محاكمة لبنى حسين :السوط بخمسة دولارات .. والحسابة بتحسب
8 September, 2009
أشتهر أهل الإنقاذ بسرد ذكريات حياتهم الخاصة ومجاهداتهم لوسائل الإعلام ، ليس الأمر قاصراً على رجال الصف الأول في الحركة الإسلامية من أمثال عثمان خالد مضوي ومولانا محمد أحمد يوسف ، بل حتى الذين ركبوا قطار الإنقاذ بعد عام 89 لهم أيضاً تاريخ يريدون أن يطلوا به على الشعب السوداني ، لهم نضالهم ومجاهداتهم التي لن يسرقها أحد منهم ، فساعة التاريخ توقفت بعد ليلة الثلاثين من يونيو من عام 89 ، في ليلة إصدار الحكم على لبنى حسين كان وزير العدل السيد/عبد الباسط سبدرات في جلسة خاصة في قناة الشروق ، فالرجل يدافع عن ماضيه اليساري لأنه كما يقول أستقبل حكومة الإنقاذ بأربعة "حجات " ، وعندما أتت الإنقاذ كان يصلي ويصوم ويقيم الليل وهو يتأمل ظلال القرآن ، وطرح لنا السيد سبدرات قصة تحوله نحو الحركة الإسلامية ، أنه كتاب " ظلال القرآن " الذي كتبه سيد قطب ، الكتاب أهداه له المرحوم محمد أحمد حاج نور ، هذا الكتاب العظيم كما يقول السيد سبدرات دفعه للتحول نحو الحركة الإسلامية ، وشاهدنا ميت " حاج نور " وقد رحل عن دنيانا الفانية لأنه قرأ كتاب سيد قطب كما ينبغي ، إذاً لا يسعنا الثبت من رواية الأستاذ عبد الباسط سبدرات الأخيرة لأننا نملك رواية مختلفة حول قصة إعتناقه لمذهب الحركة الإسلامية ، الرواية الثانية لديها شاهد حي يرزق وهو الدكتور حسن عبد الله الترابي ، فمعروف لدينا أن السيد/ سبدرات بعث بأولاده إلى حكيم الحركة الإسلامية وقتذاك وطلب منه أن يصنع بهم ما شاء حتى لا يصبحوا شيوعيين مثله ، وقد أستدرك الأمر الدكتور الترابي ورد التحية بأحسن منها ، فكان الرد بأن يصبح السيد/ سبدرات وزيراً سرمدياً يتقلب في وزارات الإنقاذ أينما شاء وكيفما أراد ، وقد تولى السيد سبدرات قراءة خطاب تنحية الدكتور الترابي ، وقد أزاح بذلك العمل الحرج عن الإسلاميين ، وهكذا تدور عجلة الزمان ، لذلك سئم لبيد طول الحياة لأنها لا تسير على وتيرة واحدة ، ولا أحد يقرأ كتب سيد قطب ويبقى على قيد الحياة حتى هذه اللحظة ، وقد قالها سيد قطب في كتابه : أن المبادئ التي لا ترويها الدماء هي مبادئ ميتة ، لذلك فقدت الحركة الإسلامية كل من دكتور محمد أحمد عمر ومحمود شريف وعبيد ختم ومحمد أحمد حاج نور .
