أسباب تخلف الأمة

 


 

الطيب مصطفى
22 November, 2009

 

زفرات حرى

 

eltayebmstf@yahoo.com

طلب إليّ عددٌ مقدر من القراء أن أؤجل مقال السبت الدعوي الراتب وأخصص هذا اليوم لتناول بذاءة الإعلام المصري ولكني رأيت أن أسير على ما درجت عليه واعدًا بأن أخصص يوم غدٍ الأحد إن شاء الله لمباراة الجزائر ومصر التي أصابت السودان بجرح غائر أرجو أن أتناول أبعاده على المستويين السياسي والاجتماعي.

أواصل تناول بعض ما انتقاه القرضاوي مما كتبه الغزالي فكتاب الشيخ القرضاوي (الشيخ الغزالي كما عرفته) يتميز بكونه يجمع ما أعجب به القرضاوي من فكر الغزالي لذلك نستطيع أن نقول إنه (خيار من خيار).

في هذا المقال نكتفي بإيراد رؤية الشيخ الغزالى لأسباب تخلف الأمة.

صنف الشيخ الغزالي كتابًا في «سر تأخر العرب والمسلمين» لا أجده أمامي الآن، ولكني وجدت الشيخ في كتاب آخر تحدث بإسهاب عن «أسباب انهيار الحضارة الإسلامية»، وأحسب أنها تصلح أسبابًا لتأخر الأمة أيضًا وتخلفها.

حصر شيخنا الإمام هذه الأسباب في تسعة أساسية، نتحدث عنها إجمالا فيما يلي:

1 ـ سوء الفهم للإسلام، وتقديم ما حقه التأخير، وتأخير ماحقه التقديم، وشيوع خرافات باسم الدين مثل قراءة البخاري عند الأزمات، لا اتخاذ الأسباب وفق السنن، كما حدث في استقدام بعض المشايخ لقراءة البخاري في سفن الأسطول التركي للبركة، فعلق بعض الظرفاء فقال: إن السفن تسير با لبخار لا بالبخاري! وقبل معركة التل الكبير أقام أحمد عرابي باشا حفل ذكر، كي ينصره الله على الإنجليز وكانت النتيجة أن انهزم بعد معركة استغرقت ثلث الساعة!

2 ـ وقوع الخلل الكبير في الثقافة الإسلامية، التي هي الغذاء الفكري والروحي للأمة، والتي تصنع عقولها، وأذواقها وإرادتها.

وهذا سنعرض له بتفصيل في المبحث القادم.

3 ـ جهل المسلمين بالدنيا: وهذا ناشئ عن اختلال الثقافة. يقول الشيخ: قد استطاع ناس كثيرون أن يعرفوا من دراسات الأرض والسماء ما جعل أيديهم باطشة، وأسلحتهم فاتكة، فأين منزلة المسلمين من هؤلاء؟ يقول الشيخ: عندما كنت أقرأ الهجوم الفرنسي على مصر في القرن الثالث عشر للهجرة، كنت أحس طنينًا في دماغي لكثرة ما سُفك من دمائنا دون جدوى. كان الفرسان الشجعان يذوبون أمام المدافع الحديثة، والذخائر الخبيثة، وكانت خبرة الفرنسيين بالحياة وعلومها وكشوفها تساعدهم على التوغل بقدرة، وترغم الأحرار على الفرار أو الموت الرخيص! لماذا جهلنا الحياة وبحوثها على هذا النحو؟ إن العلم الواسع بالدنيا، والقدرة التامة عليها، كانت أمورًا بديهية عند أسلافنا.

4 - انتشار الجبرية فى العالم الإسلامي: فالإنسان مسيّر لا مخير، والمرء لا حول له ولا طول، ولا قدرة ولا إرادة . ومن أين له والقدر يحرِّكه ذات اليمين وذات الشمال برغمه.

كريشة في مهب الريح حائرة ٭ لا تستقر على حال من القلق

فالغنى والفقر، والسعادة والشقاء، والنجاح والفشل، حظوظ مقسومة، وأنصبة مكتوبة، والمكتوب ما منه هروب! وبذلك اهتزت الشخصية المسلمة، وسيطر عليها لون من التسليم والسلبية.

وسبب ذلك فيما يرى الشيخ: علم الكلام، وعلم التصوف، وبعض مفسري القرآن، وشُرّاح السنن، وانضم إلى ذلك ضعف الصلة بين الأسباب والمسببات، وانتشار فكرة الكرامات وخوارق العادات، حتى كادت تبطل السنن الإلهية التي أقام الله عليها هذا الكون.

5 ـ تقاليد الرياء في المجتمعات الإسلامية: فقد كان السلف أسلم الناس فطرة وأصفاهم طبيعة. جعلوا الله ورضوانه غايتهم، والرسول أسوتهم، فيما يفعلون ويتركون.

