طالب حمدان … والبصيرة أم حمد … وإشكاليات الفهم اللاعقلاني
20 January, 2010
بقلم / آدم جمال أحمد – أستراليا
في القصص الشعبي السوداني إن البصيرة أم حمد قد أستشيرت في أمر إخراج رأس عجل من إناء للماء ( زير ) ، فنصحت بذبح العجل أولاً ثم كسر الزير ثانياً لإخراج رأس العجل !. وخسر من أستجاروا بها العجل والزير معاً ، وعلاقة المثل الشعبي هذا بالوضع في منطقة جبال النوبة الآن والفهم اللاعقلاني لطالب حمدان بتبعية منطقة جبال النوبة الي الجنوب وعدم تقييمه لتجربة أبناء جبال النوبة بالحركة الشعبية بعد تفويضهم الجنوبيين في مؤتمر ( كاودا ) الشهير للتحدث نيابة عنهم في المفاوضات ، بالرغم إن مؤتمر كاودا كما أوضحت في القراءة النقدية في الحلقة الثانية بأنه مؤتمر جامع لعموم أبناء جبال النوبة في تظاهرة اجتماعية شعبية فريدة من نوعها , خرجت بتوصيات وقرارات قوية أربكت حسابات الحكومة وزاد من خوفها وخوف الأطراف الأخري ، وكانت مثاراً للجدل الواسع في كل الأوساط ، ولكن ما نعيبه علي المؤتمرين الخطأ الاستراتيجي والتاريخي لظاهرة غير مسبوقة هي الأولي من نوعها في العمل السياسي , وذلك بتفويضهم قيادات الحركة الشعبية التحدث نيابة عنهم في قضية منطقة جبال النوبة في المفاوضات ، فخسر النوبة قضيتهم ومطالبهم العادلة وسنوات نضالهم.
توقعنا من طالب حمدان بأن يرد علي علي النقاط التي أثرناها وعلي التساؤلات المشروعة والمنطقية ، والتي تهم مواطني منطقة جبال النوبة ، والتي تحتاج لإجابات واضحة وصريحة .. ولكنه لم يفعل ، لأنه لا يمتلك الشجاعة حتي لا يغضب جماهير وقيادات الحركة الشعبية ويحرج الجنوبيين ويخسر بذلك ما يمني به نفسه من وعود ومناصب بل عرج الي ما يروق له بأسلوب فيه نوع من الذكاء... كما تعود دوماً في لي عنق الحقيقة وتزييف الحقائق والهروب من مواجهة الواقع وهو يعلم بأن ( هذه بضاعتنا ردت إلينا ) ، وهذا هو العجز في الرد لمقارعة الحجة بالحجة والمنطق بالمنطق بل سعي الي الاساءة ووصف قيادات المنبر بنعوت غير متطابقة للوقائع وهم دوما يقولون ( ولنصبرن علي ما ءآذيتمونا ) وأطلق سهامه ضد سليمان موسي رحال رئيس منبر جبال النوبة الديمقراطي مفترياً عليه وهو يحسبه من خصومه دون ان يحكم عقله فيما يقول , بل سعي مهموماً في الدفاع والتبرير عن نفسه , ونحن لم نطلب منه ذلك . أما بالنسبة للأخ سليمان موسي رحال فهو شخص له مساهماته في دفع القضية النوبية وإيصالها الي المجتمع الدولي عبر المنابر ومن خلال كتاباته المشرقة المتعددة الجوانب , ولا ينكر عليه ذلك إلا مكابر ( فلا تنكر العين ضوء الشمس من رمد ولا ينكر اللسان طعم الماء من سقم ) .. فهو جدير بالدفاع عن نفسه وتوضيح الحقائق الغائبة والخلافات التي بينه وما بين المرحوم يوسف كوة مكي , وهي قضايا جوهرية وأساسية تهم جماهير جبال النوبة.
للأسف الشديد إن رد طالب حمدان وجل كتاباته لم تتناول الموضوعية وخرجت عن النص والمسار المعهود لأي صحفي متمرس في تمسكها بأسلوب الرصد والتوثيق , بل إعتمد علي السرد الهلامي غير المنسجم والمترابط لفقرات مواضيعه يحمل في طياته أسلوب التجريح والملاسنة من دون إنتهاج التفكير التحليلي أو إعمال نهج نقدي بناء وطرح موضوعي في تداعياته فلذلك نشكك في قدراته بأنه صحفي أو مارس مهنة الصحافة , فليس كل من دب وهب أن يكتب لأن الكتابة لها خصوصياتها ولغتها , وأهم شئ في النقد هو تناول أي مقال بموضوعية لتفنيد أراء خصمك وطرح أراؤك وأن يكون النقد بناء ومؤسسي ، ولكن للأسف يربط ما يسميه نقدأ لاذعاً وهو ليس بنقد لاذع بل مهاترة لاذعة ، لأن الفرق بينهما كبير.. ولكن فاقد الشئ لا يعطي .. فلذلك أبعد ما يكون طالب حمدان بأنه صحفي بل صحفي مزعوم . ونحن علي قناعة بأن طالب حمدان وكثيراً من أبناء جبال النوبة بالحركة الشعبية يسيرون وراء وهم ( الكونكورد ) محددين سلوكهم بالجهد الذي بذلوه في محاولة الوصول الي أهداف وراء السراب رسمته لهم الحركة الشعبية ( الجنوبيين ) ، والكونكورد من الحيوانات عرفت بأنها تسير في طريق مسدود وأنها لن تدرك غايتها وإن واصلت السير فيه للبحث عن الماء أو الغذاء , لذا فأنها لن تهجر هذا الطريق وتسلك طريقاً أخر مهما كان الجهد الذي بذلته في المحاولة الفاشلة كثيراً ، وهذه الظاهرة منسوبة في إصرارهم في تزييف الحقائق ومحاولة ربطهم منطقة جبال النوبة بالجنوب وتحرير النوبة , بعد أن وصلوا الي طريق مسدود , وفشلت تجربتهم بالحركة الشعبية بعد أن أمتطوا قطار الحركة المتجه الي الجنوب وهم يعلمون بأنه لا فائدة من مواصلة الجهد الضائع وأنهم في الغالب يرفضون هجران هذا التوجه الفاشل .. كإحراز كل من بريطانيا وفرنسا في المضي قدماً في مشروع طائرة الكونكورد العملاقة رغم فشلها إقتصادياً لأنهما حسب قولهما لا يستطيعان التوقف وإلغاء المشروع بعد كل الجهد الذي بذلاه.
