صراع المشروعية بعد التاسع من يوليو.. هل يفضي إلى انقلاب!!؟

 


 

 

أبوذر على الامين ياسين

 

ذهب صلاح قوش المسؤول الاول لجهاز الاستخبارات السودانية (بحسب مصادر مطلعة) في زيارة سرية لأمريكا تزامنت مع توجه وفدي المؤتمر الوطني والحركة الشعبية بدعوة من الادراة الامريكية للوقوف على مسار وعقبات تنفيذ اتفاقية السلام الشامل بينهما. صلاح قوش لم يكن ضمن وفد المؤتمر الوطني، كما توجه إلى امريكا بعد وصول وفدي المؤتمر الوطني والحركة، وبالتحديد يوم 22 يونيو الماضي. ويبدو أن ما تعرضت له الادارة الامريكية السابقة من ضغوطات من جهات حكومية واخرى غير ذلك  إبان زيارة قوش السابقة حيث حملته طائرة خاصة بالسي أي أيه من مطار الخرطوم إلى هناك، دفع مرتبي زيارة قوش الاخيرة الى اتخاذ فرصة حضور وفدي المؤتمر الوطني والحركة الشعبية ستاراً لترتيب زيارة قوش الذي لم يظهر مع أي من الوفدين أو في اي اجتماع جمع بينهما، حيث تزامن حضوره السري الى هناك مع استمرار انشطة الحوار بين الوفدين الذي ترعاه أمريكا. كما أنه وعلى عكس الزيارة السابقة لم يتسرب شئ حتى الآن حول هذه الزيارة وكل الذي انسرب أن زيارة قوش لها علاقة بترتيبات سودانية داخلية حول كيفية ابعاد البشير والمتشددين داخل النظام، وملفات أخرى دولية تحكمها علاقات التنسيق مع السي أي أيه والاستخبارات السودانية تتعلق بحماس وحزب الله وايران والصومال. بعد تثمين السي أي أيه لدور الاستخبارات السودانية في مساندها بالعراق وكشف التنظيمات والعناصر القيادية ضمن المقاومة العراقية، والمعلومات القيمة التي قدمتها الاستخبارات السودانية حول مستودعات وحركة التسلح للمجموعات الصومالية والتي اسفرت عن قصف امريكي ناجح لتلك المواقع. بعد كل ذلك  ترجو السي أي أيه أن توظيف خدمات الاستخبارات السودانية ضمن تلك الملفات لمقدرتها على التسلل وكشف الكثير حول تلك الملفات وما يتعلق بها.

 

"... حكام السودان كلهم عاشوا هاجس الانقلاب عليهم، واتخذوا كل الاحتياطات لمواجهة احتمالات كهذه." هكذا أجاب سركيس نعوم لقناة العربية (5 يونيو 2009م) ضمن حوار معه بعد أن وصفته ب" مسؤول على تماس مع هذه القضية في الادارة المهمة الثالثة داخل الادارة الاميركية"، واتخذت له عنوان (البشير يعيش هاجس الانقلاب) . ولما كانت زيارة صلاح قوش لأمريكا خلفها السي أي أيه، وأن أهم ما يتعلق بزيارته كيفية ابعاد البشير والمتشددين داخل النظام، و سركيس نعوم ينتمي للادارة الامريكية ويتحدث حول الانقلاب على البشير. فإن الحديث عندما يكون حول أنقلاب فالاقرب أن يتم الانقلاب من داخل النظام، وإن كان احتمال أن يتم من خارجه وارد. ولكن أوضاع نظام الخرطوم وخاصة بعد قرار محكمة الجنايات الدولية يجعل احتمالات الانقلاب من خارجه صفرية ، للتحفز والاستعداد ليس لمواجه انقلاب بل حتى لمواجه أي تحركات أني كان مصدرها خاصة بعد محاولة العدل المساواة اقتحام الخرطوم في العاشر من مايو العام الماضي وما احدثته من ارتباك للنظام وقياداته.

