ملتقي الاعلاميين السودانيين بالخارج‏..‏ نجاح مثير للجدل‏(2-2)‏ …. بقلم: هانئ رسلان

 


 

هاني رسلان
26 June, 2009

 

أحاديث سودانيه

 

تركز الجدل الذي دار حول مؤتمر الاعلاميين في الخارج في القول بأن حزب المؤتمر الوطني الحاكم‏,‏ لا يهدف من وراء عقد هذا الملتقي وتحمل النفقات الضخمة لسفر وإقامة هذا العدد الكبير من الاعلاميين المقيمين في المهاجر‏,‏ سوي للقيام بمناورة سياسية يجني من ورائها بعض المكاسب السياسية الآنية المتمثلة في تحسين صورته الاعلامية‏,‏ وإعطاء إنطباع زائف عن إنفتاحه ومرونته تجاه معارضيه‏.‏ وإن حضور ومشاركة العديد من معارضي النظام إنما يمثل نوعا من التورط في عملية شكلية ليست سوي تمثيلية محدودة‏,‏ لن تستفيد منها عملية التحول الديمقراطي في الداخل ولا تعبر عن حدوث تغير حقيقي في المواقف أو السياسات‏.‏

  

ومن ناحية إخري شن البعض ـ كالعادة ـ بعض حروبهم الصغيرة حول لماذا تمت دعوة فلان أو علان‏..‏ ولم يدع هذا أو ذاك‏..‏ وجادل البعض بأن نسبة لا يستهان بها من المشاركين لبت الدعوة لأنها لم تستطع مقاومة تذكرة السفر والإقامة لعدة أيام مجانا مع زيارة الأهل والاصدقاء‏,‏ ومن ثم فإنهم تخلوا عن مواقف توصف بالمبدأية من أجل لقيمات علي موائد نظام غاشم‏.‏ وهذه بطبيعة الحال حجج تخرج بالموضوع عن سياقه الأصلي وتنحدر به إلي مستوي النميمة ومحاولة تصفية الحسابات والمهاترات الشخصية التي تغلب علي المحافل والمنتديات الإلكترونية السودانية والتي تحفل بكثير من ساقط القول في الكثير من الاحيان بطريقة تسئ في الحقيقة إلي الصورة العامة المعروفة عن الشعب السوداني اللذي يتمسك بكثير من القيم النبيلة والجميلة في التسامح والكرم ودفء العلاقات الانسانية‏.‏

  

وعودة إلي السياق الأصلي للجدل حول الملتقي‏,‏ فان الجهة الداعية وهي وزارة مجلس الوزراء السوداني وجهاز المغتربين في الخارج‏,‏ حتي لو كانت تهدف إلي تحسين الصورة الإعلامية للنظام السوداني الحاكم في الخارج‏,‏ فقد اختارت لتحقيق هذا الهدف وسيلة تتصف بالرشادة وهي دعوة المختلفين في الرأي لمعاينة الواقع القائم وأيضا للتحاور مع كبار المسئولين الممسكين بزمام الإمور وجها لوجه‏,‏ ثم العودة إلي مهاجرهم وأماكن عملهم دون لوم أو تثريب‏,‏ ولهم أن يستمروا في قناعاتهم التي جاؤا بها‏,‏ أو يعدلوا فيها طبقا لقناعاتهم الشخصية وزاوية رؤيتهم لتفاعلات ووقائع الملتقي‏.‏ ومن ثم فليس هناك إلزام بشئ‏.‏ والأهم هنا أنه قد تم اختيار هذه الوسيلة دون غيرها من الوسائل‏,‏ وهذا في حد ذاته يعد تطورا إيجابيا يجب التمسك به والبناء عليه‏,‏ لأنه يحمل إعترافا بالآخر وقبولا به‏,‏ كما يحمل ضمنا وعودا بالمضي قدما في هذا المجال نحو التقارب وتقديم التنازلات المتبادلة في الرؤي والافكار‏..‏ وهذا طريق طويل يحتاج إلي رعاية وإلي صبر وإلي السعي نحو أهداف مشتركة تقوم علي أساس الشراكة في الوطن الواحد وليس علي الإقصاء أو الإنفراد‏..‏ وأحسب أن فكرة هذا الملتقي‏,‏ وطريقة تنفيذ وإستنزال هذه الفكرة هي خطوة في هذا الاتجاه‏.‏ ويتصل بما سبق أن مثل هذه التطورات تحتاج إلي وقت وإلي تدرج ولايمكن تطبيقها قفزا بطريقة الانقلابات التي عاني السودان منها ومن تداعياتها الأمرين‏.‏

