حزب المؤتمر الوطني ونذر الإنشقاق

 


 

سارة عيسى
4 November, 2009

 

    لا يُمكن توصيف حزب المؤتمر الوطني بأنه حزب سياسي ، فعادةً ما تضع الأحزاب أهداف نبيلة مثل التنمية والرخاء والوحدة الوطنية  ولا أظن أن هذه القيم الإجتماعية تعني شيئاً لحزب المؤتمر الوطني ، و  في الايام الماضية تعرض حزب المؤتمر الوطني للعديد من الضغوط التي مارستها عليه الحركة الشعبية ، خرج نوابها من البرلمان فهددهم رئيس المجلس برفع حصة البنزين من سياراتهم ومعالجة ساعات الحضور والإنصراف بالخصم من المرتب  ، تماماً كما يحدث في طابور المدارس الأولية  ، أما الاستاذ محمد الحسن الأمين فله رأي مختلف ، فهو يقول أن المجلس يستطيع إجازة كل القرارات بالأغلبية الميكانيكية  ومن دون حضور ممثلي الحركة الشعبية ، ما جعلنا  ندعو الله قائلين : اللهم أرحم إتفاقية نيفاشا ،  تزامن ذلك مع حملة شرسة قادتها قناة الشروق الفضائية ضد الحركة الشعبية ورموزها  ، وقد لاحظت حضور الدكتور لام أكول المكثف في هذه القناة خاصةً بعد نشوب هذه الازمة ، لكن الحركة الشعبية مضت بعيداً في تصعيد النزاع ، فقد هددت بسحب منسوبيها في جهاز الأمن إذا أصرّ حزب المؤتمر الوطني على إجازة قوانين بدرية سليمان ، ترافق ذلك مع تصريحات متضاربة للقائد سلفاكير حول دعوته للجنوبيين للتصويت من أجل الإنفصال  ، هذه التطورات جعلت حزب المؤتمر الوطني يركز حملته على النيل من هدف واحد وهو الحركة الشعبية ، وقد أهمل ترتيب البيت الداخلي الذي بناه من ثمار الجهوية وأرباب أصحاب المال ، هناك من راهن أن إنكفاء الحركة الشعبية في الجنوب سوف  يهدي الرئيس البشير فوزاً مريحاً في الشمال ، لكن هذا الفوز بلا معني ، لأن بقاء الرئيس البشير في منصب الرئاسة يعتبر إمتداداً لعهد قام قبل عقدين من الزمان ، والجديد هذه المرة أنه فقد جنوب السودان وإقليم حلايب ، كما أنه  مطلوب من قبل المحكمة الدولية ، أي أنه فوز بلا طعم أو رائحة ،  وخروج إقليم الجنوب من السودان ربما يفتح الباب للمزيد من دعوات الإنفصال في دارفور وكردفان وشرق السودان ، كما أن السودان سوف يصبح عرضة للنهمش من قبل الدول المجاورة وأولها مصر ، وقد ارتكب حزب المؤتمر الوطني خطاً فادحاً عندما راهن على الجهويات وأصحاب المال الذين صنعهم بيديه ، واقعة الإنشقاق الأخيرة التي قادها أهل الجزيرة لن تغير كثيراً في في السياسة التي ينتهجها الحزب ضد المنشقين ، بدايةً بالحرمان من المخصصات ونهايةً بالسجون  ، فقوة حزب المؤتمر الوطني ليست بيد القوات المسلحة أو الجماهير التي ترفد ممثليها للمجلس الوطني عن طريق الصوت الإنتخابي ، لكن قوة حزب المؤتمر الوطني مصدرها جهاز الأمن والمخابرات ، القوات المسلحة السودانية حالها كحال مشروع الجزيرة ، تمت تصفيتها والكثير من قادتها تم الإستغناء عنهم وهي ليست حاضرة في كل  معادلات السلطة الحالية ، لكن هذا الإنشقاق سوف يكشف الكثير من الاسرار حول كيفية إحتماء حزب المؤتمر بالجهويات ، ودوافع المنشقين الجدد كما طالتعها في مواقع الإنترنت هي خدماتية، وهم كما يقولون أن حزب المؤتمر الوطني كان يسرف في الوعود ويمارس الكذب ، هذا ليس بالشيء الجديد ، فمجموعة الإنقاذ تكذب وتتحرى الكذب منذ ليلة إستيلائها على السلطة ، لكن أهالي الجزيرة أو كما يصفهم رجال الإنقاذ "بأهل العوض" ذاقوا المر تحت حكمهم، هاجر أهل الجزيرة إلى الخرطوم وعملوا في المهن الهامشية ، وحالهم لا يختلف كثيراً عن الجنوبيين وذلك في حالة رصدنا للمتوفين منهم بسبب الملاريا والبلهارسيا والإستسغاء " مرض ملء البطن " ، مات أهل الجنوب بسلاح الإنقاذ ، ومات أهل الجزيرة بفقر الإنقاذ ، تعددت الأسباب والموت واحد ، إقليم الجزيرة تسبب في نهضة دولة عظمى مثل بريطانيا ، كان العاطلون عن العمل في السودان يحجون إلى المنطقة الصناعية المناقل ، وسكسكانية الكريمت الشهيرة وحلوياتها  ، وصناعة نسيج من كافة المراحل ، زراعة قطن ، حلج ، غزل ونسيج ، ملبوسات ، إذاً كيف وصل إقليم الجزيرة إلى هذا المنتهى وكأن في أرضه دارت حرب عظيمة مثل حرب الجنوب ؟؟ المشروع الوحيد الذي حظي به أهل الجزيرة هو مشروع ترعتي الرهد وكنانة ووالي عسكري إسمه عبد الرحمن سر الختم ، وثالثة الأثافي أطلت  عندما تولى الدكتور عبد إسماعيل المتعافي وزارة الزراعة ،وضعت يدي في قلبي وتوقعت أن الجزيرة سوف يُباع بأبخس ثمن مثل أحلام الفنان الجابري ، أنه الطبيب الذي يعالج مرضاه بالموت الموت المريح ، يطعنهم في العضل بحقنة البوتاسيوم ، في شهور تم عرض مشروع الجزيرة في المزاد العلني ، نفس سيناريو السكة حديد وشركة الكهرباء يتكرر في مشروع الجزيرة ، المزيد من الاسر تحت قيد التشريد ، والمزيد من الفقر ، أن السودان مقبل على حكم الشركات ،  دخل أحدهم إلى سيدنا معاوية عليه رضوان الله وخاطبه قائلاً :

إنك وليت علينا والياً ما وجد مالاً إلا أماله

وما وجد فضة ً وإلا أفتضها

وما وجد ذهباً والإ ً و ذهب به 

سارة عيسي

 

sara issa [sara_issa_1@yahoo.com]

 

آراء