وشاءت الأقدار بأن يطفو طالب حمدان علي السطح عبر كتاباته كالزبد وهو سرعان ما يذهب جفاء وأما ما ينفع أبناء جبال النوبة سيبقي وهو الذي لا يعرفه كثيراً من ابناء جبال النوبة وجمهور القراء إلا عبر مهاتراته ومشاكساته وكتاباته اللاموضوعية علي الأنترنت ، فهي بعيدة كل البعد في التعبير عن ما يجيش به صدور أبناء جبال النوبة .. وأما الجوانب المشرقة من حياته لقد حالفه الحظ بأن يجد نفسه بأمريكا مبعوثاً من قبل النظام الحاكم في الخرطوم المتمثلة في حكومة المؤتمر الوطني ، فلم يطرق باب الهجرة أو اللجوء أو يمر عبر قنوات اللجوء المعروفة ويقاسي منها ومن شقف العيش وقسوة الحياة حينما تكون لاجئاً كبقية أبناء جبال النوبة الذين طرقوا ابواب الهجرة واللجوء من الدول العربية والأفريقية بل قدم اللجوء من داخل أمريكا .. ونحن نسميها ( زوغان ) ، لأنه أرسل مبعوثاً وليس لاجئاً والفرق بينهما شاسعاً بعد أن تلقي دورة تدريبية في دورة التحدي الأولي لقيادات الخدمة المدنية والتي يتم إنتقاء القيادات والشخصيات لها بمعسكر القطينة أو ما يسمي الآن بمعسكر الشهيد عيسي بشارة وتم إستوعابه من المؤلفة قلوبهم ، وأدي القسم علي الولاء والطاعة وأعتبر من المؤلفة قلوبهم .. والمؤلفة قلوبهم هم الذين آمنوا بعد فتح مكة أي بعد مجئ ثورة الانقاذ الي الحكم ، وكانت المكافئة له قيمة .. بعث في دورة تدريبية الي بريطانيا ثم رجع الي السودان وكانت في تلك الفترة منطقة جبال النوبة تتعرض للإبادة والقتل والتشريد ، ثم أبتعث مرة أخري الي أمريكا لتلقي دورة تدريبية أخري بها وطاب به المقام بعد أن التقي بأبناء منطقة جبال النوبة هناك وبعض زملائه وأصدقائه شجعوه علي البقاء والنضال والانضمام الي الرابطة العالمية لأبناء جبال النوبة والاستفادة منه وما يحمله من معلومات حتي تعرض علي الجهات المؤثرة في المجتمع الأمريكي وقرر البقاء فيها وبدأ مشوار نضاله وكتاباته وإنضمامه الي الحركة الشعبية ونصب نفسه ناطقاً رسمياً للحزب القومي السوداني ، فلذلك لا توهم نفسك بأنك لاجئ في مهمة وسوف تعود يوماً ، ونحن نتمني لك العودة حتي تقف علي حقيقة الواقع وتساهم مع أهلنا في منطقة جبال النوبة في عملية البناء والتعمير والتنمية وهذا ما نتمناه لكل أبناء جبال النوبة العودة لأن المنطقة تخلو من الكوادر النشطة والفاعلة والعقول المهاجرة فهي تحتاج لنا جمعياً.
ولقد أوضحنا في ردنا بأن طالب حمدان يسعي الي إحاكة مسلسل من الادعاءات والافتراءات والسيناريوهات ، والتي قد تستعصي عليه وتدخله نفقاً مظلماً وسوف يحتد التراشق ويتصاعد الاتهام وينحصر في فضح المستور والافصاح عن المسكوت عنه والآن النفق مهدد بالانفجار في أي لحظة وهذه البداية ، وأول الغيث قطرة ولكنها سوف تهب ريحاً صرصراً عاتية وتصيرخطراً ماثلاً له وما نخشاه علي وحدة الصف النوبي ، لأنه دق طبول الحرب وإنني لا أتواني في إستعمال كل ترسانة لتصبح قاعدة للانطلاق من كل الزوايا بدءاً بطالب حمدان نفسه ، لأن هذا قليل من كثير عنه وما خفي اعظم .. وفشل تجربة أبناء جبال النوبة بالحركة الشعبية تختلف كلياً عن تجربة حركة ( كومولو ) التي لعبت دوراً مميزاً في الحياة السياسية والاجتماعية بجبال النوبة وساهمت فى تشكيل الوعى السياسى لكثير من أبناء جبال النوبة وتغيير الكثير من المفاهيم الخاطئة وشكلت القاعدة التي إنطلقت منها الطليعة التي التحقت بالحركة الشعبية ، ولكن ما نتحدث عنه إن إنضمام النوبة دون أي تخطيط أو استراتيجية مدروسة كحلفاء مؤثرين وليس جنود مقاتلين كان خطأً فادحاً ، وبل سكوتهم عن مؤامرات الجنوبيين والتصفيات التي تمت لخيرة قيادات أبناء جبال النوبة جريمة تاريخية لم تغتفر ، وبعض من الدور السلبي للمرحوم القائد يوسف كوة وعدم ثقته في أبناء النوبة والتفاف الجنوبيين والشيوعيين من حوله بدءاً من حرسه الخاص الي نوابه ، والأسباب التي أدت الي إضعاف موقف قضية جبال النوبة ومساومة الجنوبيين للقضية مع الحكومة والتهميش والاقصاء الذي كان يحدث لأبناء جبال النوبة داخل صفوف الحركة الشعبية وما حدث من طمس ومسخ لهوية جيل بأكمله ويتمثل في الجيش الأحمرالآن والذي قوامه أكثر من عشرة الاف ، غالبيتهم من أطفال النوبة الذين إقتادوا قسراً من مناطقهم بجبال النوبة وتم وسمهم أي ( شلوخهم ) علي الجبين وقلع أسنانهم وإجبروا علي تعلم لغة الدينكا والنوير