تصعيب الاستفتاء بين أحمد إبراهيم الطاهر وبدرية سليمان!! (2 ـ 2)

 


 

 

زفرات حرى

 

الطيب مصطفى

   

قلنا في مقالنا الأول حول تصريحات الأستاذة بدرية سليمان رئيس لجنة التشريع والعدل بالبرلمان بشأن الاستفتاء على تقرير المصير والتي قالت فيها إن عبارة (جعل الوحدة جاذبة) تسوِّغ لهم تصعيب الانفصال في قانون الاستفتاء وهو قول جلل وعظيم لم نسمع به في آبائنا الأولين فقد بينَّا في مقالنا الأول خطل هذا الرأي الذي اعتبره تجاوزًا كبيرًا والتفافًا على ما اتُّفق عليه ولست أدري والله لماذا اختارت الأستاذة بدرية الثلثين ولم تختر الثلاثة أرباع أو التسعين في المائة أو قل تصعيبه بجعله مستحيلاً أو بإلغائه تمامًا!! مولانا بدرية تعلم يقينًا أن المسكوت عنه لا يحتمل غير تفسير واحد هو الأغلبية المطلقة وإلا لنُصَّ على ذلك صراحة في تلك الاتفاقية التي سلخت جلد الناموسة ولم تترك شاردة ولا واردة حول القضايا المهمة إلا ونصت عليها صراحةً بل إنها تجاوزت الجنوب إلى أبيي وجبال النوبة والنيل الأزرق والتي ما كان ينبغى أن يتم التطرق إليها أصلاً في اتفاق حول مشكلة الجنوب.

  

إن الوفاء بالعهود والمواثيق ينبغي أن يكون من المبادئ الأساسية التي يحرص عليها (المؤتمر الوطني) الذي يُفترض أنه يتبنّى مشروعًا أخلاقيا يعتبر ذلك من الثوابت التي لا تقبل المساومة.

  

القضية الأخرى التي تطرقتُ إليها في مقالي الأول تتعلق بمقولة الأستاذة بدرية التي تنضح بعاطفة (منقو قل لا عاش من يفصلنا)... تلك العبارة المخدِّرة والمضلِّلة التي ظللنا نردِّدها بلاوعي أو إدراك رغم مسيرة الدماء والدموع التي أهلكت الحرث والنسل وخربت السودان شماله وجنوبه وعطَّلت التنمية... مقولة الأستاذة بدرية بأننا (ورثنا سودانًا واحدًا من آبائنا وأجدادنا) وقد بيَّنتُ أن آباءنا وأجدادنا قد (بُهتوا) بعد أن نُسب إليهم ذلك المُنكر الذي لم يقترفوه... مُنكر أنهم هم الذين قرَّروا شكل السودان الحالي وهي فِرية كبرى؛ ذلك أن المستعمِر الإنجليزي هو الذي قرر ضم الجنوب إلى الشمال باعتراف السكرتير الإداري الذي أصدر منشورًا بذلك عام 1946م.

  

بيَّنّا كذلك أن ماقالته بدرية قول مكرور على مرِّ الدهور والعصور وقالت به الأمم السابقة وهي تُنكر رسالات الأنبياء والمرسلين!! (إنا وجدنا آباءنا على أمةٍ وإنا على آثارهم مقتدون).

  

لقد أتت الأستاذة بدرية بعقليتها القانونية المتميِّزة بما لم تستطعه الأوائل فقد كان فهْم الجميع خلال فترة الأربع سنوات الماضية يقوم على تبني ترتيبات سياسية معينة يضطلع بها الشريكان وظلت تلك العبارة ورقة ضغط في يد الحركة تبتز بها الشمال كما ظلت تفعل على الدوام وفي سبيل ذلك أُنشئ (صندوق دعم الوحدة) على حساب موازنة الشمال رغم أن الحركة مُنحت من الثروة والسلطة ما لم تكن تحلم بمِعشاره ولكن كل تلك المحاولات باءت بالفشل بل إن الأوضاع ازدادت سوءًا ونشأ خلال تلك الفترة منبر السلام العادل كاستجابة طبيعية للتطورات السياسية واشتدَّ عودُه وتمددت فكرتُه خاصةً بعد أن أثبت التشاكس بين الشريكين أن الوحدة لا تعدو أن تكون شعارًا كذوبًا وفِرية ممجوجة ثم جاءت أحداث الإثنين الأسود لتزيد الطين بِلة وتكشف لأبناء الشمال استحالة الوحدة بين النقيضين بعد أن رأى الشماليون من الحقد والتشفي ما بين لهم حقيقة الوَهْم الذي ظلوا يتعلقون به صباح مساء وَهْم إمكانية التعايش بين المتنافرين في وطن واحد.

  

أعلم تمامًا أن فكرة تصعيب الانفصال غالبًا ما تكون ناتجة عن ضغوط من بعض الدول التي تعتبر الوحدة خطًا أحمر ولذلك ومع اقتراب موعد الاستفتاء اتّخذت عددًا من التدابير في الشأن السوداني تتبدّى اليوم في تحركاتها في دارفور وقضية محكمة الجنايات الدولية وفي حشر أنفها في الشأن السوداني بشكل فيه تجاوز لأعراف السلوك الدبلوماسي والعلاقات الدولية.

  

تحدثت الأستاذة بدرية كذلك عن بعض القضايا الأخرى مثل من هو المواطن الذي يحق له الاقتراع في الاستفتاء وهل يقتصر الأمر على الجنوبي الذي يعيش في جنوب السودان فقط أم يشمل جميع الجنوبيين بمن فيهم من يعيشون في الشمال وخارج السودان وكذلك من يتحمّل ديون السودان في حالة الانفصال وكيفية تقسيم مياه النيل وغير ذلك من الأسئلة التي أرى بعضها غريبًا بحق.

  

مثلاً مياه النيل هذه لا تشكِّل مشكلة كبيرة خاصةً إذا علمنا أن النيل الأزرق الذي يضم 86٪ من مياه النيل لا يمرُّ بجنوب السودان أما النيل الأبيض فإنه سيمر بالشمال رغم أنف الحركة وأوغندا موسيفيني.

  

إن هذه القضايا لا تشكِّل مشكلة كبيرة في رأيي وليت الحكومة ترسل وفودًا لعدد من الدول التي تعرضت للانفصال حتى تطَّلع على تجربتها في معالجة بعض القضايا موضوع البحث في السودان مثل مشكلة الديون ومن يشملهم الاستفتاء وغير ذلك من القضايا.

  

على أن أهم ما ينبغي أن تدركه الأستاذة بدرية وغيرها من السياسيين أنه ما من دولة تعرضت للانفصال إلا ونتجت عنه بعض المشكلات لكلتا الدولتين تمامًا كالدواء الذي تنتج عنه آثار جانبية يضطر المريض إلى قبولها تقديمًا للأهم ولا يجوز لمريض السرطان أن يرفض العلاج خوفًا على شعره الذي يتساقط فور تناول المريض للعلاج الكيماوي.. لقد جرَّبت دولٌ كثيرة الانفصال ولم تندم البتة رغم أنها لم تذق مِعشار ما ذقناه من علقم الوحدة.

  أقول للأستاذة بدرية إن كل محاولات تعويق الانفصال لن تنجح وأنه يمضي بقوة لا يلوي على شيء جارفًا أمامه كل محاولات التعويق والتعطيل... نعم يمضي ببطء لكنه يتحرَّك وسينتصر بإذن الله تعالى في نهاية الأمر.  

 

آراء