الدفاع الشعبي .. من يقلب الصفحة ؟!! … بقلم: عبدالباقى الظافر
8 August, 2009
تراسيم .
alzafir@hotmail.com
تحت زخات المطر وفى أمسية استوائية ..جلس اللواء كمال الأمين قائد القيادة الجنوبية بجوبا على رأس طاولة بيضاوية أنيقة تحيط بها كراسي أبنوسية غاية الروعة ..الجنرال الصارم كان يخاطب مجموعة من قيادات الدفاع الشعبي في جلسة تفاكر وتدبر .
أفضى الجنرال بطرفة وواقعة كان وقعها قاسيا على الحضور .. وواقعته تقول ان مقاتلي الدفاع الشعبي في جبهة من الجبهات القتالية.. انتدبوا مساعدا في الجيش ليساعدهم في ذبح خروف لهم.. جاءهم في إطار التحسينات الغذائية .. ولما فرغ العم الصول من مهمته السامية ..لم يجد عسكر الدفاع الشعبي غير ان يتصدقوا عليه بالجلد والرأس .. وتلك عادة يفعلها عوام أهل السودان مع القصاب الأجير .
ربما أراد قائد القيادة الجنوبية ان يذكر القيادات المدنية المسئولة عن الدفاع الشعبي ..ان رجالات الجيش هم المناط بهم المهمة ..وان متطوعي الدفاع الشعبي هم قوات إسناد ..و ان الاهتمام الزائد بهم يثير غضب القوات المسلحة .
حسنا فعلت قيادة الدفاع الشعبي مؤخرا وهى تفتح كتابها للناس .. وتفرج عن معلومات كانت مصنفة حتى وقت قريب تحت قائمة ممنوع الاقتراب والتصوير ..أبان التقرير المنشور على الملأ ان مسيرة الدفاع الشعبي خلال عقدين من الزمان .. كانت حصيلتها نحو نصف مليون مقاتل ..عشرهم كانوا ضمن قائمة الجرحى ..ونحو خمسة عشر ألف شهيد.. قراءة التقرير بتجرد وإنصاف يؤكد الدور الكبير الذى قام به الدفاع الشعبي في ساحات القتال .
ذات التجرد يحتم علينا النظر إلى إخفاقات التجربة ..عسكرة المجتمع كان لها أثار سالبة على الحياة العامة في السودان ..داخل دوائر الحركة الإسلامية كان المرور على محطة العمليات يعنى تزكية تدفع بصاحبها للقفز بالزانة وتخطى الرقاب مهما كانت الإمكانيات والمقدرات ..كما أنها قللت مساحة الشورى في دوائر الحركة لصالح آلية ( التعليمات) المكتسبة من أعراف وتقاليد المؤسسة العسكرية
على نطاق المجتمع .. في الوقت الذى كنا أحوج إلى تمدين العسكر ..ذهبنا في الاتجاه المضاد وحاولنا تجييش الشعب.. بتثبيت فكرة ان الحرب هى الأصل والسلام فعل عارض ..أصبح على طلاب المدارس ان يرتدوا زيا عسكريا في غدوهم ورواحهم ..رأس الدولة يرفض ان يخلع ( لبس خمسة) ..بحجة ان كل أهل السودان يرتدونه ..الجرعة العسكرية المخفضة والمؤقتة كانت تخرج الفرد من سعة المدنية دون ان تجعله عسكريا كامل الدسم .
المتمعن لسالب التجربة ..عليه ان يعيد البصر كرتين لما يحدث في دارفور الآن ..ليس على مستوى أمراء الجهاد الذين أصبحوا قادة لحركات التمرد ..بل على مستوى ثقافة العنف التي سادت السهول والهضاب في دارفور ..البندقية التي لا يلازمها التدريب والتأهيل يمكن ان تخطيء مسارها .. والمقاتل الذى يفقد الهدف يمكن ان يصنع لنفسه عدوا ولو في شعاب قبيلته .
بعد عقدين من الممارسة ..نحتاج إلى من يقلب صفحة الدفاع الشعبي..ويعيد قراءتها مرات ومرات ..التحديات اختلفت ..ومياه كثيرة مرت تحت الجسر .. فكرة مقاتل عند الطلب ومحارب بتفرغ جزيء تحتاج من يراجعها ..رحم الله رجلا عقد ورشة عمل لمناقشة مستقبل الدفاع الشعبي في السودان ..ما نحتاجه الآن مؤسسات قوية وقومية ودائمة .