الوجه المظلم للشخصيه والثقافه السودانية
29 December, 2009
- بمنــاسبـة 30 يـونيو 1989-
نشر 2003
د- عبـدالســلام نـورالـدين- المملكة المتحدة
Email: A.S.Hamad@exeter.ac.uk
وللثقــافــة والشخصيــة الســودانيــة وجههــا المظـلم أيضــا، ويبـدو إن الجبهـه الإســلاميــه الـتي أخضعــت بحـد العنـف أحاسيس الناس واحاديثهم فى حياتهم الخاصة والعامة والازياء التى يرتدونها والأشربة التى يستمتعون بأحتسائها ، والاغاني التى يطربون لدى سماعها واللغات التى يفكرون بها. وعـلاقة الأنســان بـربه، وذاتـه، في الســودان لمشيئة جهــاز دولتـها وليهيمنتــها الحــزبيه التي كــادت أن تكــون مطلقه منـذ إستيـلائهـا على مقــاليد السلــطه السيــاسية في الثلاثين من يونيو عام 1989 تجسد ذلك الـوجـه المظـلم للشخصيــه والثقــافه الســودانيـة. لقد ظلت الجبهة القومية الاسلامية ومنذ نشأتها الاولى تقطرأ وتجسدأ لتكلسات وطفيليات وافرازات العجز والرغبة فى التقدم الى الخلف فى الشخصية والثقافة السودانية "وبتلك المؤهلات" قد تيسر للجبهة القومية الاسلامية ان تتعرف على ذاتها.في كل بـؤر الهشـاشه، والعـزله، وأورام التحيــز، والعــرقيـه، والحقــد المبثــوثه في الجســد الســوداني عبــر التــاريخ سيمــا بعــد أن أضحى الأستـرقاق على عهــد التركيه-المصـريه هدفا لما اطلق عليه فتحاh
ثم فوضى الجهــديه وتنــاحرات ابنــاء الغـرب والبلد فى المهدية وما خلفته ترسبات عقلية"فرق تسد" البريطانية ، وسياسات التسيب والنهب الاقتصادي لكل الاقاليم على يد الجلابة وهوس الاستئثار والانفراد بالسلطة بعــد أن آل كـل السـًودان إلـى أحفــاد الـزبيـر بـاشــا رحمـه بعــد الإستقــلال .
عمـلت الجبهــه الإســلاميــة بدأب وبصبر وتقصد لا نظير له على جمــع كـل تلك الســًوءات وتصنيفهــا وترتيبهــا، وإعــادة بنــائهــا وإنتـاجهــا وبرمجتهــا لتكــون دليلهـا السيـاسي فـي العمــل إلى جـانب المـآزق والأزمــات التي تفجــرهــا لتعينــها على إدارة دفـه الحـكم فـي البـلاد. ولـم تـذهـب الجبهـه الإســلاميـه ألتـي أضحت أجهــزه للأمـن ومـجـالـسً للتشــريـع ومــؤسسـات للتـرويـع بعيــدا حينمــا أعلنــت مراراً وتكـراراً إنهــا تحكم الســودان بأخــلاقه وقيمــه وتراثـه وكــان عليهــا أن تضيف كلمــه واحــده لاغيــر ليستقيــم المقــال مـع حالها فتقــول: إن الجبهــه الإسلاميه تحكــم الســودان بقيمـه وأخـلاقه وتـراثـه المظــلم.
-2-
قــد يشفى ويسًــهم في الهــروب من مــواجهـة النفـس والتــاريخ وان كان لا يجدى أن يقــال ان كــابوسً 30 يونيـو لا يمـت الى الشخصية الســودانيــه وثقــافاتهــا بصــله تمــاما كمــا لا يمــت الغـول فى الاحــاجى السًــودانيـه إلى فــاطمـه السًمحــه بـواشجــه، وأن تربص بهــا الـدوائـر وطــاردهــا بكـل الأحـاييل لتستــقر فـي حفــائر معــدته الـتى لا تسكــن ولا تشبـع أبـداً- ونسـى عشــاق الهــروب مـن الذات ان الغول الـذي مـافتىء يتشــكل لفــاطمــه السمحـه بكــل الصـور والمبــاهج والمغريات الــتي يمكن أن تـروق لفــاطمــه ابتداءا من الشجــرة المـورقه التـي تتسلقــهــا والـدابه التـي تمتطيهــا والنخلـه المثمــرة التــي تنتظــر هــزهــا فتســاقط على أطــرافهــا وانتهاءا بالعنز الحــلوب التي تنتظــرها في الصبــاح كل ذلك لـم يك سًـوى الوجـه الآخــر للشــر الكــامن في بيئــه وعــالم فاطمــه السًمحــه الـداخلي لـذلك كــان لزاما على ود النميــر أن لا يكتفــي بحز رأس الغول بل كان يتوجب عليه إستئصال الارواح السبع للغول من جذورها.
-3-
وشعــب السًــودان ليًس إستثنـــاءٍ فــريداً حينمــا يوثق ويغــل بتلابيب وقمصــان ثقــافته ليكن اسيرأ فيجلس على أكتافه المقعد مدفوعا خلف الأعمى لتحقيق مــآرب المقعد فى التاريخ والأعمـى في الجغــرافيــا فتــذهب السنيـن من عمـره الثميـن هـدراً في تيهــاء الظلمــات.
تقـدم لنـا المـانيـا بتـاريخهــا العريق وشعبهــا الحيـوي وثقــافتهــا وفكرهــا المشــرق الذي صــاغه ليبنـز، وعمـانويـل كانت، وفختـه وشيــلر وغـوته وهيــدرلين وهيجــل ومــاركس- وأسمــاء أخــرى وضيئه في الرياضــيات والعلــوم والموسيقى والتصــوير- نمــوذجاً شــروداً لشعب يؤتى من مأمنه حينمــا تتسًـلل إلى روحـه وعقلــه النـازيه من بـوابته الخلفيــه عبـر"تراث العرقيـه" التـي تهب منهـا كل الرياح الفاسدة فتصور له الحيوية التى يتمتع بها حينما يعمل وينتج بحسبانها خاصية جرمانية ارية ذات جذور بايولوجية ، وأن عليه أن يمشى بهذه العرقية حتى النهاية ليقود البشرية ويسودها. ولكن الذى حدث بالفعل أن قادت النازية كل العالم الى محرقة الحرب والدمار وعلى نفس الخطى تمشي أقدام 30 يونيو وترفع نفس الرايات والشعارات مع مراعاة شروط الاعلال والابدال والتمويه.
واذا كانت النازية قد اباحت لنفسها تحت ستار الامتياز العرقي للشعب الجرماني الاري ان تخرج على كل التراث المضىء للبشرية – فإن دولة الجبهة القومية قد استمدت من الدين – الذى تحول الىمجرد شعار لها - شرعية تعتصم بها فى وجه كل من ينتقدونها وتتحلل بتلك الشرعية من كل الالتزامات والمواثيق الدولية التى ترعى حقوق الانسان ومن كل القوانين والشرائع وعلى رأسها الاسلام نفسه.
د. عبدالسلام نورالدين