والآن لا تستطيع أن تميزهم بملامحهم الجديدة ولا يعرفون وطناً أو أهلاً لهم غير الجنوبيين ، بالاضافة الي النساء اللاتي أجبرن علي الانجاب قسراً .. والملفات الحساسة المحظور تناولها , وخاصة بعد أن شهدت الفترة الأخيرة من توقيع أتفاقية السلام وما صاحبها من الاحباط والخزلان وتلتها أحداث كثيرة ومتلاحقة وتطورات سريعة حتي علي مستوي تفكير المواطن المغلوب علي أمره بعدم حصوله علي حقوقه المشروعة .. وما أعقبها من إخفاقات وفشل لحكومة اللواء خميس جلاب وتقاعس حكومة المؤتمر الوطني المتعمدة والمقصودة بعدم المشاركة في عملية التنمية والايفاء بحقوق الولاية .. وسخرت كل أمكانياتها علي إضعاف منطقة جبال النوبة وتقسيمها علي محورين جبلي ورملي وسوف نتحدث عن ذلك بتفصيل ، وكلها عوامل جعلت عملية التغيير أمراً حتمياً بطرح الأسئلة الحساسة وتداول الممنوع وفتح الملفات الساخنة وتقييم تجربة أبناء النوبة بالحركة الشعبية ونقد مواقف حكومة المؤتمر الوطني وبعض مواقف القيادات النوبية وتنظيماتنا الحزبية وبعض الجماعات والمجموعات التي تقيم بالمنطقة ، للخروج برؤية موحدة والاتفاق جمعياً حول كيفية النهوض بمنطقة جبال النوبة .. والعمل علي تغيير أفكار طالب حمدان وأمثاله من إخوتنا في الحركة الشعبية الذين لا يقبلون بالتغيير والاعتراف بالأطراف الأخري أو أي فكرة أو رأي أو حلول إيجابية أو مقترحات لإحداث ثورة فكرية وتغيير للوقع المرير المعاش في منطقة جبال النوبة .. أي بأن تأتي من خارج إطار منظومة الحركة الشعبية .. وغير مسموح لأي شخص لا ينتمي الي الحركة الشعبية التحدث عن قضايا منطقة جبال النوبة .. وقد إنتابهم القلق وباتت تخشي بأن تؤدي هذه التحولات المتسارعة والمرتبطة بالتطورات الموجودة في الساحة الي التأثير الي مصالحهم ، ولكن ما تحويه يكابد واقعاً مضطرباً متكرراً زادته فشل تجربتهم بالحركة الشعبية إلباساً .. وعموماً الكارثة هي أن نخدع أنفسنا بوهم تبعية منطقة جبال النوبة بأنها أقرب نفسياً وأثنياً واجتماعياً الي الجنوب , وممارسة ما تسمي بالمشورة السياسية ( الملهاة السياسية ) لتحقيق ما لم نستطع تحقيقه في المفاوضات ونحن في قمة مجدنا وقوتنا العسكرية وكل الظروف كانت متاحة لأبناء جبال النوبة لولا التبعية العمياء للجنوبيين ولكن من يهن يسهل الهوان عليه.
فلذلك يستوجب علي طالب حمدان بأن يعترف بفشل تجربة أبناء جبال النوبة بالحركة الشعبية ومساومة الجنوبيين للقضية النوبية مع الحكومة لإستراتيجيات واتفاقات سرية بينهما لإضعاف موقف قضيتنا ، فلا تحمل الحزب القومي السوداني وبعض الأطراف الأخري المسئولية وبأنها وراء فشل تحقيق مطالب أبناء جبال النوبة ، حتي لو فرضنا جدلنا ما تقوله كان صحيحاً .. فالحزب القومي ولا الأطراف الأخري لها المقدرة في التأثير علي مجريات ما كان يحدث ويجري من مساومات وتنازلات بين الطرفين الحكومة والحركة الشعبية ونعني القيادات الجنوبية ( لبيع ) قضية المناطق الثلاث وخاصة منطقتي جبال النوبة والنيل الأزرق في سبيل تنازل الحركة الشعبية والتخلي عنهما وإعطائها نسبة 45% والحكومة 55% .. وبالمقابل تنازل الحكومة عن منطقة أبيي ، حتي يضمن الجنوبيين بأن أهدافهم الرئيسية من أجل الحرب تحققت وهي ( الأرض – النفط – المياه ) بالإضافة الي الهوية والثقافة !!..فلذلك لا تجعل الحزب القومي والأطراف الأخري التي ذكرتها ( قميص عامر ).. أو ( شماعة نعلق عليها فشلنا ) ، بل سبب الفشل هوعدم التخطيط السليم وعدم وجود إستراتيجية واضحة ورؤي موحدة وكيان قوي وخاص لأبناء النوبة بالحركة الشعبية وضعف القيادة والشخصيات التي كانت تمثل النوبة في التفاوض وعدم قدرتهم في التفاوض وعدم درايتهم في كيفية إستخدام أساليب التفاوض من موقف قوة لأخذ الحقوق والتمسك بالمطالب التي من أجلها حملوا السلاح ، وتغيبهم عما كان يجري خلف الكواليس وحاولنا تنبيهكم فيما كان يتم لأخذ الحيطة والحذرمن مغبة ما يجري عبر كتاباتي في ذلك الوقت وذكرت لكم بأن هنالك ملفات وخاصة ملف (المناطق الثلاث) يتم طبخها تحت طاولة المفاوضات وبأن الحركة سوف تتنازل عن منطقتي جبال النوبة والنيل الأزرق وتساوم من أجل مصالح الجنوبيين فقط ، وصفوني بالطابور الخامس وأنني مندس وغيرها من النعوت ، ولكن رغم ذلك ظللت أكتب وأوضح لهم بأن أي سياسي لا بد أن يكون له بعد نظر للمسائل وقراءة صحيحة لمجريات