هذا ليس بيت القصيد ، وقصة دخول السيد سبدرات الإسلام بعد عام 89 ليست بالخبر المفرح ، ولن يستفيد الشعب السوداني من "حجات " السيد سبدرات الأربعة وصلاته وقيامه الليل ، هذه علاقة بينه وبين ربه ومن المفترض أن لا تخرج لوسائل الإعلام حتى لا يهلك ثوابه بالرياء ، بيت القصيد هو ما رأيناه في محاكمة الأستاذة لبنى حسين والتي أنتهت بتغريمها خمسة دولارات مقابل كل سوط ، غرامة بالعملة الصعبة لأن المتهمة تعمل في منظمة أجنبية ، ولا ننسى أن القانون السوداني كان يصدر حكم الإعدام على كل من يحوز الدولار ، حتى ولو كان الدولار عملة وسيطة من أجل العلاج أو الدراسة ، وقد عشنا لنرى أن الدولار أصبح عملة المحاكم السودانية ، ولا أعلم هل يتوجب على الأستاذة لبنى دفع رسوم الدمغة وأجرة رصف الطرق وضريبة السيول والأمطار ، أم أنها من محفظتها سوف تدفع فقط مبلغ المائتي دولار نقداً وتستلم في مقابل ذلك clearance certificate ؟؟ حيث تثبت الاستاذة لبنى أنها سددت بالكامل أجرة الأربعين سوطاً ، وهل يمكنها دفع أجرة الجلد مقدماً وهي خمسة دولارات لكل سوط إفرادي عندما تذهب لهذا المطعم المشئوم للمرة الثانية أم من الضروري الحضور للمحكمة عند حدوث كل مخالفة ؟؟ والمضحك في الأمر أنها كانت في جلسة المحكمة بنفس البنطال صاحب الأزمة ، ويمكن لولاية الخرطوم أن تستفيد من مداخيل هذه التجارة الرابحة ، وتطبيق عقوبة إرتداء البنطال مثل المخالفات المرورية ، وسوف تنتشر شرطة أمن المجتمع في الجامعات والحفلات والمطاعم ، ويمكن إستثمار هذه العقوبة تجارياً لأنها سوف تزيد مدخول خزينة الدولة من العملات الصعبة ، ويمكن الإستفادة من نظام النقاط التراكمية للمشتركين ، فمثلاً النساء اللائي يدفعن أكثر من غرامة ألف سوط يمكنهم الإستفادة من رصيد مجاني في أيام الأعياد ، وهناك الإشتراك المفتوح وهو دفع قيمة عشرة آلاف سوط و ما فوق ، لكن يجب على النساء حمل إيصالات سداد الجلدات في كل الأوقات ، وأخيراً حسم القاضي قضية مثيرة للجدل ولكنه فتح أعين المستثمرين لهذه التجارة التي لن تبور بإذن الله ، الجلدة بخمسة دولارات والحسابا بتحسب كما يقول عادل إمام ، فهل الفضل يعود للقاضي الحصيف أم للسيد الدولار الذي أعطانا سعر قيمة المشروع الحضاري للإنقاذ ، يقول الأديب المصري يوسف القعيد عن المخابرات الأمريكية أنها ثقافة وليست جهاز للأمن كما يتصور الناس ، هذه الثقافة تدعو لإستخدام الدولار في التعامل وشرب الكوكا كولا وأكل وجبات الماكدونالد ، وأمام المحكمة كانت الشرطة تجلد النساء أمام وسائل الإعلام وتجبرهن على ركوب "دفار " محصن بالشبك الحديدي ، وفي أثناء ذلك كان وزير العدل، السيد سبدرات ، يتكئ في مجلس قناة الشروق وأمامه إبريق القهوة والشاي ويحدثنا عن إعجابه بكتاب ظلال القرآن للمرحوم سيد قطب ، فبما أننا بدأنا عرض بضاعتنا في هذا المزاد أنصح السيد وزير العدل عبد الباسط سبدرات بقرأءة كتابين آخرين يكملان منهج سيد قطب ، وهما الفريضة الغائبة للدكتور أيمن الظواهري ، وكتاب فرسان في محراب النبي لمرشد الأخوان في مصر الشيخ عمر التلسماني ، ربما أكون غير متأكدة من نسب هذه الكتب لأصحابها بالشكل الصحيح لكنني أنبه السيد وزير العدل لأمر هام وهو أن الإسلاميين أحياناً يتكتمون على ذكر اسماء المؤلفين الحقيقيين لهذه الكتب خوفاً من الرقابة الأمنية في مصر ، ربما يحدث نوع من الإختلاق في المصادر .. لكن ماذا يضيف لنا قراءة السيد وزير العدل لكتب تنظيم الجهاد في مصر في عهد عبد الناصر؟؟فالسوق الحالي لا يحتمل بيع هذه البضاعة .
سارة عيسي
sara issa [sara_issa_1@yahoo.com]