فـتـــاوي وضلالات الترابي (4) … بقلم: بابكر عباس الأمين
9 November, 2009
abass_a2002@yahoo.com
شهدنا في الحلقة الماضية كيف أصبحت طالبات الجامعة حور عين, والدعوة إلي الإختلاط في الصلاة, لكأنما عدد مساجد السودان لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة. وذلك بعد أن أصبح الرقص والفن وسيلة للتقرب إلي الله. ولم نسمع من "المُجدّد" رأي الإسلام في الخمر, بل أنها جريمة - فقط حين تسبب عدوانا. ولا أدري إن تعاطي القاريء بعض الكؤوس, بعد تلك الحلقة - دون أن يرتكب جريمة - أن الله قد كتبها له في ميزان أعماله أم في ميزان "المُجتهد."
والاّن وصلنا مرحلة التشجيع علي ترك الإسلام نفسه وحق الردّة. قال ترابي عن حرية المسلم في الرِدّة عن الإسلام: "في بلدي وأنا أدعو إلي حرية الحوار, إنني أقول حتي لو إرتدّ المسلم تماماً وخرج من الإسلام, ويريد أن يبقي حيث هو فليبق لأنه لا إكراه في الدين." (المحرر 8\1994). ويواصل في ذات الموضوع عندما سأله محاوره: "لا تحاولوا ربط الاّية بمثيلاتها, ولا تتطرقوا لأسباب النزول وأقوال علماء التفسير والأحاديث النبوية الصحيحة الواردة في هذا المعني." (المستقلة).
وتكمن المُفارقة في أنّ نفس هذا الترابي قد إغتال الأستاذ محمود محمد طه بحُد الردّة رغم أنه لم يرتد, وإنما كانت محاكمة سياسية. ولم تقتصر "الفتوي" علي "دولتنا الواحدة", بل تعدتها إلي إبطال فتوي من أفقه, منه حين قال عن سلمان رشدي: "لو كان عندنا في السودان لما حكمنا عليه بالردة." (الرد القويم لما جاء به الترابي والمجادلون عنه من الإفتراء والكذب المهين) الأمين الحاج محمد أحمد.
ويبدو حينما يقيم حكمه ثُم يبطله ب "فتوي" أخري, كالذين كانوا يحلوا النسيء عاماً ويحرمونه عاما. وهذه "الفتوي" تتعارض مع حديث للرسول رواه البخاري عن ابن عباس: "من بدّل دينه فاقتلوه." وروي البخاري ومسلم عن عبدالله بن مسعود قال: قال الرسول: "لا يحل دم أمريء مسلم إلا بإحدي ثلاث: كفر بعد إيمان وزني بعد إحِصان وقتل بغير نفس." قال ابن قدامة: "وأجمع أهل العلم علي وجوب قتل المرتدين, وروي ذلك عن أبي بكر ووعثمان وعلي ومعاذ وأبي موسي وابن عباس وخالد رضي الله عنهم." (المغني, كتاب المرتد 12\264).
ولكن كيف يستقيم وزناً أن تكون المرجعية حديث الرسول والسلف, وحسن يطالبنا - في لغة صريحة - عدم الإستماع "للأحاديث النبوية الصحيحة" والمفسرين لأن تفسيرهم - في رأئه - "قِصص وحكايات"؟. ويري حسن أن هذه حرية إعتقاد لا نحتاج فيها للعودة إلي الحديث ورأي السلف حين قال: "وهذه لا تحتاج إلي الرجوع إلي قول فلان ورد فلان علي فلان. حرية العقيدة أصل من أصول القراّن, ولكن أكثر المسلمين إنقطعوا عن اصولهم تماماً, وبدأوا يأخذون عمن أخذ عمن أخذ عمن أخذ من الأصول وهذه واحدة من ظواهر التخلف عن دواعي الدين." (المستقلة). والتمرد علي أحاديث الرسول ومُشاققته واضحة هنا, والله يقول: "وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الهُدّيَ وَيَتَبِع غَيرَ سَبِيلِ المُؤمِنِينَ نُوَلّهِ مَا تَوَلَّي وَنُصلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاّءَت مَصِيراً." (115) النِساء.
