أقوى من كل المحن . . . والبلايا ! … بقلم: د.على حمد ابراهيم

 


 

 

من المفكرة:

 

nazzawy@hotmail.com

 

حبست انفاسى فى ليلة قرار التحكيم الدولى مثلى  ومثل غيرى من ابناء السودان فى كل مكان، سواء  المنتشرون منهم على رقعة المليونى كيلومتر مربعا من تراب الوطن القارة، او المشتتون منهم  فى الدياسبورا القاسية ، وانا انتظر على احر من الجمر قرار التحكيم الدولى و ذهنى مشحون بفضلات التحليلات الفارغة  التى تهد الجبال  بلؤمها وهى تعطى  احساسا جاثما بأن الوطن الحدادى المدادى  على وصف   محجوب شريف ، قد وصل  الميل الاخير قبل الانزلاق الى الهاوية، و سوف تكون أبيى نقطة الترقيم الاخير التى  سيتوقف عندها راوى الاحزان التاريخية عن الكلام. اكثر صديقى المنزعج  من اسئلته  الحائرة : كيف تكون الامورغدا ؟ هل يفجر المسيرية والدينكا حربا بالوكالة عن طرفى الحكم ، وبعدها يروح السودان الذى  فتحنا عليه اعيننا ، وشممنا فيه نسائم الدعاش ؟قلت لصديقى ان ي انغماس الايادى الاجنبية فى الشأن السودانى بهذا الشكل المهين للكرامة يمرضنى .و لا يكاد  يترك لى  سببا واحدا  للتفاؤل  ولكنى – مع ذلك – اتجمل بالأمل ألا  يصدر (الحكماء) من القرارات ما يشعل حريقا  لا يبقى و لا يذر . و قديما قال الشاعر القديم :

 

       ما  اضيق  الحياة لولا فسحة الأمل

 

الحمد لله العلى القدير الذى وفق عباده قضاة المحكمة  بما عهد اليهم من الحكمة والصواب ، فاصدروا قرارا اثلج صدور الجميع وجعل اهل أبي  يرقصون الساعات الطويلة على انغام الدفوف والطبول  فى رسالة لا تحتاج الى مظروف او طابع بريد تقول لكل من القى السمع وهو شهيد ان انسان أبيى البسيط فى غنى  عن الحروب والاحتراب ، وفى غنى عن بترول يأتى على اسنة الرماح  ولا بخلف غير الجراح التى قد لا تندمل ابدا . وارسل  أهل أبيى بابتهاجهم وفرحهم رسالة الى كل من يهمه الأمر تقول ان  شعب السودان شعب عملاق بوجدانه المصفى مثل نحل الوهاد القفر  فقط انه  ما زال  يبحث عن قادة عماليق ، يتعهدونه بجهدهم  وفكرهم هم  وليس بجهد الآخرين وفكرهم ، فيقيلونه  من كثير عثاره .

 

وبعد هل يفيق قادة السودان  ، حكاما ومعارضين ، من سكرة الهيام بالوسيط الاجنبى للحظة واحدة ، ويتذكروا كيف كان بلدهم يهرع اليه الآخرون عند الملمات يحلحل لهم المشاكل . وكيف كان بلدهم  المعين الذى يعين و لا يعان.   لقد كان نزع ملف منطقة أبيى من ايدى اهلها الذين تعايشوا معا فى مودة والفة على مدى يقارب القرن – كان دليلا على بلوغ هؤلاء القادة قمة الرهق والاعياء السياسى الذى جعلهم غير قادرين على اى قدر من التبصر . وكانت النتيجة ان  ابيى التى كانت رمزا للتعايش الاجتماعى الاخوى كادت ان تشعل الحرب من جديد. الآن يبقى الأمل ان يفيق هؤلاء القادة من سكرة الهيام بالوسيط الاجنبى ويعطعوا القوس الى باريها . – ان يعطوها الى ابناء واحفاد الشيخين الجليلين – بابو نمر ودين مجوك وافساح المجال امامهم لكى يتحاوروا فى ودهم والفهم القديم وسوف يصلون .

 

عندما قالت الحكومة السودانية ان لجنة الخبراء قد تجاوزت صلاحياتها وافتت فى امور ليس من اختصاصها صرخ فى وجهها خصومها الذين يريدون ان يعارضوها بالباطل وبالحق معا . لقد تاهت على بعض المعارضين خطوط التماس ، فلم يعودوا يفرقون بين معارضة حكومة زمنية وجودها عارض وقد تختفى غدا . وبين وعارضة وطن بقى على مدى الدهور  موحدا رغم الطعنات والجراح و الاخطاء . . . وسوف يبقى كذلك باذن الله ، لانه اكبر من كل الاخطار  والاثنيات.

 ونقول لشعبنا الكريم الف حمدلة السلامة . . . فقد كان الخوف ان تكون ابيى مقبرة للوحدة . . . الآن يكبر الأمل فى الوحدة الجاذبة والامل يحتاج الى راع يتعهده حتى يكبر  ويسمق .  واكيد ان هذا الجيل من ابناء شعبنا يدرك عظم المسئولية الملقاة على عاتقه .

 

آراء