الايثانول في كنانة … بقلم: محمد الشيخ حسين
30 July, 2009
هل أنت ذاهب لمشاهدة القمر في كنانة؟ قبل أن أجيب عن السؤال عاجلني محدثي أنك لن ترى القمر لسببين: أنك حسب البرنامج الدقيق جدا ذاهب في الصباح الباكر وعائد في أخر النهار، ولن تحضر الليل في كنانة، وبما إن اليوم 17 من الشهر العربي فإن اكتمال القمر قد مضى عليه يومين.
أصبت رومانسية محدثي في مقتل حين قلت له أنا ذاهب لحفل تدشين مصنع الايثانول في كنانة، وقبل أن ينقلني إلى أجواء بعيدة سألته، هل تعلم أن إنتاج السودان للايثانول يتيح له فرصة الاستفادة من الفوائد المالية التي نص عليها بروتوكول كيوتو، مكافأة للدول التي تنجح في تدشين مشاريع تنمية نظيفة أي صديقة للبيئة؟.
خلع محدثي نظارته ورفع عينيه دهشة صائحا إذا كنت جادا فهذا (كلام الطير في الباقير).
ليس أمامي سوى تبسيط الأمر، فالايثانول المنتج في كنانة سيصدر إلى دول الاتحاد الأوروبي، حيث يخلط بنسبة 10 في المائة في البنزين لتخفيف نسبة انبعاث الكربون الناتجة عن احتراق الوقود.
أما الاستفادة للسودان تتم بعد حساب نسبة الخفض في انبعاث الكربون في البلاد التي صدر إليها، حسب الآليات المرنة لبروتوكول كيوتو، وتضاف فوائد مالية حسب نسبة الخفض.
ويعود اهتمامي بالايثانول إلى أن هذه قيمة مضافة تحسب للاقتصاد الوطني في حالة استخدام الوقود النظيف أو تصديره إلى الخارج.
صمت محدثي فترة ولما كانت سيارتنا على مقربة من المدخل الذي يقود إلى مطار الخرطوم، سألني محدثي هل أوصلك إلى صالة السفريات الداخلية؟ قلت لا أريدك أن توصلني إلى الصالة الرئاسية.
رد صائحا (الصالة الرئاسية حتة واحدة).
وقبل أن أرد عاجلني (الظاهر الايثانول دخل رأسك قبل أن تصل كنانة).
انسابت إجراءات الصعود إلى الطائرة بسهولة ويسر، ثم حلقت بنا (سودانير) على طائرة الفوكرز 50 على ارتفاع 15 ألف قدم، لتهبط بنا في مطار كنانة بعد 50 دقيقة من الطيران.
وربما يلفت نظرك ويسعدك داخل الطائرة وجود وردة طبيعية أمام كل مقعد، فقد ظفرت بوردة رقيقة وردية اللون، بينما كان نصيب صديقي القديم الأستاذ الطيب المكابرابي من تلفزيون السودان وردة عادية ذات لون ترابي!.
وكنت على ثقة استنادا إلى تجارب سابقة أن (سودانير) ليست لها أي علاقة بهذا الورد، وأغلب الظن أن هذا الورد من اهتمامات أو (بركات) الأستاذ محمد المرضي التجاني العضو المنتدب لشركة سكر كنانة.
الحمد لله هبطنا بسلام مطار كنانة ووجدنا القيادة العليا لكنانة في استقبالنا وبدأت جولتنا في تلك الربوع الزاهية بالخضرة والنظافة على متن بصات (أفراس) التي كانت أكثر أناقة وفخامة وطقسا باردا من الطائرة.
المهندس جعفر حسن أحمد مدير عام مصنع كنانة للمعدات والماكينات كان دليلنا في زيارة المصنع، وبعد أن يطلب منا بلطف الامتناع عن التدخين وإغلاق الهاتف الجوال وعدم تشغيل الزناد، يطلعنا بفرحة على تفاصيل تركيب المصنع الذي تم بأيدي سودانية مدعومة بخبرات أجنبية. نعرف منه أن سعة المخزن الرئيسي تصل إلى 10 آلاف متر مكعب من الايثانول، وإن الترحيل إلى ميناء التصدير في بور تسودان يتم عبر صهاريج تنقلها شاحنات كانت ثلاثة منها في محطة التحميل أثناء زيارتنا.
وتعد صناعة الايثانول إضافة جديدة لصادرات البلاد غير النفطية، في وقت يتجه فيه العالم إلى إنتاج بدائل أخرى للطاقة تكون صديقة للبيئة وتقلل من مخاطر الاحتباس الحراري.
وتبعا لتقارير اقتصادية دولية، فإن السودان ينتظر أن يكون من أكبر الدول في إنتاج غاز الايثانول، لكونه يتمتع بإمكانيات هائلة في مجال صناعة الوقود الأخضر إلى جانب توفر الحلول الطبيعية لازمة الغذاء والطاقة التي ضربت العالم الآن، إضافة إلى تنوع الخصائص بين أقاليم السودان المختلفة بصورة تمكن كل إقليم من النهوض زراعيا وصناعيا.
وفوق أن افتتاح المصنع يحقق دعما للاقتصاد الوطني، فإنه أيضا يسهم في إنتاج بدائل أخرى للطاقة تقلل من مخاطر انتشار انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون. وهنا تبرز تصريحات محمد المرضي التجاني العضو المنتدب لشركة سكر كنانة التي تفيد أن افتتاح مصنع الايثانول يأتي في إطار دعم الشركة لخطة الدولة لتوفير الطاقة النظيفة ودعم الصادرات غير البترولية.
ويضيف المرضي لتصريحاته، أن هذا المصنع سيجعل السودان يتبوأ مركزا متقدما على مستوى دول العالم في هذه الصناعة الإستراتيجية، والذي تشكل فيه الطاقة الأساس المحرك لعجله التنمية في وقت يتسابق فيه العالم لإيجاد بدائل للطاقة تكون صديقة للبيئة.
ويحقق افتتاح مصنع وقود الايثانول عدة أهداف إستراتيجية تتمظهر في الاستفادة القصوى من مخالفات السكر وتحسين عوامل البيئة إلى جانب الإسهام في تأمين الوقود من مصادر متجددة.
وتتزامن هذه الأهداف بصورة خاصة مع توقعات العديد من خبراء الطاقة الدوليون أن يتم إحلال الايثانول محل الوقود العادي في غضون السنوات الخمس القادمة، إذ سيصبح عنصر الطاقة الأساسي في الكثير من الدول التي لا تحتوي على مخزون طاقة تقليدي.
وهكذا فإن افتتاح مصنع الايثانول بكنانة يعد تطورا مهما لصناعة السكر، وإضافة قوية لمسيرة التطور الذي يشهده السودان في مضمار توطين الصناعات الحديثة، والتي اهتمت بها العديد من الدول المتقدمة وخاصة في إنتاج بدائل للطاقة إلى جانب إسهام الخبرات الهندسية السودانية في هذا العمل يعد تطورا لصناعة السكر ومسيرة الإنماء لمصنع بكنانة باعتبارها رائدة التصنيع الزراعي.