غرايشون وبنطال لبنى..! … بقلم: ضياء الدين بلال

 


 

 

diaabilal@hotmail.com

 

كثيرون توقّعوا أن تذوب تصريحات سكوت غرايشون المبعوث الأمريكي للسودان التي أدْلى بها في الكونغرس قبل أيامٍ، تذوب مع أول اختبار حراري ستتعرض له من قِبل المجموعات المعادية للحكومة السودانية، التي استطاعت عبر سنوات من الأخبار المتتابعة والصور المتلاحقة، أن تمسك بزمام الرأي العام الأمريكي وتوجهه ضد رغبات الخرطوم ومصالحها..!

لذا مهما كان نبل الرجل وتجرده في قول الحق، فإنّ حسابات السياسة ستفرض عليه تبني الخيارات الجماعية أو على الأقل مسايرتها لأن الاصطدام بها أو محاولة الدخول في عزف منفرد سيفقده الكثير.. الكثير الذي لا يمكن أن تعوّضه أيّ مكاسب أخلاقية مهما عظمت..!

صحيحٌ أنّ مشكلة غرايشون التعبيرية أنه أطلق آراءً وسجّل مواقف غير قابلة للتأويل أو تعدُّد التفاسير.. فهو قدم اعترافات تلفازية يصعب التراجع عنها، وأقر بأخطاء يستحيل التنكّر لها.. لذا وضع نفسه في هذا المقام الاختياري، وأغلق من خلفه أبواب الانسحاب.. لتضطره ردود الفعل الساخنة أن يهرب من الميدان الذي اختاره عبر نوافذ التوضيحات..!

والجنرال العتيق وهو ينسحب من موقفه ذلك، لم يقدّر حجم الخسائر التي سيخلّفها وراءه، التي من أهمها أنّه سيقع في مرمى النيران بين واشنطن والخرطوم.. فهو سيظهر في واشنطن كسياسي متردد لا يجيد التقدم ولا الانسحاب.. وفي الخرطوم سيتم التعامل معه كمفاوضٍ يصعب الوثوق بكلماته.. وصفة التردد والاضطراب هي الصفة التي أصبحت الراجحة في تقييم إدارة أوباما الجديدة.. فهي عَاجزةٌ عن مُواجهة إيران، وعَاجزةٌ كذلك عن التفاهم معها.. وراغبةٌ في كسب ود سوريا ولكنها مُضطرة لتجديد العقوبات عليها.. فهي ضد سياسات بوش ولكن لا تستطيع الاستغناء عنها..!

جانبٌ آخر مهمٌ جداً يجب الالتفات إليه، في سرعة تراجع الجنرال سكوت غرايشون عن الآراء التي أدلى بها في الكونغرس.. الجانب مُتعلقٌ بالإدارة السياسية والدبلوماسية في الخرطوم، فمن الواضح أنّها عاجزةٌ تماماً في إحداث اختراقات مؤثّرة وقوية في الرأي العام الأمريكي.. فهي مُستسلمة - بيأس - للصورة التي رسمت لها والبرواز الذي وضعت فيه..!

بل الغريب أنّها عبر أخطاء وتصرفات وقوانين خرقاء تسْهم في توفير المادة الخام التي تدعم الحملات المعادية لها، فكيف يستطيع غرايشون أو غيره أن يقف في صفها، في وقت تحمل فيه أجهزة الإعلام العالمية بنطال الصحفية لبنى أحمد حسين، كدليل على الطبيعة الأصولية المتشددة لنظام الحكم في الخرطوم..!

السياسة في العالم الآن تحركها الصورة لا الاجتماعات المغلقة..!

 

آراء