وبخصوص الردَّة - التي يشجِّع عليها الاّن - فهي لم تكن جريمة الأستاذ طه - كما زعم الترابيون - بل لأنه عارض قوانين سبتمبر, ورفض التعاون مع المحكمة. وهذا نص حديثه للمحكمة, الذي سِيق بعده للإعدام, ويمكننا تزويد القاريء - إن شاء - بنسخة من فيديو المحكمة بالصوت والصورة:
"أعلنت رأيّ مِراراً في قوانين سبتمبر 1983 من أنها مخالفة للشريعة وللإسلام. أكثر من ذلك, فإنها شوّهت الشريعة وشوّهت الإسلام ونفّرت عنه. يُضاف إلي ذلك أنها وُضِعت واُستغِلت لإرهاب الشعب وسوقه إلي الإستكانة عن طريق إذلاله. ثم أنها هدّدت وحدة البلاد, هذا من حيث التنظير. أما من حيث التطبيق, فإن القُضاة الذين يتولون المحاكمة تحتها غير مؤهلين فنياً. وضعفوا أخلاقياً عن أن يمتنعوا عن أن يضعوا أنفسهم تحت سيطرة السلطة التنفذية. تستعملهم لإضاعة الحقوق, وإذلال الشعب وتشويه الإسلام, وإهانة الفكر والمفكرين, وإذلال المعارضين السياسيين. ومن أجل ذلك, فاني غير مستعد للتعاون مع أي محكمة تنكّرت لحُرمة القضاء المستقل, ورضيت أن تكون أداة من أدوات إزلال الشعب, وإهانة الفكر الحر, والتنكيل بالمعارضين السياسيين."
وخلال تبريره لفتواه بإمكانية زواج المسلمة لليهودي والصليبي, ذكر الترابي أن اّراء الفقهاء الذين حرّموه بأنها: "مُجرد أقاويل وتخرصات وأوهام وتضليل الهدف منها جر المرأة للوراء." وقبل رأي العلماء, فإنّ دعوة حسن للمسلمة ان تتزوج الكتابي هي جر لها إلي الأسفل وليس إلي الأمام, وإساءة لها في المقام الأول. وذلك لأنه يدعوها أن تُضاجِع رجلاً لا يغسل قُبله ودبره بعد قضاء الحاجة, أوغير مختوناً خِلافاً للسُنة. ويسيء إليها أيضاً حين يبيح لها أن تضاجِع رجلاً يشرب الخمر ويأكل الخنزير بنجاسته, مما يؤدي إلي إنتقال النجاسة لجسدها وجينات أطفالها.
ويسيء إليها أيضاً حين يبيح لها الإقتران بمن يلبس الصليب ويعتقد بالثالوث, وأن المسيح هو ابن الله, أوعُزير ابن الله ونقاء دم بني إسرائيل. كما أن زواج الكِتابي لا يضمن إنتماء الأطفال للإسلام. بل أنه حتي بعض الطوائف المسلمة ترفض الزواج من الطوائف المسلمة الأُخري للحفاظ علي تقاليدها وطقوسها وضمان ولاء الأطفال للطائفة. وحينما قِيل له أن الأئمة حرّموا زواج المسلمة للكتابي أجاب: "هم رجال ونحن رجال.", كأنما الأمر ليس علوم الفقه بل إثبات رجولة للسودانيين.
وإن كانت هناك ضرورات تبيح المحظورات, أو تجمِّد حد السرقة عند عمر بن الخطاب, في عام الرمادة, فهذه إجتهادات صادقة ومخلصة للدين, الغرض منها مصلحة المسلمين وصون مجتمعهم, وليس مكاسب سياسية أو العصرنة والغربنة وجذب الأضواء. بيد أنه ليس هناك مصلحة للمسلمين من زواج المسلمة للكتابي, لأنه لا يوجد عجز في فحولة المسلمين, أو شيوع علاقات اللواط, وزواج المثليين في مجتمعات المسلمين, تؤدي إلي العزوف عن الزواج. كما إن الإسلام يبيح تعدد الزوجات بحيث لن تصبح العنوسة ظاهرة متفشية وعامة - بإستثناء ظرف السودان الحالي, لأنه عابِر.
