درس للجمهوريات الملكية العربية من اليابان! … بقلم: د.على حمد ابراهيم

 


 

 

alihamad45@hotmail.com

الثورة الانتخابية التى  فجرها الشعب اليابانى ضد الحزب الديمقراطى الليبرالى الذى حكم اليابان لاكثر من نصف قرن من الزمن ، وانتهت الى طرد هذا الحزب من السلطة التى تجذر فيها على مدى خمسة وخمسين عاما  ، لا بد انها لفتت انظار شعوب العالم الثالث عامة ، وشعوب عالمنا العربى خاصة ،من الشعوب الحالمة بتحول ديمقراطى حقيقى يبدل اوضاعها الداخلية المرتجة التى ظلت تعايش بياتا سياسيا طويلا قعد بها عن تحقيق تطلعاتها نحو عيش افضل . وتمكن الاشارة تحديدا الى شعوب  عالمنا العربى ، خصوصا تلك التى تعيش فى الجمهوريات الملكية التى يستطيع شخص ما أن يقفذ على السلطة ويحتنكها بقوة السلاح ويظل مسيطرا عليها بهذه القوة على مدى اربعين عاما حسوما. ويصر على تقمص لقب الرئيس. ولا يرضى أن يلقب ملكا . شعوب الجمهوريات الملكية العربية هذه  ظلت  تقف عند بوابة الدخول الى العوالم الديمقراطية الحقيقية دون ان تتمكن من الولوج  رغم طول الانتظار  . يحدث هذا لأن الحاجب لا يفتح الباب الا بمقدار . حتى لا تمر الموجة الكاسحة من عند السد  الآمن فتدمره . كل شئ محسوب، وكل  بمقدار .التصريح  بالكلام بمقدار . وكذلك منع الكلام ، حتى لا ينشط الفارغون من هواة الحديث عن حقوق الانسان ، حتى لا ينشطوا فى الحديث عن هذه الجمهورية الملكية وعن هذا الرئيس الملك ، فيخربون سمعته الزاكية ، ويشوهون صورته امام العالم الذى لا يدرى ، ولا يعرف انه لايدرى . سدنة الجمهوريات الملكية هذه يعرفون من أين تؤكل اكتاف الشعوب . فهم يستطيعون تلوين الاشياء لها تلوينا زاهيا حتى تبهرهم اللوحة . فهم لا يرون هذه الشعوب الا ما يرون . ولا يهدوها الا سبيل الرشاد . أمس فقط احتفل احد الرؤساء الملوك بالعيد الاربعينى لقفزه على السلطة بليل. وعمد الرجل للمرة الالف نفسه ثوريا لا يشق له غبار. غير أن الجديد هذه المرة أنه عمد نفسه طوعا واختيارا ملكا على جميع الملوك. وصدق الرجل الحكاية وصدقنا مع الآخرين الحكاية كذلك . ولم ننتظر لكى نسمع  تأكيدا من الملوك الذين  اصبح هذا الرجل ملكا عليهم جميعا فصار مستحقا للقب ملك الملوك الذى لم يسبق عليه احد فى العالمين فى الماضى . وقطعا لن ينافسه عليه احد من العالمين الماكثين فى رحم الغيب ! كان يكفى القول ان الاريعين عاما من الحكم  هى دلالة على حب شعب الرئيس الملك له حبا جما ، والوله به بما يقطع انياط القلوب . فمبلغ علم الجميع فى عالمنا الحاضر هذا أنه لا يوجد ملك حكم بلاده لاربعين عاما حسوما. ولكن هذا ما رأته خزام  ،  والرأى هو ما ترى خزام .