 

وكان موقع حركة العدل والمساواة (سودان جيم) نقل قبل فترة خبراَ كانت مجالس الخرطوم خاصة في أوساط الاسلاميين تتناقله بهمس يفيد أن "...)... هنالك اجتماعا سريا قد شمل كل من  علي عثمان وبكري حسن صالح ومعهم صلاح عبدالله قوش رئيس جهاز الامن والمخابرات بالسيد عمر حسن البشير رئيس جمهورية السودان في منزله ليلا ، حيث  أكدوا للسيد الرئيس ان السودان يمر بمرحلة خطرة بسبب السياسات الخاطئة التي تقوم بها مجموعة نافع علي نافع المتطرفة، وأكدت ذات المصادر ان علي عثمان طه نائب الرئيس السوداني بكي واعتذر للسيد الرئيس وقال يجب ان نفتح صفحة جديدة ولابد ان نتبع سياسات اكثر عقلانيه بعيدا عن  سياسات التطرف والتشدد التي تتبعها مجموعة نافع علي نافع الاقصائية والتي تجر السودان الي هوة  سحيقة لا تحمد عقباه، واتفقوا جميعا في اجتماع مغلق استمر  حتي صباح اليوم  التالي، بالعمل معا من اجل الخروج بالسودان الي بر الامان ، بعيدا عن التطرف والتشدد غير الموضوعي". ويبدو أن تسرب هذا الخبر أدي إلى جملة تفاعلات تعكس أكثر ما تعكس تصاعد الصراع داخل أروقة الحكومة والمؤتمر الوطني. فقد افادنا (مصدر مشارك) أن نافع على نافع قد طرد من قبل قيادات المؤتمر الوطني من النيل الابيض ابان زيارته الاخيرة لها، وأن قيادات المؤتمر الوطني هناك أمتنعت عن إكمال برامج الزيارة بعد أن نعتت نافع بالمخرب الذي أفسد كل جهودهم في جمع الناس وتوحيدهم خلف المؤتمر الوطني بمواقفه المتشددة وتصريحاته المستفذه، وأن أحد القيادات هناك شقيق لوزير كبير بالحكومة المركزية واجه نافع قائلاً له " انت قايل البلد دي حقتك ولا الحكومة حقتك لاخمنا الزرعنا ايجي ايقلعنا وكلامك الكلو دُراب دا أنت اكبر مخرب وخطر على هذه البلاد" واضطر نافع للعودة للخرطوم دون إكمال برامجه هناك، لتجري مواجهات بينه والمجموعة الاخري.

 

وجاء سفر على عثمان واسرته للراحة والاستجمام والعمرة لتعطي مؤشراً أخر لتفاعلات هذا الصراع خاصة بعد تسرب وتفاعل أثار الاجتماع الذي جمع على عثمان والرئيس وآخرين الذي اورده موقع (سوان جيم). خاصة وأن هناك من يتحدث عن أن على عثمان سافر إلى تركيا، وهي محطة سابقة كانت محطة كبيرة من محطات بروز وظهور الصراع داخل أروقة الحكومة والمؤتمر الوطني.

 

والواضح أن الرئيس ما يزال غير مطمئن لعلي عثمان ومجموعته، لكنه استفاد كثيراً من اجتماعه معهم باجراء بعض المعالجات دون أن يجعلها تحت سيطرتهم، حيث تم ابعاد نافع عن ملف دارفور، وتولاه غازي صلاح الدين اضافة لملف العلاقات مع أمريكا. وتشير مصادر مطلعة إلى أن سبب مغادرة علي عثمان واسرته لا علاقة لها بعطلة استجمام وإنما غضبه جراء ابعاده عن قيادة وفد المؤتمر الوطني الى واشنطون الذي كلف بقيادته غازي صلاح الدين. وتعكس تفاعلات الصراع وما يدور داخل أروقة الحكومة والمؤتمر الوطني أن الرئيس ما يزال يمسك بزمام السيطرة بل يوظف الاجنحة المتصارعة دعماً لموقعه وموقفه باقتدار وذكاء، مبعداً أي أثار عنه وحصرها في استنفاذ طاقة المجوعتين في الصراع بينهما. و رغم ذلك ما تزال هناك مخاطر ومهددات قد تتيح فرصاً للتغيير ومن داخل النظام!!؟.