  

ولعل إجازة قانون الصحافة السوداني داخل البرلمان بالاجماع بعد إدخال الكثير من التعديلات علي النسخة الأولي لمشروع القانون‏,‏ وبما يستجيب للكثير من المطالب المشروعة التي نادي بها الصحفيون السودانيون‏,‏ تمثل مثالا إيجابيا أيضا‏,‏ حيث كانت قضية قانون الصحافة والحريات‏,‏ من أهم القضايا التي ناقشها الملتقي وإحتلت جزءا كبيرا من توصياته‏.‏

  

وعلي ذلك لم يكن هناك ما يستدعي كل هذا الجدل والخلاف الدائر حول أحداث هذا الملتقي‏,‏ غير أن هناك ملاحظتين أساسيتين في سياق هذا الخلاف‏,‏ الأولي تتصل بأن الاتجاه الغالب لدي معارضي النظام الحالي في الداخل كان مع قضية المشاركة والتفاعل‏,‏ بينما طغي موقف التنديد لدي بعض المعارضين بالخارج‏,‏ الملاحظة الثانية أن كل الجدل الذي دار‏,‏ يندرج في سياق حروب داحس والغبراء‏,‏ إلا قلة من الكتابات المؤسسة علي مواقف تحظي بالاحترام سواء اتفقت أو اختلفت معها في الرأي‏..‏ وأشير هنا الي المحاجاة الممتعة التي دارت رحاها بين الإستاذين مصطفي البطل وفتحي الضو‏.‏

  

أختتم بالقول أن من حسنات هذا الملتقي الكثيرة هو إتاحة الفرصة للقاء عدد كبير من الكتاب وأصحاب الرأي في السودان‏,‏ وقد حظيت بسهم وافر في هذا المجال‏,‏ حيث تيسر لي أن ألتقي عدد كبير ممن أقرأ لهم وأتابع كتاباتهم منذ وقت طويل‏,‏ وأخص بالذكر هنا مع حفظ الألقاب والمقامات الدكتور خالد المبارك‏,‏ والأساتذة السر سيد احمد ومصطفي عبدالعزيز البطل وسالم احمد سالم ومني عبدالفتاح والصديق القديم حسن أحمد الحسن‏..‏ وعدد كبير من الناشطين وأصحاب الاسهامات والكتابات خاصة من القادمين من المملكة السعودية الذين شاركوا بسهم وافر‏.‏

  

بقيت كلمة أخيرة وهي الشكر الواجب والإشادة بالجهود الهائلة التي يقوم بها الدكتور كرار التهامي الامين العام لجهاز المغتربين بالخارجن فهو شعلة نشاط وعطاء‏,‏ وهو رجل قدير ذو تفكير منظم‏,‏ ونظرة موضوعية ذات إفق وطني عريض‏..‏ وكان قد بادر بتشريفي بالزيارة في مركز الاهرام أكثر من مرة‏,‏ ودارت بيننا نقاشات عديدة‏,‏ ثم لمست بعضا من جهده وعطائه في فعاليات هذا الملتقي‏.

 نقلا عن الاهرام الاقتصادى 22-6-2009

 

آراء