الواقع .. حتي خرجنا من هذه المفاوضات بالمشورة السياسية .. وحينما نطالبكم بتقييم تجربتكم كأبناء جبال النوبة بالحركة الشعبية ليس بأن نتقص من حجمكم أو قدركم ولكن للوقوف علي السلبيات والاخفاقات لتصحيح المسار وتطوير الفكر والأداء ومعالجة القصور وعدم إقصاء الأخرين أو تهميش البعض بحجة أننا حملنا السلاح وقاتلنا وأنتم لم تكونوا معنا أو الحركة الشعبية هي التي صنعتنا ليس هذا بالفهم الصحيح !! .. لأن الواقع يقول ( صغار في الذهاب وفشل في الإياب ) .. ورغم كل ذلك ما زلنا نمر بمرحلة حرجة جداً من تاريخنا السياسي في منطقة جبال النوبة والتى تحتاج منا جمعياً بأن نتفق فيما إتفقنا عليه وليعذر بعضنا البعض فيما إختلفنا فيه .. حتي نضع أيادينا فوق بعض ونعترف ببعض ولا نبخس من قدر الأخرين لنعمل سوياً من أجل ما يمكن إنقاذه وتلافيه والاستفادة من دروس وأخطاء الماضي والاستشعار بالمسئولية التاريخية في هذا الظرف الحرج بغض النظر عن ألوان طيفنا السياسي .. بل كأبناء منطقة وإقليم واحد نحتاج فيها لنتعايش سلمياً ودينياً .
وصفني طالب حمدان بأنني أجتهد وأتكلف في لغة كتاباتي ، ولكن العكس صحيحاً أنني لم أتكلف أو أجتهد في لغة كتاباتي بل هي سجيتي التي تربيت عليها منذ صغري ، وقد حالفني الحظ بأن أنشأ في أسرة متدينة محافظة وتم التحاقي بالخلوة وحفظت فيها القرآن الكريم في سنين عمري الأولي وتعلمت فيها التجويد والكتابة قبل التحاقي بالمدرسة ، بالاضافة الي إهتماماتي وشقفي علي الاطلاع والقراءة وخاصة أمهات الكتب أكسبتني هذه الصفة هي لغتي المميزة في الكتابة بالرغم أنني لست صحفياً ولم أزعم يوماً ذلك أو أتخذ الصحافة مهنة ، لأنها ليست مجال تخصصي ودراستي .. بل أتخذها كهواية وأجد نفسي أميل اليها وأتعاطاها من وقت لأخر ، وبالرغم أنني نلت دبلوم في الصحافة و الاعلام من أكاديمية السودان للعلوم .. فقط لتساعدني في تصحيح كتاباتي ، لأنني أهتم أكثر بمجال تخصصي ودراستي في الأحياء والعلوم الطبية وأتابع دراساتي العليا فيها وأهتم بما هو كل جديد .. وهذا ما يجهله الكثيرين عني وخاصة طالب حمدان الذي يزعم بأنني صحفي وأنني لست بصحفياً كما أوضحت ولكن رغم ذلك أجيد الكتابة والبحث اكثر منه ولا فخر.. وعليه أن يرجع الي أرشيف كل من جريدة الصحافي الدولي في باب ( اتجاهات ) ، وجريدة ألوان في باب ( قضايا ) وجريدة الرأي العام في باب ( أراء حرة ) لدي مساهمات وكتابات مميزة .. والذي لا تعلمه يا طالب حمدان بأنني أفتخرحتي الآن لم يتم توظيفي أو تعييني في أي وظيفة حكومية منذ أن تخرجت من جامعة الخرطوم في منتصف التسعينات ناضجاً فكرياً وسياسياً واجتماعياً وإدارياً.. أحمل خبرات متعددة الجوانب اكتسبتها من خلال عملي في الروابط الاجتماعية والاقليمية والاتحادات الطلابية والعمل العام و ووجدت نفسي من خلال عمل المنظمات العالمية الطوعية والعون الإنساني التابعة للأمم المتحدة .. عملت مديراً لمنظمة هيئة الاغاثة الإسلامية العالمية السعودية لمكتب الولايات الاستوائية في مدينة جوبا ومقر رئاستها في جدة لمدة أربع سنوات ، ثم مديراً للمنظمة الكويتية ( منظمة العون الإنساني أو لجنة مسلمي أفريقيا سابقاً ) لمكتب جنوب كردفان ومقر رئاستها في الكويت وكنت أتقاضي فيهما راتبي بالدولارالأمريكي ، وقدمت من خلالها مشاريع خيرية وإنسانية وخدمية ضخمة بجنوب كردفان في مجال الاغاثات وتوفير الدواء وبناء مراكز صحية ومدارس أساس وثانوي ومساجد وحفر أبار ومضخات مياه شملت معظم مدن وقري ولاية جنوب كردفان ، بالاضافة الي كفالة الطلاب الفقراء وتوفير منح دراسية للبكالريوس والدراسات العليا بجامعة الدلنج والأبيض وأفريقيا العالمية لطلاب جنوب كردفان والمساهمة في إنشاء مركز للكمبيوتر وتوفير كل معداته ومستلزماته بجامعة الدلنج وكفالة الأيتام والأرامل وانشاء مراكز تثقيفية وصحية لمحاربة الأمية والعادات الضارة وتمليك مشاريع صغيرة وأدوات للتطريز والحياكة وتوفير الكساء وتوفيرعدد من فرص الحج لأعيان البلد والمكوك وأئمة المساجد .. وجوبت الولاية طولاً وعرضاً وجلست مع كل الأطراف من الوالي وأعضاء حكومته والعمد والمكوك والشيوخ وزرت معظم القري والأرياف وكل المحافظات والتي لا تخلو لنا من عمل .. وأول منظمة تقوم باستقبال العائدين من ( حركة التمرد ) وتقوم بحصرهم وتقديم الكساء والدواء والغذاء لهم