 

ضمن هذا السياق جاءت حملة المعارضة القاضية بعدم شرعية الحكومة بعد التاسع من يوليو الجاري. وبالتأكيد لا يتعلق الامر هنا بمدي قوة الحجج القانونية خلف تلك الحملة أو نجاعتها في اقرار ما ذهبت إليه ولو عبر المحاكمة أو التحكيم ، ولكنه يتعلق بالتأكيد بشمولها وتبني كل القوى المعارضة المؤثرة لها اضافة للحركات المسلحة خاصة بدارفور، وهو ما يخلق وضع بالشمال يتيح مساحات ومسوقات ومناخ لقيادة تغيير ومن داخل النظام. ولا يتعلق الأمر البته بالتقاضي أمام المحكمة الدستورية أو غيرها، كون الانقاذ ومنذ قدومها ظلت محافظة على مشروعية القوة حتى بعد توقيع اتفاق السلام الشامل بينها والحركة الشعبية، ولكن عملياً لا يمكن الاعتداد بشرعية بنيت على اتفاقية السلام على الاقل في ظل مماطلة وتعطيل المؤتمر الوطني والحكومة لمسار تنفيذ الاتفاقية. كما أن ذلك يتضح أكثر بقوة وحجم التصريحات وردود الفعل التي قابلت بها الحكومة والمؤتمرالوطني للموقف الزاعم بعدم شرعية الحكومة بعد التاسع من يوليو، كون تلك التصريحات تعكس قلقاً غير قليل رغم اعتبار الحكومة والمؤتمر الوطني تلك المواقف والتصريحات حول شرعيتها بأنه بلا قيمه.

 هناك جملة أحداث تجري تثير حفيظة المؤتمر الوطني والحكومة وتدفع بخلق أمر واقع بعدم شرعية الحكومة، وهذه الاحداث هي التي تعطي موقف المعارضة والحركات المسلحة القاضي بعدم شرعية  الحكومة بعد التاسع من يوليو وقعها ووزنها وتدفع للتحسب لها. والاحداث هي:

عدم أعتراف الحركة الشعبية الشريك الرئيس بالحكومة، والاحزاب والقوي السياسية ، وحركات دارفور، وبعض حركات الشرق، وبعض القبائل بالتعداد السكاني الاخير. وهو أخطر موقف، وأول ما يترتب عليه عدم قيام الانتخابات أو بالاحرى عدم ضرورة الانتخابات اذا كانت ستأتي وفقاً لترتيبات المؤتمر الوطني وخططه القاضية باستعادة شرعيته على خلفية انتخابية يتم عبرها اقصاء الاخرين واعادة انتاج ذات منهج وطريقة الحكم والتعامل مع القوى السياسية الاخرى بما فيها الحركة الشعبية.

 

واستعداد وتحفز طرفي الاتفاقية لقرار محكمة العدل الدولية بشأن أبيي. للدرجة التي يتم التلويح ضمنها بالعودة للحرب، وسيادة اخبار تراكم التسليح جنوباً والتصنيع الحربي شمالاً.

 

يضاف لكل ذلك تصعيدات أوكامبو القاضية باضافة تهمة الابادة الجماعية ضد الرئيس البشير وما يترتب عليها باعادة تفعيل ملف المطالبة بتسليم الرئيس البشير ينسف كل جهود المؤتمر الوطني والحكومة الدولية لتلافي هذا الامر من جهة، يخلف ويؤسس لتيار عالمي داعم لضرورة تغيير النظام ومن داخله، كما سنوضح لاحقاً!!؟.

 

أول الآثار المزعجة لهذا المناخ، أن عدم شرعية الحكومة تتيح فرصة كاملة لحكومة الجنوب باعلان الانفصال ومن طرف واحد (وهذا ما يضفي بعداً خطير الاثر لوقائع ماجرى بمجلس الجنوب أخيرا حول هذا الامر)، كون المؤتمر الوطني لا يمثل كل الحكومة وإن رأي أن شرعية الحكومة قائمة بغض النظر على تبريرات ذلك وأسسه. كما أن الحركة الشعبية هي الجهة الممسكة بزمام السلطة بالجنوب وتمثل الامر الواقع هناك في حالة ذهاب شرعية الحكومة المركزية. اضف لذلك أن الثقل الدولي خاصة بعد اعادة تفعيل مدعي المحكمة الدولية لملف اتهام البشير واضافة تهمة الابادة الجماعية، وما جرى اخيراً بين قبائل الجنوب من صراع أدى لمقتل المئات واتهم المؤتمر الوطني بوقوفه خلفه، وتاريخ المماطلة في عرقلة تنفيذ بنود الاتفاقية، كل ذلك سيجعل الثقل الدولي أقرب لدعم اختيار الجنوب من دعم حجج ومواقف المؤتمر الوطني الذي سيكون وحيداً عندها ولا يمثل كل الحكومة القومية. ولكن بقى السؤال من اين تأتي ضرورة أن يكون التغيير من داخل النظام؟!!!.

