جوبا: تحالف كومبيتاليا … بقلم: محمد عثمان ابراهيم
1 October, 2009
moibrahim@aol.com.au
أنظر إلى حيث يقف د. حسن الترابي وحزبه (المؤتمر الشعبي) من أي قضية، ثم اتخذ الموقف النقيض تجد نفسك حيث يكمن الحق وحيث مصلحة الشعب والوطن. هذا هو المعيار!
وهذا المعيار يصلح بالطبع عند النظر إلى مؤتمر جوبا للأحزاب السياسية المتناقضة المواقف والرؤى ما بين أحزاب مشاركة في الحكومة بل وتشكل جزءاً أساسياً منها، وبين أحزاب معارضة، وأخرى متأرجحة ما بين (التراضي) مع الشيء والوقوف ضده، وأحزاب تشارك في نصف السلطة وتلعن النصف الآخر، وأحزاب مشوشة لا يصلح الحكم عليها بشيء وبين هؤلاء وأولئك قوى وطنية وأخرى ضد الوطن، و قوى يسارية صار وجودها في مراتع اليمين أكثر منه في خنادق اليسار، وقوى أخرى تحركها طاقات فردية مهدرة عجزت السلطة عن إستيعابها فقدمت نفسها قرباناً للمعارضة في بلد نسي فيه الجميع أن الأيام دول، وإن السلطة (سلطة الحكم / سلطة المعارضة) لا تدوم لجماعة وإلا لما آلت لغيرها.
هناك ثلاث جهات معنية بشكل اساسي بنتائج مؤتمر جوبا وهذه الجهات هي الأمانة العامة للحركة الشعبية بما فيها قطاع الشمال، حزب المؤتمر الشعبي بقيادة الترابي ومبارك الفاضل المهدي شخصياً اما الآخرين فينقسمون في تقديرنا لجماعات يمكن رصدها على النحو التالي:
• جماعات معارضة لحزب المؤتمر الوطني دون أن يعني ذلك أنها معارضة للحكومة، لأنه وإن قلّت نسبة مشاركة جميع الأحزاب في نظام الحكم القائم إلا أن الحقيقة هي أن غالب القوى السياسية السودانية (الحية) بإستثناء جماعة الترابي ممثلة فيها. هذه الجماعات المعارضة ملزمة –بالطبع- بالمشاركة في أي نشاط لا يرتضيه الحزب الحاكم حتى لا يتم وصمها بالوقوف معه، وتأتي مشاركتها في حشد جوبا، ضمن هذا الإطار.
• جماعات موالية للأمانة العامة للحركة الشعبية وهذه ملزمة –بطبيعة الحال- بالمشاركة في أي نشاط ترعاه هذه الجهة أو تدعمه أو تؤيده.
• مجموعات من الأحزاب السياسية العاطلة عن العمل وتعتبر مشاركتها في مثل هذا الحشد الضخم محاولة للتبرؤ من تهمة العطالة السياسية أو عدم الفاعلية، كما إن هذه الفرصة تمكن هذه الأحزاب من التصريح بأنها شاركت هي والحركة الشعبية وحزب الأمة والمؤتمر الشعبي في صياغة مقررات مؤتمر جوبا تأسياً بقصة القرادة التي روي عنها أنها بعد أن سافرت ملتصقة بجمل إلى القضارف ثم عادت، ظلت تحكي " أنا وأخوي الجمل جبنا العيش من القضارف". مثل هذه التصريحات سنسمعها من قادة (الحزب المناضل الدستوري التقدمي، والحزب المعارض الديمقراطي التحرري، وحزب السنوات الكبيسة) وغيرها من الأحزاب التي شاركت في الملتقى الضخم. الجدير بالذكر ان مثل هذه الأحزاب توجد أيضاً في (هيئة الأحزاب) الموالية للمؤتمر الوطني والمتوالية معه!
• أفراد وجماعات من الخاسرين سياسياً أو الطامحين والمنتمين مؤقتاً لما يسمى ب(منظمات المجتمع المدني) لحين الحصول على مقاعد مريحة في أحزاب سياسية او نقابات مهنية أوالخروج/ العودة إلى الخارج في وظائف بمنظمات دولية إن تيسر ذلك.
أما الجهات ذات المصلحة الحقيقية في المؤتمر فهي:
• الأمانة العامة للحركة الشعبية كما أسلفنا والتي يحتاج أمينها العام باقان أموم إلى سند إضافي لتثبيت موقعه والحصول على نقاط إضافية داخل حزبه المقسم بحوائط شفافة ومرنة على اساس قبلي. وفي ظل الإنقسام الذي يتزعمه د. لام أكول الذي يسحب أيضاً من رصيد الشلك وفي غياب مساندة واضحة من رث القبيلة (زعيمها الروحي) لمجموعة أموم فإن حاجة باقان إلى أرصدة جماهيرية إضافية تبدو ملحة جداً. هذا ينطبق على نائبه وزعيم قطاع الشمال الأستاذ ياسر عرمان الذي سيوفر له هذا الجمع الحاشد وقدراته الديناميكية الفعالة مزيداً من النفوذ كرجل للجنوب في الشمال وكرجل الشمال في الحركة الشعبية وليس في الجنوب بطبيعة الحال.