في جنوب كادقلي وجلست مع أهلك في حجر المك وميري ودمبا والسمة وهم بدورهم سوف يخبرونك بالخبر اليقين إذا زرتهم ، وما تشهده الآن هذه المناطق من منشئآت عديدة من مراكز صحية ومدارس ومساجد تقف شاهدة علي ما نقول وتركنا بصمات واضحة رغم فترتي القليلة وهي أقل مما قدمناه بالاستوائية , وهذا ما إستطعنا أن نقدمه من خلال وجودنا في جنوب كردفان والكل يعلم قصة إختلافي مع الوالي مجذوب وأمن كادوقلي فيما يختص بقدوم العائدين وعدم استجابة حكومة الولاية والمركزلهم وقلت لهم في جمع وحشد ( إذا كان هؤلاء العائدين من الشمالية لاستقبلتهم رئاسة الجمهورية وسعت لتوفير كل متطلباتهم ولكن لأنهم نوبة ونحن كأبناء منطقة نطأ الجمرة ومجبورين علي خدمتهم لأنهم أهلنا ...الخ ) .. وكان ما حدث لم أري الولاية من ساعتها ، وتم نقلي الي ولاية الخرطوم وهذا ما قدمناه لأهلنا من خلال مواقعنا وما فشلت فيه حكومة المؤتمر الوطني وحكومة الحركة الشعبية تحقيقه في الولاية حتي الآن .. وتركنا بصمات واضحة وشواهد باقية وكنا في تواصل مع أهلنا في جنوب كردفان .. فأين أنت من هذا ؟؟؟!! .. لأنك هاجرت المنطقة منذ منتصف الثمانيات ولم يراودك الحنين الي العودة الي منطقة جبال النوبة إلا من خلال مؤتمر كاودا فقط للحظات , فهل هذه هي ما تسميها قوافل نداء الجهاد وقد يبدوا إختلطت عليك الأمور فما تسميه ، لأن نداء الجهاد هي إذاعة في مدينة كادوقلي تم إنشاؤها عام 1992 لتعمل علي نشر ثقافة السلام بالمنطقة وليست قوافل كما تعتقد وهذا يدل علي عدم تواصلك بمنطقة جبال النوبة حتي أصبحت لا تستطيع تمييز كنه الحقائق ومسمياتها الصحيح.
أما قضية جبال النوبة والتي نري فيها طالب حمدان كأنه أكثر حرصاً عليها ومهموماً بها , لقد أصبح ملفها في طي النسيان وربما تم شطبه من أجندة قاموس الحركة الشعبية منذ تفريطهم في القضية بتقاعس من قيادات الحركة الذين يحاولون تهدئة الخواطر حينما يرون النوبة يتغيظون ويتذمرون غضباً ويتحدثون عن المرارات وما آلت عليه الأمور . ورغم كل ما حدث لم يخطر علي بال كبار المسئوليين في القيادة العليا للحركة الشعبية والمتمثلة في شخص النائب الأول لرئيس الجمهورية ورئيس حكومة الجنوب ورئيس الحركة الشعبية القائد سلفاكير بأن يحدث نفسه ولو مرة واحدة منذ وصولهم الي كراسي السلطة بعد توقيعهم للسلام بفضل تضحيات وبسالة أبناء النوبة بأن يزور منطقة جبال النوبة .. عرفاناً لرد الجميل أو حتي من باب إعطاء الحق الأدبي لمجاملة أبناء جبال النوبة الذين قاتلوا في صفوف الحركة الشعبية لعقدين من الزمان , وقدموا فيها الدماء وعدد من أرواح الشهداء لتطييب خواطرهم .. ولكن نجده يقوم بزيارات لكل مدن وقري الجنوب ورحلات مكوكية خارج السودان ، وما يدعو الي الريبة والشك وزيادة الحزن والاحباط .. بل والاستغراب تصرف هذه القيادات العليا في الحركة الشعبية والتنكر لرفاق دربهم في جبال النوبة !!.. فلماذا لم يوفد حتي لو أمينه العام باقان أموم والذي نري طالب حمدان يجتهد في الدفاع عنه , وجماهير جبال النوبة تراهم في حركة دؤوبة ورحلات متواصلة الي مدن السودان المختلفة وخارج السودان للالتقاء بأبناء جنوب السودان المقيمين بالداخل ودول المهجر سواء كانوا في أمريكا أو كندا أو أستراليا أو دول الاتحاد الأوربي ، ليشرحوا لهم بنود الاتفاقية وتهيئتهم للمرحلة القادمة وإنخراطهم في العمل بعد أن أصبحت الحركة الشعبية حزب سياسي وجماهيري بانتقالها من مرحلة الثورية الي مرحلة الشرعية والدولة يحكمها القانون , وكذلك أحياناً يعتبرون رحلاتهم هذه عبارة عن فترة إستراحة قصيرة واستجمام مع زوجاتهم المقيمات بتلك الدول واللاتي قدمن اليها عبر اللجوء .. فلم يخطر حتي علي بالهم الجلوس مع أبناء جبال النوبة في تلك الدول ليشرحوا لهم الظروف والملابسات في عدم حصولهم علي حقوقهم ومطالبهم المشروعة من خلال المفاوضات , والاستماع الي أرائهم حول الاتفاق نفسه وشرح ظروف المرحلة الحالية والقادمة وما يتطلب منهم ؟!. لكن كل الدلائل تشير بأن منطقة جبال النوبة أصبحت ليست من ضمن الخارطة السياسية بالنسبة للجنوب بل كانت فقط لمرحلة تكتيكية وحققت أغراضها !.. ولكن نكرر مرة أخري سؤالنا لطالب حمدان لماذا لم يبادرأو يقوم القائد سلفاكيررئيس الحركة الشعبية أو الأمين العام للحركة باقان أموم بزيارة الي منطقة جبال النوبة حتي الآن؟؟؟؟!.
