مسيرات الإثنين ما خفي (….) ! … بقلم: ضياء الدين بلال

 


 

 

العين الثالثة

 

diaabilal@hotmail.com

اذاً هى دعوة للنظر الى النصف الممتلئ من الكوب .. بغض الطرف عن حالة الاستقطاب الحاد الذي فرضته الدعوة للمسيرات وتعامل السلطات معها.. والخسائر المتبادلة ،المشهد لا يخلو من إيجابيات..يجب النظر اليها بعين الاعتبار..اولها ان ما تم جاء بلا خسائر في الارواح.

المظاهرات في السودان في كل العهود الديمقراطية والشمولية شهدت ضحايا من المتظاهرين وخسائر في الممتلكات.

يبدو ان هناك وعياً متبادلاً.. جعل المتظاهرين يتحركون في حدود التعبير عبر الوسائل السلمية لا تكسير ولا حرق.

وجعل الشرطة تتعامل بصورة أقل عنفاً وقمعاً عن تجارب سابقة لها تمت في بورتسودان  والمناصير وكجبار.

مشاركة حركة التحرير بقيادة مني اركو مناوي تطور مهم.  إذ أن الحركة عبرت عن احتجاجها بالتظاهر من قلب الخرطوم. لا بالعودة المسلحة لكرنوي. أو بتكرار احداث المهندسين.

هذه اول مظاهرة تتقدمها القيادات السياسية.. في السابق كان الطلاب والشباب والشماشة هم ثقاب الاحتجاج وضحاياه..!!

على الشرطة ان تطور أساليبها في التعامل مع الاحداث على قدر ما تمثل من تهديد ..فبين التهاون في احداث رحيل جون قرنق والتهور في احداث كجبار..مساحة للتقدير السليم الذي لا ينتج حسرة ولا يراكم غيظاً.

الامريكان يقولون : (تحدث حديثاً ناعماً وأنت تحمل في يدك عصاة غليظة)..!

فقوة السلطات الامنية تتم بالمقدرة على السيطرة لا المقدرة على المنع والقمع.

قد تأكد تماماً ان الخطأ الاساسي الذي وقع فيه تحالف المعارضة، وهو يدعو لتنظيم مسيرات احتجاجية ضد المؤتمر الوطني، ان التحالف لم يضع هدفاً محدداً يراد انجازه عبر المسيرات.

فضبابية الهدف حدّت من استقطاب الجماهير. واقتصرت المشاركين على الناشطين سياسياً فقط..فاذا كانت الحركة تريد من المسيرة الضغط لانجاز القوانين- وقد تحقق لها ذلك- فان الترابي يريدها ثورة تطيح بالحاكمين وقوانينهم ليعاد توزيع (الاوراق) من جديد.

وحديث الفريق سلفاكير عن السرج الواحد الذي يحملهما مع الوطني هو أكبر ضربة يتلقاها مشروع المسيرة قبل ان يحاصرها البمبان وتطاردها الخراطيش السوداء.

يصعب تصور ان سلطات ما  مهما كانت مثاليتها يمكن ان تمنح تصديقاً بتنظيم مسيرة هدفها المعلن اسقاط نظام الحكم القائم بكل مؤسساته وقلب الصفحة لاستئناف بداية جديدة من منتصف السطر.

كان من المأمول فيه ان تكون اتفاقية نيفاشا هى الثابت الذي على قاعدته يتم التغيير وفق اداة الانتخابات.. فبالتالي  تصبح الدعوة لمسيرات تحت المظلة الشرعية لنيفاشا أمراً مقبولاً يفرض على الحكومة الاستجابة او الوقوع في الحرج.

 على حسب ما تكشّف اخيراً  فأن صعود شعار اسقاط نظام الحكم، كهدف للمسيرة، باعادة انتاج اكتوبر وابريل..منح تقديرات السلطات الامنية اسبقية على التقدير السياسي  الذي كان يرى السماح للمسيرة بإكمال مشوارها الاحتجاجي.

يجب تبادل ضمانات بين الحكومة والمعارضة على حدود ميدان الممارسة السياسية وعلى قواعد اللعبة وعلى التغيير عبر صناديق الاقتراع لا صناديق الذخيرة وثورات الشغب.

في احدى الدول الاوربية  تم الاحتجاج على الحكومة باطفاء الانوار فاستجابت لمطالب المعارضة خلال ثلاثة أيام تحت ضغط الظلام.

وفي الثورة المخملية بأوكرانيا تم الاحتجاج على نتائج الانتخابات بإيقاد الشموع.

 وفي دولة أخرى اسقطت حكومة بالقرع على الأوانى المنزلية.

 

اذا تمت تنقية الاجواء من ثاني أكسيد السياسة وتم التأمين على قاعدة ارتكاز ثابتة..سيصبح الاحتجاج بالوسائل السلمية المعبرة أكثر خطورة على الحكومات  من النيران الثقيلة.

 

آراء