الحركة الشعبية تصوت لصالح الانفصال
16 January, 2010
خرج اجتماع المكتب السياسي للحركة الشعبية لتحرير السودان الذي انعقد في قاعة ( هوم اون واي) بجوبا ، خرج بنتائج واضحة لا لبس فيها و لا تقبل التأويل. اول تلك النتائج هي ان الحركة قد صوتت فعلا لانفصال الجنوب عن الشمال الذي لم يعد الا مسالة وقت ليس الا. بهذا الشكل عمدت الحركة الي ترتيب بيتها من الداخل و الاستعداد للاستفتاء علي ( الانفصال) و وضع اللمسات الضرورية لبناء الدولة المنتظرة بعد يناير 2011م. اهم الدلالات علي ذلك هي عدم المغامرة بترشيح الفريق اول سلفا كير ميارديت لرئاسة الجمهورية كمنافس قوي للمشير المتقاعد عمر البشير مفضلة بذلك الاحتفاظ لرئيسها ( الحركة ) برئاسة الجنوب ، منصب النائب الاول لرئيس الجمهورية خلال ما تبقي من زمن حتي تاريخ الاستفتاء علي تقرير المصير ( المقرر سلفا ) و الاحتفاظ بقيادة سلفا للجيش الشعبي. بذلك دفعت الحركة بالقائد ياسر عرمان كمرشح لها لرئاسة الجمهورية. لا يمكن لاي عاقل ان يتصور بان الحركة الشعبية قد وصلت الي درجة من الديمقراطية تأهلها للقبول برجل شمالي برتبة لواء بالمعاش لان يصبح رئيسا للسودان و ان يأتي الفريق اول سلفا كير رئيس حكومة الجنوب و قائد الجيش الشعبي لتحرير السودان و رئيس الحركة ، كنائب له. يمكن الاستنتاج من كل ذلك بان الحركة تدرك بانها لا تمثل منافسا جديا لمرشح المؤتمر الوطني في الفوز بمنصب رئيس الجمهورية لعدد كبير من الأسباب لا تكل الحركة عن ترديدها يوميا و منها ما ظلت تردده مع مجموعة احزاب المعارضة التي شاركت في مؤتمر جوبا. بهذا الشكل قررت الحركة التخلص من ذلك العبء و التخلي عن رئاسة السودان و عن احزاب المعارضة الشمالية و التفرغ لما يليها من قضايا هي الاهم في تقديرها مثل : الفوز بغالبية كاسحة في الجنوب و حصد اكبر قدر من المقاعد في جنوب كردفان و جنوب النيل الازرق باعتبارها مناطق نفوذ مهمة للحركة و تنتظرهما مشورة شعبية متزامنة مع الاستفتاء في الجنوب و ابيي.
الرأي اعلاه لم يأتي من فراغ و انما تم استنتاجه من تصريحات مسئولي الحركة نفسها مباشرة بعد اجتماع المكتب السياسي للحركة الذي انتهي بترشيح القائد ياسر عرمان لمنصب رئيس جمهورية السودان. تلك التصريحات جاءت حاملة شرطا معينا لوحدة السودان او حتي لمرور الانفصال بشكل سلس ذلك الشرط هو: فوز القائد ياسر عرمان برئاسة الجمهورية. يقول السيد باقان اموم الامين العام للحركة الشعبية ، حسب اجراس الحرية ، العدد 583 ، بتاريخ 16 يناير 2010م " ان هدف الحركة هو كيف يحكم السودان لا من يحكم السودان .... و نوه الي ان فوز عرمان سيعطي الجنوب منصب النائب الاول و بقاء الحركة في الرئاسة و هو ما يساعد في عملية التنفيذ و عبور مرحلة تقرير المصير يسلام و سلاسة و جعل الوحدة هي الخيار الأقرب ، و اذا حصل الانفصال فسيتم بطريقة سلسة و يجنبنا المواجهات و يمكننا من الحوار من جديد حول مستقبل السودان " . هل هناك كلام اوضح من هذا؟ . بهذا الشكل يريد السيد الامين العاام للحركة الشعبية السودان كاملا غير منقوص في يديه ، بشماله و جنوبه بل بدولتيه و بعد ذلك يمكنه ان يتفاوض من جديد حول " مستقبل السودان " ، في مقابل ذلك و في حالة عدم فوز مرشح الحركة برئاسة الجمهورية ( التي قررت الحركة الانفصال عنها ) ، فان الانفصال لن يتم بسلاسة و ستكون هناك مواجهات و لا يمكن التفاوض حول مستقبل السودان. لقد فهمت التصريح بهذا الشكل نسبة لوضوحه و مباشرته التي لم تجعلني في حاجة لمزيد من الشرح.