وهل تعلم يا طالب ماهو الاختلاف بيننا وبينكم في الحركة الشعبية ؟. أنتم ترون بأنه لا يحق لأي أحد خارج منظومة الحركة الشعبية التحدث عن قضايا منطقة جبال النوبة أو طرح أي فكرة أو إقتراح أو رأي , ونحن نري عكس ذلك , ونحن نرفض فكرة انضمام منطقة جبال النوبة الي الجنوب لكي نعيش فيها كأقلية مضطهدة , بل نريد أن نكون مع السودان الموحد ونسعي جمعياً كسودانيين لبناء دولة العدالة والمساواة والحرية واحترام ثقافة ولغة وعادات وتقاليد الأخر والتوزيع العادل في تقاسم السلطة والثروة والاتفاق علي السودان الأفريقي العربي والعمل علي حل مشاكله الشائكة والمستعصية بتراضي من الجميع , ونحن واقعين نتعامل بسياسة الانفتاح والتعايش السلمي والديني لكل الأعراق في منطقة جبال النوبة , والتي نعتبرها كأرض لنا جمعياً ونرفض سياسة الهيمنة والتهميش وإقصاء الآخرين , ونحن نريد أن نحرر أمثال طالب حمدان من النزعة العنصرية وإشكالية الفهم اللاعقلاني ومحدودية التفكير والتطرف القبلي والاحساس بالدونية ( درجة ثانية ) ، فلذلك أنت محتاج أن تحرر نفسك أولاً قبل أن تفكر في تحرير أخر نوباوي من التفكير التقليدي الكلاسيكي العشائري والأفق الضيق وتحاول تستفيد من وجودك في أمريكا من أبناء سام بأن تكتسب سياسة وثقافة عدم إقصاء الآخرين واحترام أفكارهم ورؤاهم مهما اختلفوا معك وعدم التبخيس من شأنهم أو قدرهم وتذويب كل الفوارق العرقية والدينية والاحساس بالعزة ، لنعمل سوياً لبناء منطقة جبال النوبة بدل التهافت وراء الجنوبيين ( الحركة الشعبية ) بدون وعي أو إدراك وما يحاك ضد الشعب النوبي لأن ظلم ذوي القربي أشد.
ورغم أنني أصغر منك سناً ومن واجبي أن أكن لك الاحترام والتوقير لأن ديننا يحثنا بأنه ( ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويوقر كبيرنا ) ، إلا أنني أجد نفسي أكثر منك حكمة وتعقلاً وتبصراً للأمور وتقيماً للأحداث الجارية في الساحة السياسية النوبية والسودانية وفهماً ودراية بما يدور ويحاك حولنا , لأنك بأفكارك هذه سوف لن تبلغ الحلم والرشد بعد .. رغم خبرتك وتجربتك الطويلة بسنوات عمرنا ، إلا أنك لم تسفيد من تلك التجارب والعبر حتي تعي الدرس وتستصحبها معك كزاد في مسيرة مشوار حياتك .
فلذلك يجب أن تعلم بأن كل إنسان مسئولاً عن تاريخه السياسي وليس من حق أي أحد أن يحاسبه عليه لأن البقاء في إتجاه معين أو في أي تنظيم ليست غاية ، وكل شخص حريص في انضمامه الي أي تنظيم لتكون وسيلة لتحقيق أهدافه وغاياته ومتي ما تضاربت مع أهدافه ومصالح أهله من باب أولي التنحي . فلذلك أنني لم أخفي يوماً ما أو أتوارى خجلاً أو أتنكر لتاريخي السياسي ومساهماتي منذ أن كنت طالباً ورئيساً لاتحاد ثانويات ولاية الخرطوم ودخولي جامعة الخرطوم وإنخراطي ومشاركتي ونشاطي في العمل العام والطلابي وما قدمته من خلال عملي في الروابط الطلابية والاقليمية والاجتماعية واتحادات الطلاب .. وكل أصدقائي وزملائي والمقربين من حولي وأهلنا في ولاية الخرطوم وجنوب كردفان أو جنوب السودان .. سواء كانوا بالداخل أو من الذين تفرقت بهم السبل في دول المهجر بأمريكا وكندا واستراليا والاتحاد الاوربي وغيرها من الدول يعلمون بأنني كنت في يوماً ما حركة إسلامية وقد تعلمت منها الكثيرمن الايجابيات والجوانب المشرقة .. كيف أفكر وأخطط وأفهم خصومي واعترف بنقاط القوة فيهم ، كما تعلمت فن الخطابة والسياسة والاجتماع والكتابة والادارة وفن الحوار والتفاوض وكيف أميز بين علاقاتي الاجتماعية والسياسية ، والتحدث في الندوات والمنتديات والمؤتمرات وتعلمت بدوري فهم النفسية والعقلية الشمالية وكيف تدار دولة الجلابة ، وكذلك تعلمت النفسية والعقلية الجنوبية من خلال إحتكاكي بهم .. ولقد إختلفنا معهم وجهرنا بها وقلناها صراحة وعلنة عبر كتاباتي ومقالاتي التي أثارت في ذلك الوقت جدلاً واسعاً ، وحاولنا نقل تجربتنا وخبراتنا للحزب القومي والعمل لخلق ثورة فكرية وتغيير للواقع الاجتماعي والسياسي بتجديد للعناصر والرؤي والأفكار الكلاسيكية والتقليدية واعطاء فرصة للشباب للابداع ، وعندما لم نجد