 

تشير توقعات القوى والمنظمات الدولية من خلال الكثير من التقارير أن انهيار الدولة السودانية وتفتتها هو الاحتمال الاقوى والاقرب، وأنها ستكون مثل أو أسوأ من الحالة الصومالية. لكن العالم لا يرغب في حدوث ذلك كون انهيار الدول هو أسوأ ما يعاني منه الوضع العالمي عموماً وأ:ثر ما يجتهد لتلافيه و (بأي ثمن)!!.

 كما أن أنهيار الدولة السودانية له دلالة أكثر خطورة كونه يمثل أمتداد للحالة الصومالية ضمن اقليم القرن الافريقي ويحمل اشارة انتشارها واندياحها بكامل افريقيا جنوب الصحراء التي تحمل الكثير مما يتصف به الوضع السوداني من مكونات وتفاعلات. وهذا وضع يدفع القوى المؤثرة بالعالم على تقديم الحفاظ على الوضع القائم بالسودان ودعمه أو اجراء تغيير (من ضمنه) لايخل بمعايير الاستقرار وتماسك الدولة السودانية، خاصة مع عدم وجود بدائل مقنعة لتلك القوى تضمن المحافظة على وجود وتماسك الدولة السودانية والحفاظ على الاستقرار ضمنها.

كل هذه الاوضاع تدفع ببقاء الانقاذ واستمراراها بشكل أو آخر. لكن الذي يخيف القوى العالمية ويدفعها لترتيب بديل ومن داخل الانقاذ، هو أن الانقاذ بوضعها الحالي وما ترتب له بعد الانتخابات لا يساعد على استمرار واستقرار الدولة السودانية، فتوجهات الانقاذ الحالية واستثمارها لهذه الاوضاع والظروف في سبيل تدعيم تفردها وابعاد الآخرين يقود لذات النتيجة والنهايات التي تحاول القوى العالمية تلافيها ومنع انهيار الدولة السودانية بالكامل.

 

وهذا ما يدفع باجراء ترتيب ما!!؟، يبدو أنه ما تحاوله السي أي أيه الآن من قائد الاستخبارات السوداني وأقوى قيادات النظام. ذلك أن الحسابات الدولية تشي بأنه أذا كانت الانتخابات مشكوك بأمر قيامها بحسب المواقف المعلنة من أطراف كثيرة أخطرها الحركة الشعبية، وأن كل الارهاصات تقول بأن هناك ترتيبات ستفضي مهما حدث بخروج المؤتمر الوطني بأغلبية في حالة اجراء الانتخابات، وكل ذلك لا يشير إلى أن المسار الانتخابي سيفضي إلى وضع الاستقرار وتماسك الدولة السودانية. والمطلوب أولاً حدوث تغيير للعناصر المتشددة التي لا تحتمل الاخر وإن كانت له نسبة 1% أمامها. وتشكيل حكومة انتقالية بمشاركة المؤتمر الوطني والحركة الشعبية دون أن تكون الاغلبية لأحدهما على الآخر واتاحة مساحة مقدرة لاشراك قوى دارفور وكل قوى بؤر الصراع المحتملة التفجر بالسودان. وهو الترتيب الوحيد الذي يضمن بقاء السودان ضمن حالة من التماسك والاستقرار. لكن دوامه واستمراره يقضي باشراك الاخرين وتغيير نظام الحكم ووضع اسس بديلة تضمن التفاعل والتناغم بين اطراف القوى السودانية التي ستقود الدولة.

 هذه المسارات هي التي تعطي الدعوة لحكومة قومية، ودعاوي انتهاء فترة شرعية الحكومة بعد التاسع من يوليو قوة تأثيرها على مستقبل مجريات الامور والاحداث. والله أعلم  

 

آراء