كيف تفهم السياسة السودانية ؟

 


 

 

باختصار

 

mohammed shoush [mi_shoush@hotmail.com]

في ليلة الصخب الأكبر، وضربات الطبول العنيفة ما تزال تطن في أذني من جوبا عاصمة الأمن والسلم والديمقراطية، وضحكات الإرتياح والتشفي من القيادة السودانية الرشيدة، وقد أنجزت ما يفوق بكثير الـثمانية عشر مليون دولار أمريكي عداً نقداً وتمويلاً، توشك أن تملؤني باليأس والإحباط. وآآخ من تلك الإبتسامة الساخرة التي وصفها كاتبنا طه حسين - من غير أن يراها - بأنها إبتسامة خير منها العبوس.

 

كنت أحس بشيء خليط من الغضب والحزن والدهشة حين استمعت ذلك المساء وبمحض الصدفة  إلى الصديق والصحفي النابه ضياء الدين بلال يتحدث من إحدى القنوات الفضائية السودانية. وكان يجيب عن أسئلة حول مؤتمر جوبا وما تمخض عنه الجبل. وقد توقعت أن أسمع منه ما يتجاوب مع ما يغلي في مرجل رأسي.

 

وهدأت وذهلت وتعلمت.

 

أنا أكن للصديق ضياء الدين محبة خاصة هي أكثر من مجرد إعجاب بما يكتب. سألته المزيعة عن رأيه في قرارات مؤتمر جوبا،  توقعت إنفجاراً ولكن  ضياء الدين بلال لم يتزحزح في مقعده، وأجاب في هدوء غريب: إن مطالب المؤتمر كانت معقولة وعاقلة ومتوقعة. وكأي معارضة يهمها أن تجري الإنتخابات في نزاهة تامة وتحت أطر قانونية وذلك ما طالب به ذلك المؤتمر. وسكت: لم يتحدث عن منصب نائب الرئيس الذي منحته القيادة السياسية الشمالية لأهل دارفور في سابقة خطيرة تقسم فيها المناصب وفق القبائل والجهويات لا وفق إختيارالشعب وكفاءة المرشح. ولم يتحدث عن الهبة الغالية لأهل الجنوب بأن لهم الجنة مهما فعلوا وإذا قرروا الإنفصال فلهم مع نعمة الإستقلال حق الإقامة والعمل والتنقل كما لو لم ينفصلوا. ولم يتحدث عن تأييد إتهامات أوكامبو الباطلة التي لا أشك أنه هو نفسه يخجل منها.

 

ونظرت ملياً للأستاذ ضياء: حسبته يمزح، ولكني لم ألمح في وجهه الهادي علامات السخرية: أول مرة أصابتني الدهشة ثم فهمت اللعبة. لا تكن غبياً وتحلب السم من الكلام، بل إفهمه كما تشاء، وأعطه التفسير الذي تريد وسر في طريقك، وكل ما قيل سيتبخر في الهواء. فلا الحركة الشعبية ستتذكر ولا القوى السياسية ستعيره انتباهاً. وستأتي الإنتخابات، وسيعبرها الشعب السوداني العبقري كما عبر غيرها. لا لأنه لا يأبه للنباح بل لأنه أصلاً لا يسمعه.

 

وتذكرت مقارنة طريفة عقدتها الكاتبة جوديث وارنر بعد أن استمعت للفنان المشاكس الشهير مايكل مور وهو يدافع عن أنبل القضايا الإنسانية ولكن بروح عدوانية جعلت حتى أكثر الناس إتفاقاً معه ينفرون منه، وقارنت ذلك بالمصحلة الإجتماعية ميلشنج مؤسسة هيئة خيرية استطاعت بأسلوب ودي ونفس طويل وتفهم عميق أن تساعد أكثر من 4000 مجتمعاً إفريقياً على التخلص من عادة تشويه الإناث الأطفال بأسم الختان الفرعوني. وفي السياسة السودانية أبخرة ملتهبة تتصاعد أحياًناً. لا تواجهها فيلتهب وجهك. انتظرها حتى تبرد. أو قف بعيداً وإعتبرها نسمات هواء بارد تهب عليك في صيف قارص.

 

آراء