الاستجابة أيضاً إختلفنا معهم وكانت المفاصلة وأيضاً جهرت بها عبر كتاباتي المختلفة . ولكن ما لا تعلمه يا طالب حمدان بأنني أتصف بالشجاعة والجراءة في قول الحق والاعتزاز بالنفس ولا أعرف التملق والتطبيل ودفن الرؤوس في الرمال كما تفعل النعام ، بل تعودت علي مواجهة خصومي وبشراسة ولكن بنوع من الحكمة والتريس مهما كانت العواقب .. فما الذي يضير في ذلك بأن يكون أبناء النوبة في كل التنظيمات الأخري المختلفة بدلاً من وضع البيض في سلة واحدة ؟!. وما العيب في ذلك حينما يعودون الي البيت النوبي الكبير محاولين نقل تجاربهم وخبراتهم الي الأخرين من بني جلدتهم !. ولماذا نقابلهم بهذا العداء السافر ؟. ووصفهم بكثير من النعوت التي لا تليق بهم ؟!.. فالخطأ ليس في الحركة الاسلامية أو المنهج .. بل الخطأ في التطبيق والتجاوزات التي حدثت ، بالرغم أنها أنجبت خيرة القيادات والشخصيات والعناصر وبنفس القدر إختلف الكثيرين منهم معها في الفترة الأخيرة وخاصة أبناء الغرب والآن يقودون أشرس المعارك الكلامية والميدانية والحركات التحررية ضدها سواء كانت متمثلة في دارفور أو كردفان وغيرها من المناطق الأخري ، ولكن نود أن نذكرك بأن القائد سلفاكير حينما تم تنصيبه نائباً اول لرئيس الجمهورية ورئيساً لحكومة الجنوب ورئيساً للحركة الشعبية إن أول خطوة قام بها .. إجتمع بكل القيادات الجنوبية المنضوية تحت لواء الحركة الاسلامية وخصومه في الفصائل الأخري بعد وفاة الدكتور جون قرنق فلم يحاول أن يتجاوزهم أو يسعى الى تهميشهم أو تبخيس دورهم ، بالعكس أشاد بهم وثمن دورهم وبأنهم أرقام لا يمكن تجاوزهم ووضع يده في أيديهم ليعملوا جمعياً سوياً كأبناء للجنوب والسعي معاً لبناء دولة الجنوب التي تحتاج الي سواعد جميع بنيها بغض النظر عن إتجاهاتهم أو تنظيماتهم وقد أفلح في ذلك بالرغم أن الحركة أصبحت ضعيفة ومكشوفة ومهزوزة بعد موت قرنق إلا أنه استطاع أن يستفيد من خبرات وتجارب هؤلاء بأن يضع الخطط والاستراتيجيات حتي تمكنه في كيفية التعامل مع العقلية الشمالية وهو يتحرك في صمت بعيداً عن أجهزة الاعلام وهم يعرفون ماذا يريدون وماذا يفعلون !! فأين نحن كنوبة من هذا الفهم المتطور والعقلاني الذي جنب الجنوب في هذه المرحلة الحساسة الكثير من المتاعب وهم يعملون جميعهم كأسرة واحدة , لم يسئ بعضهم الي بعض أو يبخس من شأن الأخر ؟ّ..
أما حديثك عن الإستلاب الثقافي علي مدي 1265 سنة ولا بد من تحرير النوبة .. هو حديث للاستهلاك وإستدرار العواطف ونوع من ضرب المستحيلات ، وإلا لإنتفضت كل شعوب العالم والتي تداخلت لغوياً وثقافياً .. فالمجتمع النوبي مجتمع متنوع الثقافة لم يكن في يوم من الآيام مجموعة آحادية الثقافة .. لما يسميه الباحثان شيفاليه وبكليس .. وهم علي العموم فى وعى بالمصير المشترك والقيم التي توحد بينهم ، لكنهم أيضاً مدركون للعوامل التي تميزهم عن بعضهم البعض .. فلذلك نود أن تفهم بأن التنوع الثقافي والديني والعرقي يثري جميع قوميات السودان وأن التداخل والتمازج بينها يمنح السودان مزيجاً ونكهة حضارية متميزة .. فاذا أخذنا مثلاً النوبة والبقارة ( مسيرية وحوازمة ) في منطقة جبال النوبة بعد 200 عام من التداخل والتلاحم والتصاهر والتمازج والتناحر فى بعض الأحيان لم يعد من الممكن الحديث عنهما كمجموعتين آحاديتي الثقافة . إن الهوية شبكة من العلاقات الاجتماعية المتفق عليها من جميع الأطراف وهي تشكل خلال العمليات الاجتماعية ( التاريخ ) غير الساكنة وغير الجامدة . لذلك ليست هناك هوية نوباوية أو بقارية ثابتة في المكان والزمان ، بل لعله من المفيد حقاً الحديث عن هويات ( ثقافات ) متداخلة . فالعلاقات بين النوبة والبقارة سواء كانت تجارية أم زيجية أم دينية أم فكرية ...الخ لها جانبيها التعاوني والتناحري , والجانبان يعملان علي إثراء عمليات التداخل الثقافي , فكل بقاري به شئ من من النوبة وكل نوباوي به شئ من البقارة , فلذلك ذكرنا مراراً بأن القتال بين النوبة والبقارة بأيادي خارجية وسوف يترك جراحاً عميقة حيث التحمت القوميتان وحيث أثرتا بعضهما بعضاً.
