السودان) وكانت خلاصتها أن المؤتمر الوطني سيخسر الانتخابات بالثابتة والاكيدة. لم تتوفر بعد معلومات عن تلك الدراسة، لكن ورقة بعنوان ( مغذى الانتخابات وكيف تكسب) قدمت ضمن ورشة نظمتها منظمة (IDEA) قد تساعد في الوقوف على بعد الملامح الرقمية للموقف والحظوظ الانتخابية. أهم ما استعرضته تلك الورقة هو أن المؤتمر الوطني قوي بالشمال مقارنة ببقاي القوى السياسية، وكذلك الحركة الشعبية قوية بالجنوب مقارنة بباقي القوى السياسية ، ولكن الأهم من ذلك أن هناك كتلة حجمها 57% من غير المنحازين كما وصفتهم الورقة (لا انتماء أو اهتمام سياسي لهم) ورأت الورقة ان هؤلاء هم من سيحدد الفائز في الانتخابات القادمة، بل مضت الورقة لابعد من ذلك لتسنتج أن الجهة الاقوى اثراً على هؤلاء ال 57% كونهم ضمن الفئة الشبابية (18 الى 44 سنة) ويمثلون حوالي ال 14 مليون أي ثلاث أرباع الناخبين، هي الحركة الشعبية وليس المؤتمر الوطني. وأن اقصى كسب متوقع للمؤتمر الوطني لا يتجاوز حدود ال 27% من أصوات الناخبين، لذلك تشكل التحالفات تحدي ومخاطر حقيقة على المؤتمر الوطني، بل مضت الورقة في تحديد المواقع التي ستؤثر فيها التحالفات بقوة وهي رئاسة الجمهورية، وانتخابات الولاة، وقوائم التمثيل النسبي.

 كل ذلك يكشف ان مواقف المؤتمر الوطني تتجاوز قضية تأجيل الانتخابات وتكاد تكون الأقرب إلى رفضها جملة وتفصيلاً!. بل وأكثر من ذلك أن الفرصة الأفضل أمام المؤتمر الوطني هي الحكومة القومية التي ربما يجد فيها نصيباً يحافظ على وجوده ويضمن شيئاً من تسوية عالمية وداخلية توفر بعض الحماية لمن لم تعلن اسمائهم بعد كمطلوبين أمام اي من المحاكم الدولية، وهي الفرصة التي فقدها بكل تأكيد من أعلنت أسماءهم، وربما من ستعلن في مقبل الايام. ولكن تبقى قضية قيام الانتخابات أمر مستبعد كون الأطراف الاصيلية تربك حسابتها الانتخابات كثيراً وتضفي عليها الكثير من التعقيدات غيرالمرغوب فيها، كما أن بقية القوى السياسية ليست بأفضل حالاً من المؤتمر الوطني والحركة الشعبية إلا وفقاً لصيغة التحالفات التي يخشاها المؤتمر الوطني باكثر مما يخشى الله وقد حسب لها في بواكير خططه الانتخابية خاصة ما تضمنته (وثيقة الرؤية التنظيمية) لو تذكرون. ولنا عودة لتناول هذا الموضوع.

 

آراء