يصعب جداً التعرف على أي كسب يمكن ان يجنيه رئيس الحركة الفريق أول سلفاكير ميارديت او جماعته سواء القبلية أو العابرة للقبائل حيث للرجل جيوب في القبائل الأخرى. يعلم الجنوبيون ومنسوبو الحركة الشعبية إن كير ليس هو الرجل خلف المؤتمر وإنما هو الرجل في واجهة المؤتمر فقط رغم خطابه المطول ووجوده في الهرم البروتوكولي للجلسات.وهناك فرق كبير بين ان تكون خلف الحدث وبين ان تكون فى واجهته!
• السيد/ مبارك الفاضل المهدي الزعيم السياسي الديناميكي الذي أهدرت( فعاليته) السياسية زعامته، وهو من طائفة البراغماتيين الذين يمكنهم الإختيار بيسر بين الموقف ونقيضه، ومتى ما إختار السيد/ مبارك المهدي موقفاً فإنه قادر على إشباع ذلك الموقف بالحراك وتأمين قوة الدفع اللازمة له. معركة السيد مبارك ليست ضد المؤتمر الوطني كله وإنما هي ضد جناح فقط في الحزب الحاكم وضد إبن عمه الإمام وجماعته. ميزة السيد/ مبارك التي تلعب دور النعمة والنقمة في تقلبات مواقفه هي أنه سياسي مفتوح على كافة الإحتمالات والإتجاهات.
• الشيخ حسن الترابي الذي تحركه غبينة (نفسية) لن يمكنه الشفاء منها إلا إذا نظر إليها في إطارها (السايكلوجي الذاتي) وتخلى عن تغليفها بالإطار السياسي الذي نراه. معارضة الترابي للحكومة خالية من أي محتوى سياسي وحين يتخلى رفاق شخص ما، بصورة جماعية عنه، فمن الطبيعي أن يشعر بالغبن والإكتئاب لكن يظل هذا الغبن وهذا الإكتئاب قضيته الخاصة به وحده. حان الوقت الآن لحزب المؤتمر الشعبي لأن يعلن عن إستراتيجية أو برنامج عمل إيجابي للمشاركة في الحياة السياسية بحيث يتجاوز البرنامج (السلبي) الحالي القائم على الخصومة مع الحكومة ومحاربتها بالتالي بأي ثمن. من الواضح إن قرائن الأحوال لا تشي بأن التاريخ سيعيد نفسه وإن الترابي سيعود زعيماً للدولة السودانية دينية كانت أم كافرة (بلغته هو). تقول مجالس الخرطوم إن خلصاء كبار للترابي سئموا البقاء في مقاعد المعارضة ولا يمنعهم إعلان خصومتهم للشيخ سوى أنهم لن يجدوا من المؤتمر ترحيباً يماثل ما لقيه نائب رئيس المجلس الوطني الحالي محمد الحسن الأمين فيما هم يريدون نصيباً أكبر مما أدرك بدر الدين طه الذي قدم الماضي ولم يحصل على المستقبل!
• الإمام الصادق المهدي بحكم حلول كوكبه في مدار المعارضة هذه الأيام، فالإمام وحزبه يتنقلان بسلاسة وفق متوالية ضد-مع-ضد وهكذا، لذا فإن الحكومة ليست في عجلة من أمرها لإعادة الإلفة معه، فكل شيء بأوانه.
أما الحزب الشيوعي فمسكين، ماذا يفعل الحزب الشيوعي غير ما فعل؟ منذ عشرين عاماً أو يزيد، لم يعد أحد يتوقع من ذلكم الحزب شيئاً.
ربما ستكشف قراءة أخرى متعمقة لوثائق ومداولات المؤتمر ونتائجه عن حقائق جديدة لكن في الوقت الحاضر وفي ظل إلتزام المؤتمرين حالياً بمناقشة قضايا الحكم في الشمال في مؤتمر بالجنوب وإمساك ألسنتهم عن الحديث عما يجري في ذلك الجزء من البلاد فإن مؤتمر جوبا ليس فيما يبدو سوى لقاء للفرقاء القادمين من كوكب (كومبيتاليا) بغرض التنسيق لمحاربة أناتيما (المؤتمر الوطني) الذي ما كان بوسعه التوصل إلى سر السيطرة على البلاد لولا أن أعانه عجز هذه القوى ذاتها وقلة حيلتها وتذبذب مواقف قياداتها وعزلتها عن جماهيرها.
___________________
* هو تحالف لأفراد قادمين من كوكب كومبيتاليا الخيالي بغرض القضاء على باحث وعالم إسمه (أناتيما) نجح في التوصل إلى سر للسيطرة على كوكب كومبيتاليا، وقد وردت قصة هذا التحالف في سلسلة كتب اصدرتها دار (دي سي كوميكز) الأمريكية المتخصصة في كتب التسلية.
)عن الأحداث)