أما مسلمو العصور الأخيرة، فقد استحدثوا في حياتهم تقاليد كثيرة، تقوم على التكلف والتزويق والتظاهر الزائف، وتبتعد عن فطرة الإسلام السمحة السهلة، لما تأيمت حفصة بنت عمر لم ير الأب غضاضة في أن يفاتح صديقه أبابكر في الزواج منها، وكذلك عثمان، بحكم عاطفة الأبوة.

واليوم وقبل اليوم يجيء الخُطاب للبنات فيرفضهم الآباد. لا لشيء إلا تحكيم تقاليد بالية، يُرفض فيها من يُرضى دينه وخلقه، وتغلق البيوت على عوانس كثيرات بائسات يائسات! إن الربا شرك. وهذا الشرك سيطر على أعراف وعادات جعلت المسلمين يرقب بعضهم بعضًا ويتقي بعضًا. وجعلت الرجل - باسم كرامته أو كرامة الأسرة التي ينحدر منها - يعيش طول عمره وفق أوضاع وقيود من صنع الاستعلاء والتزمُّت.

إن الأمة المسلمة في القرون الأخيرة جمعت الكثير من الجاهليات في مسالكها الخاصة والعامة: في نفقاتها، في صداقاتها، في أحزانها وأفراحها، في علاقاتها بحكامها، ولم تكن تفسيرًا عمليًا لأحكام الإسلام وحدوده، وفطرته وسماحته.

6ـ وضع المرأة في عصور الضعف: مُنعت المرأة من التعليم بناء على حديث مكذوب (لا تعلموهن الكتاب) وآخر واهٍ جدًا (ألا ترى رجلاً ولا يراها رجلٌ).

وحُرمت من الذهاب إلى المسجد بناء على مرويات أُخر، تخالف المتواتر والصحيح من السنن، فأقفرت منهنّ بيوت الله، وانقطعت من التوجيه الديني، فلا قرآن ولا حديث ولا فقه.. وبذلك أصبحت المرأة المسلمة دون غيرها من نساء العالم أقل ارتباطًا بالدين، واتصالاً بالمجتمع، فاضطرب حبل التربية في العالم الإسلامي اضطرابًا شديدًا.

7 ـ ذبول الأدب العربي: فعندما ضعف المسلمون أصاب ملكاتهم الأدبية ضمور شائن، فانحطّ الشعر والنثر، وقلّ الأدباء المصورون. كما قلَّ المؤلفون والمفكرون.

ونظرة إلى الأدب ورجاله منذ القرن السادس تجعلنا نشعر بهذه الحقيقة.. وانكمش الأدب شعرًا ونثرًا انكماشًا يثير الاشمئزاز.

8 ـ سياسة المال في المجتمع: فقد اضطربت سياسة المال، وساء تداولها في المجتمع الإسلامي، ونشأ عن ذلك فقر مدقع، وترف مفسد. ورغم أن الإسلام هو أول من سيَّر الجيوش لأخذ حقوق الفقراء من الأغنياء الباخلين، فإن أغلب الحكام لم يهتم بهذا الجانب، وتعرضت جماهير الفقراء لضيم كبير، كما انتشرت الرشوة ـ وخصوصًا بين الكبار ـ برغم لعن النبي صلى الله عليه وسلم للراشي والمرتشي، وانتشرت البطالة الصريحة والمقنعة، وامتلأ العالم الإسلامي بالطاعمين الكاسين من فضول أموال، لا يُدرى كيف نبتت اصولها. وقد تحدثنا عن هذا الموضوع في مبحث خاص.

9 ـ الفساد السياسي ـ ففي الحديث (إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة) وما وسد الأمر إلى أهله وما حاول الذين وسد إليهم الأمر أن يرتفعوا إلى مستواه ولا قنعوا ماديًا وأدبيًا بالعيش في نطاقه المحدود.

أهملت الشورى في الحكم، مع أن الإسلام قرر أن المجتمع يقوم على التناصح، والتواصي بالحق، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والتعاون على الخير، ورفض الإعجاب بالرأي، والافتيات على الجماعة، كما بدا العجز الإداري للدولة عجزًا فاضحًا. وفقدت الأجهزة المسؤولة عن الدعوة في الداخل والخارج، فلم يحدث أن انعقد مؤتمر يبحث عن أسباب سقوط القدس، أو بغداد أو الأندلس، ويأخذ العبرة منها للمستقبل ومع الغفلة عاشت ـ داخل الكيان الإسلامي ـ فرقٌ دينية أبطنت الخيانة والمروق، وظلت تنتظر الفرصة لضرب الإسلام وطعْن أمته في ظهرها.. وقد تحركت هذه في زحف الاستعمار وكانت له عونًا على الأمة الغافلة.

 

آراء