عثمان ميرغني والسباحة في بحر نضب ماؤه
1 December, 2009
mohammed shoush [mi_shoush@hotmail.com]
شاء حسن حظي عندما كنت اكتب عمود " علامات استفهام" في "الرأي العام" ان أشارك الأخ العزيز جدا عثمان ميرغني في حجرة واسعة أعدتها الصحيفة لكتابها . ويحمد "للرأي العام" أنها احدي الصحف القليلة التي تهتم بكتابها وتشاركهم القليل حين ينضب معينها ولا يبخل عليك محاسبها بابتسامة عذبة اذا عز المال أو تأخر .
أكثر ما يميز الأخ عثمان أنه كاتب جاد لا يري في مقاله اليومي مجرد تسويد الجانب الأيمن من الصحيفة بل كان يري في تلك الزاوية التي يحتلها رسالة مقدسة لخدمة ابناء شعبه الذين كانوا يتحلقون حوله يحملون اليه مشاكلهم ومعاناتهم وشكواهم فكان ينفخ فيها من روحه لتتحول الي "حديث المدينة" كلها . وما كان الذي يكتبه عثمان ميرغني حديث مدينة بل هو حديث يتعدي حدود المدينة الي اطراف القطر المترامي الاطراف .
وجذبته القيادة السياسية وترك شأنه وانشغل بشأن غيره، وأرتقي اليه مرتقي صعبا من منطلق الضيق بالموجود وطلب الخلاص منه تحت شعار "كفاية" تيمنا بنور مصر وكان اسعد حالا من نور الذي كان ينحت في صخر هرم ظل يتحدي الزمن عبر القرون. ولو كان في السودان لهدموه . بينما كان عثمان يرسم خطوطه في نهر جار تسهل عليه الكتابة كما يسهل محوها وبدل الحبر تنسم رائحة البارود والقنابل المسيلة للدموع .
وشعار " كفاية " في السودان يسري كما يسري الدم في العروق : فهذه قبيلة من القوم لا تطيق التطويل ولا تصبر علي حاكم تصحو اليوم التالي وتراه . ولا تصدق الحديث عن ثورة شهر كذا وكذا وانما هو ضيق يتلاشي متى حدث التغيير لا سياسة ولا خطة بعده . وقد اخبر رجل زوجته بنية الزواج فقالت معاتبة: ابعد عشرة اربعين عاما؟ قال: والله ليس لك ذنب غير هذه الاربعين عاما . ويحكون ان الناظر " ابو سن " قد اخبر المفتش البريطاني عن احد الموظفين المحليين فوصفه بدماثة الخلق وحسن المعشر ولكنه " طوّل" وفهم المفتش وقرر نقله . فهم عثمان كل ذلك بحاسته الصحفية ولكنه لم يدرك ان السودان يريد التغيير ولكنه لا يملك ارادة التغيير. وصرخ الشارع معه ولكنه لم يتحرك معه خطوة واحدة وعاد عثمان سيرته الأولي .
ولكنه سرعان ما ضاق بعباءة "الرأي العام" وأراد ان يكون صحفيا مساهما في "السوداني" ثم ضاق بالأمر بعدئذ واراد ان يركب موجة الناشرين واصحاب الامتياز الذين بلغ عددهم اكثر من خمسين ناشرا ويزيدون كل يوم في ظاهرة تتحدي كل منطق وكل نظرية ، وفي بحر غاض ماؤه وتحول الي برك عجفاء واخذ معه الأخ الصديق البوني في تيار لا يدري احد ان كان يجري يمينا أو يسارا . وكنت قد رشحت الاثنين لجائزة الصحافة العربية . في مادة احسن " عمود صحفي " قبل ان ادرك ان الامر محسوم مسبقا للاستاذ سمير عطاالله الذي يكتب يوميا مقالا فاترا في صحيفة "الشرق الأوسط" احدي قطط "نادي دبي" المدللة" .
وجئت الخرطوم لأري ماذا فعل الله بهذه التحفة التي استحقت تضحية الاخوين بعد ان لفظت الي الوجود اكثر من مئة عدد بالتمام والكمال. وليعذرني الأخوان ان اقول في صراحة وتجرد انني لم أجد في الصحيفة ما يميزها عن غيرها من الصحف . وانكي من ذلك وأعظم أن العدد الصادر في ثالث أيام العيد يحمل عنوانين رئيسين يحتلان ربع الصفحة الأولي بعد ان ابتلع إعلان تجاري ثلاثة أرباع الصفحة الأولي . احد الخبرين يحدثنا بالبنط الأحمر العريض عن تشكيك الحكومة الامريكية في نزاهة الانتخابات . والانتخابات القادمة "رضينا ام ابينا" هي السد الذي يقف بين السودان والفوضي العارمة ، واي تشكيك فيها بلا سند قانوني واضح يسبب شرخا في هذا السد ويعتبر دعوة للفتنة والخراب . ولابد ان عثمان ميرغني يدرك ذلك ويعرف اين تقع مسؤوليته وثقتي فيه أيضا انه يدرك تماما نوايا الحكومة الامريكية التي لم تترك بوقا لإثارة الذعر إلا نفخت فيه .
والخبر الثاني تصريح متهافت لـ الور . وبغض النظر عن تفاهته فقد نشرته صحيفة "الرأي العام" في عدد الخميس 26/11 أي قبل ثلاثة ايام وهي في عمر الصحافة دهر .
أرجو ان لا يمنعني ذلك أو يقلل من حرارة تهنئتي للأخوين العزيزين وتمنياتي لهما بالسباحة الحاذقة مع أو ضد التيار .