العالم السري للسياسيين .. (كشف المستور)..! … بقلم: ضياء الدين بلال
27 August, 2009
diaabilal@hotmail.com
سَبَقَ وذكرت من قبل أنني أتابع باهتمام المجهود الذي يبذله الأستاذ الصحافي محمد علي صالح في ترجمة الوثائق الأمريكيّة الخاصّة ببدايات حكم الرئيس جعفر نميري.. وتضمّنت الوثائق الرسائل المتبادلة بين سفارة واشنطن بالخرطوم والخارجية الأمريكية ومكاتب المخابرات.. أكثر ما أثار انتباهي في تلك الرسائل المفرج عنها بعد أكثر من ثلاثين عاماً من تداولها، انها حوت معلومات بالغة الحساسية، تعد من المحرمات الاجتماعية.. معلومات لا تقال في العادة إلاّ تحت إجراءات مجلسية مشددة.. لا يستطيع في السودان شخصٌ أن يصف شخصية عامة بأنها «زير نساء» أو أنها «مجهولة النسب» إلاّ إذا ضمن أن كلماته تلك لن تعبر آذان سامعيه الى آخرين.. ولكن السفراء الأمريكان في تلك الفترة لم يدخروا لحماً حياً لساسة الخرطوم.. فأرسلوا لخارجيتهم معلومات تصل الى آخر نقاط المسكوت عنه.. معلومات اقتحمت السجلات الخاصة لأبطال المسرح السياسي السوداني.. ولم تقف على ذلك، بل أخضعت حتى أصحاب الأدوار الثانوية والكومبارس، لتنقيب قاسٍ في سيرتهم الذاتية..!
السفارات في الخرطوم - أمس واليوم وغداً - تبذل من الجهد أقله في جمع المعلومات.. لا تحتاج لجواسيس محترفين أو أجهزة تنصت بارعة الالتقاط.. لأنّ أدق المعلومات وأخطرها يتم الحصول عليها على قارعة مجالس الليل وضحكات النهار.. الأسرار في السودان تحفظ في خزائن من زجاج.. تسهل رؤيتها بوضوح.. ويسهل الحصول عليها بيسر.. الاستعراض بالمعلومات من أوضح خصائص الشخصية السودانية.
السوداني - كما انتبه - د. محمد عبد اللّه الريح منذ وقت مبكر، يجد في نفسه حرجاً عظيماً في الاعتراف بعدم المعرفة.. وللتدليل على ذلك كانت قصة حسّاس الدرامية، في اختراع اسم وهمي راح يسأل من طرف عن منزله... ولأنّ السودانيين لا يعترفون بعدم المعرفة، ظلوا يتبرّعون بالمعلومات عن الشخصية الوهمية (متى رحل وأين يسكن الآن؟).. وحسّاس يريد أن يصل بالأمر إلى حده (ليشوف آخرتا مع سعد الدين إبراهيم).. ينتقل من مكان الى آخر مع إفادات المعينين الى أن وجد لشخصيته الوهمية بيتاً ومسكناً، رجلاً بشنبات عراض وصوت غليظ.. يقول له: (مرحب اتفضّل نعم أنا فلان)..!
وللصديق الأستاذ عادل إبراهيم حمد ملاحظة ذكية وهي أن السودانيين يحصلون على المعلومات بسرعة، ويطلقونها بأسرع ما تيسّر، وإذا لم يتمكّنوا من الحصول عليها يصنعونها كإشاعة يصعب دحضها بعد ذلك، حتى في حال حضور المعلومة الصحيحة.. وله أمثلة في ذلك تؤكد ما ذهب إليه..!
رسائل السفير الأمريكي بالخرطوم لخارجيته في مستهل السبعينات كما حملت كثيراً من المعلومات الفضائحية عن الرجال والمواقف الجادة، إلاّ أنّها لم تخلُ من طرائف وسخرية لاذعة.. حيث قال في إحدى رسائله إنّ الرئيس نميري «يشرب الخمر ويحاول التوقف عن السجائر» وانه يريد أن يتعلّم الحكم من خلال سيطرته على السلطة..!
فكرة كشف الوثائق السرية للدول بعد مرور حقب زمنية محددة، فكرة عظيمة، رغم كل شئ، لأنّها تسهل كتابة التاريخ بصورة أقرب للحقيقة.. والأهم من ذلك أنها تضع الرجال في مقامهم المستحق.. فكثيرون في غياب عيون التاريخ ورواصد الزمان يسهل عليهم الهروب من ماضيهم، وركوب قطار المستقبل دون دفع ماعليهم من متأخرات.. ويستطيعون أن يأكلوا في أكثر من خريف وعلى كل الموائد، دون أن يكونوا في حاجة لغسل أياديهم ما بين المائدة والأخرى..!