وتعتبر المنطقة الشرقية من الجبال وعاصمتها رشاد في السابق مثالاً للتعايش والتمازج والاختلاط بين القبائل العربية ( المسيرية – الحوازمة – أولاد حميد – الكواهلة ...الخ ) والنوبة ( الكواليب – كاونارو – لوقان ) ، بالاضافة الي النوباوية التي اختلطت بالدم العربي ( مجموعة تقلي – كجاجا ) وأصبحت واقعاً وصارت هنالك مساحات للتعايش بين الموروثات النوباوية والمؤثرات العربية والاسلامية شئنا أم أبينا.. يصعب تفريقهما .. فهنالك قسم من قبيلة الحوازمة (عشيرة الرواقة) يسمي ( أولاد النوبة) وذلك لاختلاطهم بالسكان المحليين ، وهناك مجموعة من قبيلة الكواليب في منطقة أم برمبيطة إندمجت بالتزواج واختلاط الأنساب في قبيلة الحوازمة وأصبح من الممكن أن نقول إن كل بقاري في المنطقة صار يشتمل علي عناصر ديناميكية نوباوية والعكس كذلك ، مما يدحض زعم طالب حمدان ومن لف لفه بأن جبال النوبة أقرب نفسياً وأثنياً واجتماعياً الي الجنوب من الشمال أو الحديث عن الإستلاب الثقافي بتحرير النوبة وهذا يعني في حديثك يا طالب حمدان العمل علي طرد بقية القبائل غير النوبية من منطقة جبال النوبة لتصبح بذلك منطقة جبال النوبة حكراً فقط للنوبة .. أي منطق هذا؟!. لأن من السهل علي المرء إطلاق الشعارات الفضفاضة وإثارة المشاعر والتهابها ولكن الواقع والتطبيق يختلفان في المعادلة مما تؤدي الي تراجع الأفكار ذات المرجعية العرقية المجردة والتي تطفو علي السطح وتتحول الي مجرد أفكار تنظيرية لا واقعية.
كما أوضحنا بأن منطقة جبال النوبة تعتبر سودان مصغر يحوي كل المجموعات العرقية من النوبة وغير النوبة وتمثل مزيج متنوع ومتعدد من حيث الأعراق واللغات والثقافات والعادات والتقاليد والموروثات والديانات ( الإسلام – المسيحية – الأفريقية ...إلخ ) تحتاج منا الإعتراف بها والعمل للتعايش السلمي والديني بينها , والاحساس بأنهم يمثلون شعب منطقة جبال النوبة , فهل يريد منا طالب حمدان في حال إنفصال جنوب السودان بأنه يستحيل التعايش تحت سقف السودان أي بمعني أن تكون منطقة جبال النوبة دولة .. فهل هي مؤهلة بأن تصبح دولة في ظل هذه الظروف التي نشاهدها ما بين الشد والجذب ؟؟.. أو بأن تنضم منطقة جبال النوبة الي الجنوب!! .. والسؤال هل تنضم كشعب نوبي أي ( المجموعات النوبية فقط ) ونحن نعلم بأن النوبة أنفسهم ينقسمون الي مجموعات وقبائل وعشائر حسب الحيز والمكان الذي تقيم فيه تختلف لغة وثقافة عن بعضها البعض .. فالقاسم المشترك بينهما فقط الإحساس بالإنتماء الي العرق النوبي ومنطقة جبال النوبة وكعنصر زنجي أفريقى حتي يتميزون بها عن بقية سكان المنطقة من القبائل العربية .. وحتي لغة التفاهم بينهما هي اللغة العربية نتلجة لإختلاف اللغات المستخدمة بينها من مجموعة لأخرى؟؟!! .. أم يريد منا كأرض ورقعة جغرافية بكل شعوب المنطقة وأعراقها المختلفة وهذا له تداعيات أخرى ؟؟..
.
فالشعب النوبي شعب عريق وصاحب حضارة ضربت بجذورها في أعماق التاريخ لحقب من الزمان ، ولكن للأسف لم نمتلك حتي الآن وثائق تاريخية مكتوبة لتؤكد لنا ذلك ! بل تناقلت الأخبار وتواترت من جيل لأخر وهنالك تداخل لكثير من مفردات اللغة لكثير من المجموعات النوبية بمنطقة جبال النوبة مع النوبة الموجودين في الشمال وتشابه حتي في الأسماء والعادات والتقاليد والعوامل النفسية التي تمكنهم من التعايش والتفاهم بيسر أكثر من أهلنا في الجنوب نسبة للتباعد النفسي والسيكولوجي بينهما لأن طابعها التنافر .. ونشاهد ذلك في حياتنا العادية مع أخوتنا الجنوبيين سواء كانوا بالسودان أو دول المهجر .. فيجب بأ ن لا نغالط ونخدع أنفسنا !!.. وإذا إفترضنا جدلاً إنضمام منطقة جبال النوبة الي الجنوب .. أين يذهب أهالي منطقة تقلي العباسية في الجزء الشمالي الشرقي من الجبال والتي تمتد جنوباً حتي جبال منطقة رشاد .. وهم وحدهم الذين أشتهروا بإمتلاك أحسن الوثائق التاريخية بسبب الصلات القوية التي كانت تربطهم بمملكة الفونج (السلطنة الزرقاء ) في سنار ، وهي التي شهدت ميلاد مملكة تقلي حوالي عام 1570 كأول (كيان نوبي سياسي) قام بالمساعدة في انتشار الدعوة الاسلامية في المنطقة وهم بدورهم الآن رافضون للحركة الشعبية وتوجهاتها.. فلذلك الذي يحاول ربط منطقة جبال النوبة بالجنوب ما هو إلا مكابر يركض وراء أحلام زائفة.
نؤكد علي أهمية العمل السياسي الرشيد والتعلم من جراحه والحرص علي ألا نعود الي تكرار نغمات الماضي علي تنويعات جديدة ، والتركيز علي ذلك البعد الضروري الحيوي هو الذي لا يتركنا غافلين عن الاعتراف بأمكانية التفريق بين مقتضيات الصراع السياسي ومقتضيات دعم المكان في الاستراتيجية التي تعمل علي حماية الوطن وحماية مصالح منطقة جبال النوبة وأمنهم القومي بمفهوم نقدي بناء ورؤية واقعية تفضح مصالح المستفيدين والمنتفعين من تأجيج نيران الصراع بين الأطراف.. وفي النهاية لا يصح إلا الصحيح والحق يقال بأن الحركة الشعبية في منطقة جبال النوبة ليست هي الوحيدة ذات الكفاءة في الحفاظ علي مكتسبات النوبة .. ولا هى التي يمكن أن تسطر تاريخ منطقة جبال النوبة.
سدنى – استراليا - 9 أغسطس 2007 م