بالرغم من كل ذلك فلا بأس من الوقوف علي اراء اخري لقادة الحركة. يقول السيد ين ماثيو الناطق باسم الحركة " ترشيح عرمان يعني التزامنا ببرنامج السودان الجديد و وحدته و من اراد الوحدة بحق و حقيقة فليدعم عرمان " الاحداث ، العدد 801 ، 16 يناير 2010م ، بهذا الشكل يزداد الامر وضوحا ( من اراد الوحدة بحق و حقيقة فليصوت لعرمان ). في هذه الحالة علي احزاب مؤتمر جوبا اذا ارادت الوحدة التصويت لصالح عرمان ، خاصة و ان الحركة الشعبية قد أعلنت بشكل صريح انها لن تتحالف ايضا مع المؤتمر الوطني حسب ما ذكره السيد ماثيو و الذي " استبعد بشدة إمكانية تحالف الحركة مع المؤتمر الوطني في الانتخابات المقبلة و دعا المؤتمر الوطني اذا اراد التحالف مع الحركة الي اعتماد برنامج السودان الجديد " اجراس الحرية ، نفس العدد. بهذا الشكل فان الحركة لن تتحالف مع أي حزب شمالي فيما يتصل بمنصب رئيس الجمهورية علي الاقل. نضيف ، زيادة في التأكيد ما جاء في صحيفة الأحداث بنفس عددها في يوم 16 يناير ، " تقول القيادية بفريق ياسر عرمان الانتخابي تغريد عووضه ( انهم اكملوا كافة الاستعدادات لتدشين حملتهم الانتخابية لكسب المعركة التي وصفتها بالحاسمة لمستقبل السودان و قالت للأحداث ، الاستفتاء الحقيقي في ابريل و من يريد وحدة السودان بحق فليصوت لعرمان و من يريد تقسيم هذا الوطن عليه ان يعطي صوته للآخرين) " . أي خيار ترك لاحزاب المعارضة المتحالفة مع الحركة الشعبية؟ و أي خيار ترك للناخب ليمارس حقه الديمقراطي في الاقتراع دون تهديد بالحرب او تفتيت الوطن؟ اذا كانت احزاب المعارضة حائرة حتي الان بين خوض الانتخابات او مقاطعتها و اذا كانت لم تستطع ان تحقق أي من شروطها التي وضعتها لضمان نزاهة الانتخابات ، و هي شروط اصبحت معلومة للجميع و اذا كانت حائرة بين المؤتمر الوطني و الحركة الشعبية و هما يمليان عليها كل يوم شروط جديدة ، فهي اذن معارضة لا يرجي منها و هي عبارة عن جسد ( جته) بلا رأس.
السؤال هو : ما الذي يجري في السودان؟ هل ما يحدث يمكن ان يسمي سياسة؟ لماذا يسود عدم المنطق في حالتي الحرب و السلام ؟ و في حالتي الديكتاتورية و التحول الديمقراطي؟ كيف يمكن لعدد كبير من الناخبين الذين لا ينتمون للحركة الشعبية و لا للمؤتمر الوطني ان يقتنعوا بالتصويت لاي منهما تحت التهديد و الوعيد و التلويح بالوطن كآنية من الفخار يمكن ان تلقي في أي لحظة لتتناثر الي قطع لا يستطيع أي شخص أن يتنبأ بعددها؟ المهم في الامر ان كل من المؤتمر الوطني و الحركة االشعبية قد حسما امرهما و تبقي لنا ان نسمع من احزاب المعارضة و نفهم منها كما فهمنا من شريكي نيفاشا. يمكن اعتبار ما صرح به قادة الحركة الشعبية بعد انتهاء اجتماع المكتب السياسي و بعد اعتماد القائد ياسر عرمان لرئاسة الجمهورية تصويتا صريحا لصالح الانفصال و هذا مؤشر سيء حتي لحملة الحركة الشعبية. هذا المؤشر يمكنه ان يفسد الكثير من ايجابيات ترشيح ياسر عرمان الذي يعتبر شخصية قوية متميزة ذات حنكة سياسية نادرة وسط قادة اليوم السياسيين ، إضافة لكونه مناضلا صلبا قوي الإرادة لا تلين له قناة ، اضافة للشعبية التي يتمتع بها في جميع اقاليم السودان بشكل لا يتوفر الا لقلة قليلة من القادة السياسي. مع ذلك فان ياسر عرمان هو رجل سياسة و ليس نبيا او منقذا اجتماعيا حتي يصاحب ترشيحه بمثل تلك الشروط القاسية التي ترهن وحدة الوطن و تماسكه بانتخابه ، علي الاقل مثل تلك الشروط تنسف الخيار الديمقراطي للناخبين من أساسه و تدل علي ان العقلية التي تتعامل بها الحركة مع الناخبين يمكن وصفها ، في أحسن الأحوال بأنها عقلية لا تمت للديمقراطية بصلة و ستسبب خسارة للحركة اكثر من ان تشكل ورقة لعب رابحة في حملة انتخابية يفترض أنها ديمقراطية. أخيرا نرجو ان لا تأتي الحملة الانتخابية ، اذا قدر لها ان تتم بالشكل المطلوب ، خاصة من جهة مشاركة أحزاب المعارضة فيها بفاعلية ، ان لا تأتي بمثل هذه العقلية و بهذا الخطاب الضار الذي سيشوه العملية الانتخابية و يخرجها من مسارها الديمقراطي المفترض.
hassan mohamed nour [mnhassanb8@gmail.com]