وقد إجتمع عُلماء السُنة والشيعة - من الخلف والسلف - في تحريم زواج المسلمة للكتابي, بتفاصيل لا يتسع المجال للخوض فيها. ومن الخلف منهم من الشيعة: الشيخ محمد حسين فضل الله والشيخ حسن الصفّار. ومن السنة: الشيخ محمد الغزالي ويوسف القرضاوي, بالإضافة إلي فتاوي الأزهر. ووضّح أولئك العلماء الحكمة من ذلك, وهي أن الكِتابي لا يعترف بديانة الإسلام, وبالتالي, عدم إحترام شعائر زوجته ومقدساتها. بالإضافة إلي القوامة التي تجعل من الكتابي قواماً علي المسلمة, بينما الإسلام يعلو ولا يعلي عليه. ويمكننا أن نضيف إلي ذلك الأعراف والسوابق - التي تُعتبر من المصادر القانونية - وهي تمنع زواج المسلمة من الكتابي.
يقول حسن: "فلا تمنعها أصلاً اّية في كتاب الله فلذلك لا أمنعها بتراكم الأقاويل", ويقول: "فنحن لا بد أن نرجع للاصول الكتاب والسنة." (دنيا الوطن 12\4\2006). أولاً: فهو قد تجاهل الكتاب في وصفه للحور العين, وتحريم الخمر. كما أنه تجاهل السنة عندما أنكر عذاب القبر ورجم الزاني المحصن. ثانياً: لا يعني عدم وجود نص - كما في حالة المُرتد ورجم الزاني المحصن - أن هذه "أقاويل" ولكنها حُدود وأحكام تمّ إستنباطها من القراّن - لمصلحة الإسلام - وليس "الهدف منها جر المرأة للوراء." ولكن "مُجدِّد" القرن الحادي والعشرين أصبح يجادل بالباطل ليدحض به الحق.
وفي رأينا, أن أهل الكتاب والملحدين - الذين يتركون المسلمين في شأنهم - أفضل من المسلمين الذين ينسخون الأحاديث والاّيات. وذلك لأنه لا ضرر ولا ضِرار منهم وأمرهم إلي الله. ولكن نخر الإسلام تحت راية إسلامية أكثر سُوءأ وأشد ضررا, خاصة عندما يصل مرحلة تحليل الحرام وإيذاء الرسول والصحابة, وهو ما لا يستطيع فعله الصهاينة.
ومنذ الحروب الصليبية, وحركة تنصير المسلمين بالقوة في إسبانيا, أدرك أعداء الإسلام جيداً أن أنجع السبل لحربه هي من داخله, خلال بعض المسلمين, الذين لا يحملون من الإسلام إلا أسمائهم كسليمان رشدي, تسنيما البنغلاديشة, هيرسي علي, الصومالية في برلمان هولندا. وطائفة القديانية التي إدّعي مؤسسها - أحمد غلام - أنه رسول, بعد أن إبتدع تفسيراً جديداً ل "خاتم الأنبياء", قائلاً أن معناها زينتهم, وغيرهم. لذا فهم يوفّرون لهم السند والإعلام والمنح الدراسية وكل أنوع الدعم.
وقد إتصف هؤلاء بوقاحة وغباء أكثر من المنافقين في زمن الرسول, لأن المنافقين في أوائل الدعوة إتسموا ببعض الحياء أو السترة, بحيث أن النبي لم يكن ليميّز بعضهم, لأنهم يؤدون صلاتهم في المسجد ويمارسون إسلامهم الظاهري ويكتمون نفاقهم. لذا خاطبه الله قائلاً: "وَمِمّن حَولَكُم مِّنَ الأّعرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِن أَهلِ المدِينَةِ مَرَدُوا عَلَي النِفَاقِ لَا تَعلَمهُمُ نَحنُ نَعلَمُهُم سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَينِ ثُمَّ يُرّدّونَ إلي عَذَابٍ عَظِيمٍ." (101) التوبة
يتبع