(واتر غيت) السودانية فضيحة
12 January, 2010
من واشنطن للخرطوم
fataharman@yahoo.com
يقول الشاعر الفذ أحمد فؤاد مطر في قصيدته (أمير المخبرين)
تهتُ عنْ بيتِ صديقي
فسألتُ العابرين
قيلَ لي امشِ يَساراً
سترى خلفكَ بعضَ المخبرينْ
حِدْ لدى أولهمْ
سوفَ تُلاقي مُخبراً
يَعملُ في نصبِ كمينْ
اتَّجِهْ للمخبرِ البادي أمامَ المخبرِ الكامنِ
واحسبْ سبعة، ثم توقفْ
تجدِ البيتَ وراءَ المخبرِ الثامنِ
في أقصى اليمينْ
سلَّم اللهُ أميرَ المخبرينْ
فلقدْ أتخمَ بالأمنِ بلادَ المسلمينْ
أيها النّاسُ اطمئنوا
هذه أبوابكمْ محروسة في كلِّ حينْ
فادخلوها بسلامٍ آمنينْ
في السابع والعشرين من شهر ديسمبر من العام الماضي نشرت صحيفتنا (أجراس الحرية) وثيقة موجهة من المؤتمر الوطني لشركات الإتصالات تطلب منهم التجسس على النائب الأول لرئيس الجمهورية و رئيس حكومة الجنوب، ووزير الخارجية، بالإضافة الي وزاء اخرين الي جانب بعض قادة حزب الحركة الشعبية.
وفي حالة شبيهة بفضيحة (واتر غيت) التي حدثت في 17 يونيو 1972م عندما زرع الرئيس الأسبق، ريتشارد نيكسون جواسيس للتنصت على قادة الحزب الديمقراطي الذين كانوا يجتمون في مجمع (واتر غيت) السكني في قلب العاصمة واشنطن. وكان لـصحيفة (الواشنطن بوست) الفضل في الكشف عن تلك الفضيحة التي أدت في نهاية المطاف لإستقالة الرئيس نيكسون عن منصبه في خطوة إستباقية لقرار نواب الكونغرس الذين كانوا ينون إجباره على التنحي عن كرسي الحكم. ولم تقف القصة عند ذلك الحد بل تمت ملاحقة نيكسون قضائياً، ولو لا تدخل الرئيس، جيرالد فورد الذى أصدر عفواً رئاسياً بحق الأول لكان قابعاً في السجن حتي الساعة.
نعود الي الوثيقة التي ارسلها المؤتمر الوطني الي شركات الإتصالات للتجسس على قيادات الحركة الشعبية، وهي بالطبع وثيقة تكشف إستهتار المؤتمر الوطني بالدستور الذى يعد الوثيقة الأعلي للبلاد، وهو دستور صاغه المؤتمر الوطني بنسبة 52% كما جاء في إتفاقية السلام الشامل. و ينص دستور السودان الإنتقالي في المادة (37) التي تتعلق بالخصوصية على عدم إنتهاك الحياة الخاصة لاى مواطن الا بأمر قضائي، والقضاة في بلدنا يتم تعينهم من قبل المؤتمر الوطني، وبل معظمهم أعضاء في المؤتمر الوطني!.
والامر أسوأ مما جاء في رواية الكاتب العظيم، جمال القيطاني
(الزيني بركات) التي تحكي عن بركات بن موسي، كبير البصاصين في بلد الآلف مئذنة، الذى أنشأ جيش من البصاصين لمعرفة دبة النملة السوداء في ليل القاهرة الشماء. حيث تم إعطاء كل شخص رقماً خاصاً، و أصبح له/ها ملفاً خاصاً لدى كبير البصاصين منذ الميلاد الي ساعة الوفاة، وتمكن بركات من معرفة اسرار المدينة و أهواء وطموحات ومكامن الضعف عند كل شخص بفضل جيش الجواسيس الذين يدفع لهم من بيت مال المسلمين، وأصبح عبئاً آخر على المواطن فوق عبء المماليك.
صحيح، أن المؤتمر الوطني نفي على لسان القادم الجديد الأستاذ، فتحي شيلا ان يكون للمؤتمر الوطني علاقة بهذا الأمر في الوقت الذى لاذ فيه بالصمت كبير البصاصين الفريق محمد عطا جاد المولي، رئيس جهاز الأمن و المخابرات الوطني، وهو المعني بهذا الأمر خصوصاً انه يتولي أمر (البصاصة) في عموم السودان. على كل، الأمر لم يكن مفآجاة لنا خصوصاً بان كل من التقيتهم من قادة حزب الحركة الشعبية واحزاب المعارضة يتحدثون عن هذا الأمر. بل حتي الصحفيين لم يسلموا من مراقبة هواتفهم الجوالة، وتاكد لي هذا الأمر عند زيارتي قبل الأخيرة للوطن في مايو من العام الماضي عندما كنت في إنتظار زميلة –صحفية- في مقهي الفندق الذى كنت مقيماً فيه لحضور مؤتمر الإعلاميين. تأخرت تلك الزميلة عن الموعد المضروب كثيراً وعندما حاولت الإتصال بها وجدت هاتفها مغلقاً، وبعد مضي اكثر من ثلاث ساعات اتت إلي في الفندق للإعتذار عن التأخير
و كان بادياً عليها الإضطراب، عندما سألتها عن الأمر، اجابت: تم إستدعائي من قبل جهاز الأمن، قلت: عملت شنو؟ فردت: آبداً، إتصل بي (...) من قناة (...) الفضائية يريد إجراء حوار مع شقيقة (...) أحد قادة الحركات المسلحة، وطلبوا مني عدم توصيل تلك القناة بالمرأة المعنية. أصبت بالصدمة في تلك اللحظة، ليس لعدم علمي بتجسس (الجهاز) على العاملين في الحقل الصحفي ولكن لم أستطع فهم خوف نظام ملك من أدوات القمع،القتل،السحل
و الحرق ما لم يمتلكه النازى هتلر، وكيف لنظام جلس على سدة الحكم لعقدين من الزمان أن يخشي من مجرد حوار تلفزيوني مع إمراة من غمار الناس؟!.
جاء رد فعل الحركة الشعبية بتصعيد الأمر عبر القنوات القانونية! وهذا أمر افضل منه أن يشكو المؤتمر الوطني لربه، لأن المؤتمر الوطني هو القضاء و العكس صحيح. وكان الأجدى للحركة الشعبية أن لا تسمح للمؤتمر الوطني بتمرير قانون الأمن الوطني امام ناظريها في البرلمان- هذا على الرغم من علمنا أن المؤتمر الوطني سوف يتجسس على الناس بقانون او بغيره-، لكن كان عليهم أن ينسحبوا مع كتلة التجمع الوطني الديمقراطي
و باقي الكتل الأخرى وليتركوا المؤتمر الوطني يجيز القانون وحيداً كما فعلوا في قانون الإستفتاء الذى عاد أدراجه مرة أخرى للبرلمان تحت الضغط للبصم عليه- وهو ما حدث بالفعل-، فيما عدا النائب ابو سبيب، رئيس كتلة التجمع في البرلمان الذى رفض البصم على القانون مرتين..!! لكن الحركة الشعبية لم تعر الموضوع الإهتمام المستحق، لذلك لن يُراقب المؤتمر الوطني أسلاك الهواتف فحسب بل سوف يحصي أنفاس العباد من أجل البقاء في السلطة إلي أن يقضي الله امراً كان مفعولاً.