مع هاني رسلان للمرة الثالثة
9 September, 2009
لا أعتقد أنني سوف أقوم بالرد على هاني رسلان بنفس الدرب الذي سار عليه ، فالرجل أضاع بوصلة الموضوعية وأنهار أمام منصة الحوار ولجأ للهجوم الشخصي والسباب لتعويض عجزه عن الرد المناسب ، ولم يخب ظني فيه قيد أنملة ، فمنذ تناولي لحالته ذكرت أن إمكانيات الرجل متواضعة وأنه لا يزيد عن كونه قنبلة صوتية عابرة صنعتها ظروف محدودة ، وسوف تنتهي كما بدأت ، أما الزبد سوف يذهب جفاءً ويمكث في الأرض ما ينفع الناس ، ولا زالت دعوتي مطروحة للسودانيين بأن يدرسوا كتب العلامة بروفيسور محمد عمر بشير وبالذات الثنائي ، جنوب السودان من الحرب إلى السلام ، وكتابه الثاني خلفية الحرب ، هذه الكتب متوفرة باللغة الإنجليزية والعربية ، وهناك كتاب آخر للبروفيسور عبد الغفار محمد أحمد وهو كتاب " الوحدة في التنوع " ، فتناقض النسيج الإجتماعي في السودان ربما يقود إلى الوحدة إذا توفرت روح التسامح بين الجميع ، والثقافات المتنوعة هي عامل إيجابي وليس سلبي ، ولا يمكن أن تتحول هذه الثقافات المختلفة إلى حدود جغرافية تفصل بين السودانيين ، لكن الهاني رسلان- وهو في غمرة الرد المتسرع - كشف كل أوراقه وفضح الجهات التي كانت تزوده بالمعلومات المغلوطة عن الحركة الشعبية ، فقصة الإسرائيليين الذين دخلوا جنوب السودان من غير تأشيرة دخول هو خبر قديم كانت تلوكه صحيفة الإنتباهة لعدة شهور ، ولم يعطه الناس الإنتباه المطلوب ، فتم تسويقه للمرة الثانية بسلوفان مركز هاني رسلان .
بيت القصيد هو إشارة مهمة وردت في مقال الهاني الأخير ، وهي زعمه أنني كنت مسؤولاً في حرس الإنقاذ القديم ، وقد شاركت في ذلك العهد السيء السمعة ، وهو بهذا يشهد أن هذا العهد حسن السمعة ، والحديث لهاني رسلان أنه بعد طردي زاد الإحتقان في نفسي وتحولت إلى ما أنا عليه الآن ، فأنا أتباكى على عهد تركته وسلطة كانت بيدي فقدتها ، فلم أعد أملك إلا اليراع الإلكتروني لتصفية حساباتي مع الجميع .
إضافتي لحديث اليوم هي أن معايير النزاهة الإستقامة ليست هي الأسباب التي تدفع المشاركين في الإنقاذ للخروج منها أو الدخول عليها ، ولم يترك أحدهم الإنقاذ لأنها نظام فاسد أو أنها ضد الحريات ، ولا حتى مجموعة المنشية بقيادة الدكتور حسن عبد الله الترابي ، فالصراع كله يدور حول الغنائم وتقاسم خيرات البلاد بين أجنحة التنظيم ، كما أن هناك خيط رفيع يفصل بين المؤتمر الشعبي بقيادة حسن الترابي والمؤتمر الوطني بقيادة الرئيس البشير ، فهم لا زالوا يؤمنون بنفس المشروع لكن الخلاف يكمن حول هوية الأشخاص الذين ينفذونه ، وربما يكون هذا الخلاف مصطنعاً مثل المقولة الشهيرة : أذهب إلى القصر رئيساً ..وسوف أذهب أنا إلى كوبر سجيناً ، هذا الخيط الرفيع سوف يذوب بعد إعلان الإنتخابات القادمة ، عندها سوف يتوحد الحزبان ويتلافيان الإنقسام ، وعلى الرغم من حديث الرئيس البشير في المجلس الوطني بأنه كان قادراً على قطع رأس الترابي ويلقى ربه مطمئن بأنه لن يحاسب على هذا العمل ، إلا أن هذا التصريح على الرغم قساوته يدل على مستوى إحترافية الحركة الإسلامية في تمثيل الأدوار ، فهناك ملفات مهمة بين الترابي والبشير وهناك أسرار يحرص الطرفان على إخفائها في خزائن آمنة .
في الأسبوع الماضي أجتاحت الأمطار والسيول مدينة الخرطوم ، الحصيلة كانت مقتل 35 مواطناً ، إنهيار 70 ألف منزل ، وتهدم 68 مدرسة ، فصلت المياه جنوب الخرطوم من شمالها ، لكن وسط هذه الكارثة كان هناك أمر يحدث في غاية الغرابة أعاد ترتيب الأوليات ، بنك مجهول ينشر إعلاناً صحفياً يتحدث عن حجز قطعة أرض في حي كافوري مملوكة لعضو مجلس الثورة السابق محمد الأمين خليفة وذلك على خلفية تعثره في سداد دين بمبلغ 850 مليون جنيه سوداني – البنك لم يحدد هل يقصد الجنيه القديم أم الجديد ؟؟ فهناك صفر محايد ربما يساعد في تصعيد الرقم نحو الزيادة ، ومحمد الأمين خليفة هو أحد مطاريد نظام الإنقاذ ، ولا نعلم كيف حصل على قطعة أرض في حي كافوري الذي يصفه سماسرة العقار بأنه "بيفرلي هلز " السودان ، فالذين يدخلون الإنقاذ لا يكتبون صك براءة الذمة قبل توليهم المنصب ، لكن هذه الواقعة تدل أن كل المتقاعدين من الإنقاذ نالوا حصصهم بالتساوي مع نظرائهم الذين يشغلون المناصب ، وقد رثا الصحفي سيد أحمد خليفة حال العضو السابق في مجلس قيادة الثورة وكتب مقالاً يُقطع الأكباد ثم ناشد رئيس الجمهورية بالتدخل لمنع تدليل تلك القطعة الثمينة عن طريق السماسرة الذين يشحذون سكاكينهم من أجل تقطيع الثور الجريح ، فعضو مجلس قيادة الثورة السابق محرج من مناشدة رئيس الجمهورية بنفسه ، ولذلك جاء هنا دور المتطوعين من أمثال سيد أحمد الخليفة ، هذا الصحفي العائد للإنقاذ من الخارج لم يطالب الرئيس البشير ببناء البيوت التي تشرد أهلها في منطقة سوبا الأراضي بسبب السيول والأمطار ، ولا ببناء المدارس والمستشفيات ، لكن طالبه بفك محنة السيد/محمد الأمين خليفة ، وتجاوب مسؤولي الدولة بشهامة مع رفيقهم القديم ، مسؤول بولاية الخرطوم طالب بتسليمه الملف ، ومسؤول آخر وعد بتسديد المبلغ نيابة عن الأمين خليفة ، بينما سحب البنك المجهول إعلانه من الصحف ، هذا التدافع الإنقاذي نحو فك " زنقة " محمد الأمين خليفة وإهمال أمر آلاف الأسر المنكوبة بسبب الأمطار يكشف أن الإنقاذ لا زالت على عهدها مع أهلها الأوائل والذين لم يفقدوا شيئاً كما توهم الهاني الرسلان ، بل الذي فقد حقوقه هو الشعب السوداني الذي وصفه رجال الإنقاذ بشعب الشحاتين .
سارة عيسي
sara issa [sara_issa_1@yahoo.com]