فى الجمهوريات الملكية يلقب سيد البلد هذا بالرئيس . ولا يلقب بالملك حتى وان كانت سلطاته هى الاقوى  ومدة حكمه هى الاطول ، لأن الاشياء لا تسمى باسمائها فى عالمنا العربى . نعم ، تتوق شعوب هذه الجمهوريات الى الوقت الذى يسمح لها فيه بالولوج الى عوالم  ديمقراطية  لا يسمح فيها  لأحد ان يكون فوق القانون ، أو أن يكون خالدا  فى السلطة بغير حساب ، لا ينزعه  من مكانه  الا  ملك الموت. ولكن لماذا  ثار شعب اليابان بوجه الحزب الديمقراطى الليبرالى اليابانى الذى كان يحبه ، وسبق  أن اجاز  له  أن يحكم اليابان لاكثر من نصف  قرن من الزمن . لماذا تبدل الحب؟ هل خشى اليابانيون الحصفاء  من استولاد ظاهرة  الجمهوريات الملكية المشهورة فى عالمنا العربى،  فيصير رئيس  وزرائهم رئيس وزراء  دائم ، خصوصا أن حزبهم الحاكم ظل مستحوزا على السلطة لاكثر من نصف قرن من الزمن . وهم يعرفون ، بطبيعة الحال ، ان النار هى من مستصغر الشرر . هل اراد الشعب اليابانى أن يستبق الاحداث ويقول للحزب الديمقراطى الليبرالى أنه لا يسمح  بتحويل اليابان الى دولة عالم ثالث تحكم بنظام الحزب الواحد . وان يصطف شعبها تدريجيا فى صفوف الجمهوريات الملكية التى تسود عالم جيرانهم العرب .  هل ثار الشعب اليابانى انتخابيا هذه  الثورة الفريدة  قفلا للباب الذى قد يأتى منه الريح حتى يستريح  على قول المثل العربى. نقول ثورة يابانية فريدة . لأن الشعب اليبانى حمل بطاقاته الانتخابية  فقط ، واخذ يصوبها فى شباك  الحزب الذى حكمه لاكثر من نصف قرن من الزمن ، فاساء  الحكم . ولم يحسنه . ولم  يحمل الشعب اليابانى ما اعتدنا عليه فى عالم الجمهوريات الملكية العربية من سلاح ومعاول هدم . وكانت نتيجة التصويب المباشر ذاك هزيمة ساحقة للبازار الحاكم فى طوكيو . صحيح ، لقد لمس المعارضون اوتارا حساسة  فى نقدهم لحكام اليابان . وقدموا انفسهم كبديل موضوعى. قالوا انهم  لا يريدون  تمحورا بلا حدود  مع الولايات المتحدة . و يريدون  بناء سياسة خارجية  يابانية اكثر استقلالا عن امريكا واتباعها الاوروبيين . وكان طريفا وساخرا وصفهم  للاقتصاد اليابانى  تحت حكم الحزب الليبرالى  . فقد وصفوه الحزب بانه جنازة بحر ، يحتاج تحريكه الى جهد جهيد" بحسب توصيف زعيم المعارضة يوكيو هاتوياما  الذى سيصبح رئيس  وزراء  اليابان الجديد قبل نهاية سبتمبر الحالى. وصف اقتصاد اليابان بانه بمثابة جنازة البحر التى يحتاج تحريكها الى عناية خاصة هو وصف دقيق للغاية. فقد بلغت مديونية اليابان الخارجية حوالى العشرة تريليون دولار. وتدنى مركز اليابان بحساب النمو الى المركز الرابع عشر هبوطا من المركز الرابع . فقد ظل الاقتصاد اليبانى المتوعك يدور منذ عام 2000 وحتى اليوم فى نسبة نمو  لا تزيد عن الواحد فى المائة.وسمع الشعب اليابانى صرخات المعارضين ، فجاء الى نجدتهم . كم مسكينة  هى شعوب الجمهوريات الملكية فى عالمنا العربى . فقد ظلت تصرخ بكل واد . ولكن لا أحد  يتقدم لنجدتها . لأن الانسان بطبعه مجبول على الاحتراز ضد المخاطر . وينزع الى عدم القاء نفسه فى التهلكة .

  أن طرد الجماهير اليابانية  لحزبها الحاكم من السلطة بعد خمسة وخمسين عاما من العلاقة الحميمة معه يعب عن غضب شديد . ولكن هذا الغضب اليابانى ليس اقوى من غضب الكثير من شعوبنا العربية الشاكية من جمود حياتها الذى طال واستطال . ولو اعطيت هذه الجماهير الحرية الكاملة لكى تقترع بالصورة التى تريد لكان رأيها اصعب واكثر تطرفا من رأى الجماهير اليابانية.

 نعم كانت هناك اسباب اخرى قوية لغضب الشارع  اليابانى ى ضد حكامه . الصحف الامريكية اشارت الى بعض هذه الاسباب و ربطت بين هزيمة رئيس وزراء اليابان الحالى ، السيد تارو آسو ، وبين كراهية جمهور الناخبين اليابانيين للولايات المتحدة . فقد كان رئيس الوزراء المهزوم  رمزا للعلاقة المميزة  والمشوهة فى آن  بين الولايات المتحدة واليابان . المواطن اليابانى ظل يتظاهر ويطالب بجلاء  الجيوش الامريكية من اراضيه  دون جدوى على مدى عقود . هذا الرفض الشعبى للوجود الامريكى العسكرى  فى اليابان لم يؤت أكله . الدليل القاطع هو استمرار وجود خمسين الف جنديا  امريكيا موزعين على عدة  قواعد امريكية فى اليابان.  ليس هذا فقط . انما تتحمل الخزينة اليابانية التكاليف المالية الضخمة لوجود هذه القوات فى الارض اليابانية . لقد كانت تلك الاسباب كافية لأن تضع الحزب الحاكم فى اليابان فى مكانه الصحيح تماما – خارج السلطة بعد ان استحوز عليها على مدى نصف قرن من الزمن .

نعم ، كانت هناك ايجابيات كثيرة صاحبت الزلزال الانتخابى الذى حدث فى اليابان فى نهاية اغسطس الماضى . لقد ترجم الشعب اليابانى غضبه  فى صندوق الاقتراع فى هدؤ تام . وعاقب حكامه عقابا قاسيا حسب وصف رئيس الوزراء  المهزوم. وقبلت الحكومة  الحكم القاسى  بصدر رحب وديمقراطى . ولم تحاول  التمترس  فى السلطة عن طريق تزوير الارادة الانتخابية الشعبية. ولم تسع لاستغلال  نفوذها كما يحدث فى عوالمنا المتخلفة ديمقراطيا، حيث يرفض المتجذرون القبول بالهزيمة . بل ويستبقون وقوع الهزيمة باجراءات احترازية ، تتمثل فى تزوير ارادة الناخبين عن طريق الاساليب الفاسدة مثل شراء الذمم . وسرقة الاصوات ، وتبديلها . و كانت جماهير الحزب الحاكم اكثر تدربا على  البديهيات  الديمقراطية . لم ترفض تلك الجماهير حكم جمهور الناخبين  القاسى على حزبها . ولم  تخرج فى حملات دموية يموت فيها اشخاص  ويجرح آخرون، مثلما حدث فى ايران مؤخرا.

نقول هذا باعجاب . ونقول للحالمين العرب : عقبال عندكم فى المسرات !

 

 

آراء