التعامل مع الخرطوم لم يبدأ مع أوباما 3/3 … بقلم: عاصم عطا صالح
عاصم صالح
27 July, 2009
27 July, 2009
aasimsalih@yahoo.com
سنحاول في هذا الجزء الثالث والأخير الإجابة على التساؤل الذي قد يتبادر إلى ذهن البعض، وهو إذا كانت أمريكا تسعى لإعادة النظر في سياستها وتعاملها مع السودان لحوجتها وإدراكها لأهميته الأمنية والجيوبوليتيكية والاقتصادية، فلماذا لا تساعد وتضغط في اتجاه الدفع بعجلة التحول الديموقراطي وتتعامل مع نظام منتخب يتمتع بالشرعية والسند الشعبي:
الجانب الأمني يمثل الأولوية بالنسبة للاهتمام الأمريكي بإعادة النظر في علاقاتها مع نظام الإنقاذ، خاصة فيما يتعلق بمتابعة نشاط وتحركات الجماعات الاسلامية المتطرفة في منطقة شرق افريقيا، والتي يتوقع أن تصبح مركزاً هاماً لهذا النشاط إذا ما نجحت الجهود الأمريكية في أفغانستان، وأن حزب الجبهة الإسلامية يمتاز على بقية القوى السياسية السودانية في هذا الجانب لعلاقاته مع التنظيمات الإسلامية في معظم أنحاء العالم. ولقد سبق أن أشرنا إلى علاقات النظام السوداني القوية مع الإسلاميين بالصومال وتأثيرها عليهم. ولقد قامت مصر مؤخراً بمحاولة للتدخل المباشر في الشأن الصومالي بالتوسط بين الشيخ شريف رئيس الحكومة الصومالية والشيخ عويس في ظل الفتور الحالي في علاقاتها مع الخرطوم، وصدرت تصريحات حول قبول عويس للوساطة المصرية، ولكن لا أعتقد أن أمريكا يغيب عنها عدم قبول الجيران، وخاصة إثيوبيا للنفوذ المصري في الصومال. ومن الغريب أن تعيد مصر المحاولة مرة ثانية وتتناسى ما تعرضت له نتيجةً لمحاولتها السابقة في التدخل في الصراع الصومالي وذلك بعقد لقاء يجمع بالفرقاء في ذلك الوقت عيديد وعلي مهدي في القاهرة، والوصول لحل مصري للصراع، مما أغضب إثيوبيا وجعل مصر تضطر لإرسال مبعوث على مستوى عالٍ للاعتذار لها وتهدئة غضبها ومخاوفها والابتعاد عن الملف الصومالي.
ضعف المعارضة، وخاصة الحزبين الكبيرين وموقف قياداتها المتأرجح بين المشاركة والمعارضة، والانقسامات في صفوفها، حيث تم رسمياً تسجيل أكثر من أربع أحزاب في كل جانب، واستمرار نجاح محاولات التأثير والتكسير من جانب الجهات صاحبة المصلحة في هذا الضعف بمساعدة الأجنحة المختلفة على قيام مؤتمراتها لتعميق الإنقسام وضمان تقديم كل جناح لمرشحيه في الانتخابات القادمة لتكرار تجربة تعدد المرشحين الاتحاديين في الانتخابات السابقة، والتي فازت فيها الجبهة الاسلامية بأكثر من عشرة دوائر بالخرطوم، كان عدد أصوات الاتحاديين فيها أكبر كثيراً من أصوات المرشح الاسلامي في كل دائرة، بما فيها (حلة خوجلي) والتي فاز بها مهدي ابراهيم مرشح الجبهة الإسلامية، إلى جانب انسلاخ عناصر هامة وقيادية من الأحزاب وانضمامهم للمؤتمر الوطني بصورة مباشرة.
وقد يكون موقف الأحزاب المتأرجح بين المشاركة والمعارضة قد ساهم في إرباك كوادرها، خاصة الشباب والطلاب، حيث فقدت الأحزاب في الفترة الأخيرة عدداً من الجامعات التي كانت تسيطر على اتحاداتها في مرحلة سابقة. ولقد سألت أحد الإخوة القياديين الذين انضموا للمؤتمر الوطني، أو الجبهة الإسلامية بمسماها الجديد عن سبب هذا التحول بعد سنوات المعارضة والمقاومة للنظام، وكان تبريره أن الحزب بأكمله متجه نحو التحالف مع النظام، وأن من الأفضل له شخصياً أن ينضم مباشرة للمؤتمر الموطني بدلاً عن الوصول إليه عن طريق وسيط.
اتجاه المبعوث الأمريكي الجديد الجنرال غريتشن والذي يقود التوجه نحو حل مشاكل السودان عن طريق التعامل مع النظام وتركيزه في تحركاته على الحكومة أكثر من المعارضة بتنظيماتها المختلفة، ولم يبدِ حماساً للالتقاء بالأحزاب الرئيسية. ونشير في ذلك إلى ملابسات لقائه بالإمام الصادق المهدي في القاهرة، وتعسر لقائه بمولانا الميرغني بالخرطوم لأسباب واهية رغم أن مكتب المبعوث الأمريكي بواشنطن كان له دور في ترتيب اللقاء. ولم يأبه المبعوث لامتعاض الحركة الشعبية من حماسه لتحسين العلاقات مع الخرطوم والتي ربما تكون قد اكتشفت في زيارتها الأخيرة لواشنطن أن البيت الأبيض لم يعد يستمع فقط لأعداء الجبهة الإسلامية بأمريكا الذين تحتفظ الحركة بعلاقات طيبة معهم. بل إن احتمالات تحسين العلاقات بين الخرطوم وواشنطن واردة أكثر من أي وقت مضى.
لكل هذه الأسباب نرى أن الاتجاه نحو تطبيع أو تحسن العلاقات بين أمريكا والسودان تتوفر له فرص وإمكانات النجاح أكثر من فرص الفشل إذا لم تحدث تطورات داخلية وإقليمية تفرض واقعاً جديداً. ومن أهم العوامل التي يمكن أن تخلق هذا الواقع الجديد هي جدية القوى السياسية وتحمل مسؤولياتها في هذه المرحلة الحاسمة وإعادة تنظيم صفوفها والعمل على تحقيق المصالح الوطنية والقومية، وإعادة ترتيب أولوياتها واهتماماتها، ولا أقول إلغاء، بل على الأقل تجميد السعي نحو الحصول على مكاسب حزبية أو شخصية لتتمكن من أن تصبح معارضة قوية وفعالة في البرلمان القادم، هذا إلى لم تتوفر لها فرصة النجاح وتولي السلطة، وفرض أمر واقع جديد على مستوى الداخل والخارج، إذ أن إعادة اهتمام أمريكا بهذه الأحزاب لا يتم إلا بعمل ملموس وفعال، ولا أظن قيادات هذه الأحزاب غافلة عن أسباب تجاهل أمريكا لها، وعدم الاهتمام بها، والسعي نحو تحقيق مصالحها في السودان بعيداً عنها.