هل هذا هو البرنامج الانتخابي لمرشح المؤتمر الوطني لرئاسة الجمهورية؟

 


 

 

 

د.عثمان إبراهيم عثمان*

      "جدد الرئيس عمر البشير، التأكيد علي قيام انتخابات حرة ونزيهة، بعيداً عن الأساليب الفاسدة، والغش، والتدليس، بجانب تقديم الدروس والعبر لكل شعوب العالم في ممارسة الشورى، والديمقراطية. وقال البشير لدي مخاطبته الهيئة القومية لحملة ترشيحه، التي كونتها أحزاب الوحدة الوطنية: الآن أشعر بمسؤولية كبيرة لأن ما سمعته، وشاهدته يخيفني من نفسي، وعلي نفسي من الغرور، الذي وصفه بالمهلكات، وأضاف: لم أقل هذا الكلام دعاية انتخابية، لكنني علي علم بالإخفاقات، والتطلعات، والأماني التي لم تتحقق لكل السودان، وأعرب عن أمله في أن تكون البلاد موحدة في يناير المقبل"(الصحافة 14/1/2010م).

     هذا ما جادت به قريحة مرشح المؤتمر الوطني لرئاسة الجمهورية، وهو يخاطب الهيئة القومية لحملته الانتخابية، التي يرأسها المشير(م) عبد الرحمن سوار الذهب الذي أجهض انتفاضة أبريل 1985م المجيدة، ليحكم السودان بالوكالة عن الجبهة الإسلامية القومية، وفي فترة مفصلية في تاريخه كانت كفيلة باجتثاث فساد الإسلاميين المالي، والإداري، والقصاص من سدنة مايو من أمثال: أبو القاسم، وإسماعيل الحاج موسى، وبدرية الانقلابية؛ كما أتاح مؤسسات الدولة لتصير مرتعاً للإسلاميين، فيفصلوا لوائح، وقوانين الانتخابات حسب طلب الجبهة الإسلامية القومية فتضمن الفوز بدوائر الخريجين، وبعض الدوائر الجغرافية في الانتخابات العامة عام 1986م، فكوفئ من قبلهم بأن صار علي رأس منظمة الدعوة الإسلامية، ليقبض راتبه بالعملة الصعبة، والشعب السوداني يتضور جوعاً. استغرب أن يصير رجل بهذا التأريخ رئيساً لهيئة جمع الصف الوطني، إلا إذا كان الصف الوطني على شاكلة ما تسمى بأحزاب الوحدة الوطنية، التي تتكون من أشخاص انشقوا عن أحزابهم في الشمال، والجنوب – بلغت حتى الآن 28 حزباً -، ولكن لتجميل الصورة حملوا نفس أسماء الأحزاب التي انشقوا عنها مع إضافة "شوية شمار". هذه الأحزاب لا محالة فانية بعد الانتخابات العامة في إبريل المقبل، ولذا كان لابد أن تتشبث بالحياة، لتعيش لبعض الوقت في كنف من كان سبباً في وجودها. إنها "بحق" هيئة قومية نظراً لانضمام مساعد رئيس الجمهورية، ورئيس جبهة الشرق الذي صادق على اقتطاع حلايب من جسد السودان، ففقد، على الأقل،  احترام أهل الشرق الشعبي ، والرسمي، فكان البشير ملاذه الأخير، لأنه الوحيد القادر علي تطبيق اتفاق الشرق، حسب قوله؛ في حين أن الناطق الرسمي باسم جبهة الشرق قد أفصح بأن ما نفذه حزب البشير – المعادلة الحالية للسلطة تتيح له التنفيذ الكامل –  لا يتعدى 25%، فكيف لهم أن يضمنوا تنفيذ الجزء المتبقي في ظل أوضاع سياسية لن تكون في صالح المؤتمر الوطني كما هو عليه الآن؟ السبب في رأيي أن جبهة الشرق تشرذمت، وانفض سامرها من حول مساعد الرئيس، والتفوا حول قادة ما فتئوا يحسون بآلام إنسان الشرق. أما مستشار الرئيس ذو عضوية الحزب التي لا تتجاوز كثيراً عدد ولاة السودان، فصار محللاً سياسياً متعصباً للمؤتمر الوطني، وغير موضوعي في أغلب الأحيان، حتى يظفر ببعض "الكيكة"، وما أظنه بطائله، بعد أن فقد تعاطف أهله في الغرب، وحزبه الأم، ومشتقاته الكثر. لا أظن أن إبن الإمام كان في حاجة لهذا الانقياد، وفي معية من يسترزقون برصيد أهل السودان الرياضي.

ينطوي تأكيد مرشح المؤتمر الوطني لرئاسة الجمهورية على حرية ونزاهة الانتخابات المقبلة على أن الانتخابات التي قامت في السابق لم تكن كذلك، وقد مورست فيها الأساليب الفاسدة، والغش، والتدليس، ولكن كان ذلك تقرباً إلي الله - سبحانه وتعالى- ، ليضعه في ميزان حسناتهم. أما هذه المرة فاختاروا الطريق الآخر في تقربهم إلي الله تعالى، ناسين أنه - سبحانه وتعالي - عليم بما في النفوس. لقد أشكل علينا منظرو الإنقاذ معاني مصطلحات الغش، والتدليس، وهل هي مقبولة عند الله تعالي تحت أي ذريعة؟ بالطبع أن الله طيب ولا يقبل إلا طيباً. الخطير في إفصاح مرشح المؤتمر الوطني للرئاسة بأن تأكيداته تلك، وبرنامجه الانتخابي هي في الأصل عمل رسالي تعبدي وقصد به وجه الله تعالي. هل معني ذلك أن كل من دخل حلبة الانتخابات يبتغي وجه الله تعالي،  أم أن الأمر قاصر فقط علي "المؤتمرجية"؟ أرجو ألا يمتد الأمر إلي تكفير منافسيهم في الأحزاب الأخرى. في رأي الكثيرين أن هذا الإدعاء هو دعاية انتخابية رخيصة، قصد بها استدرار العاطفة الدينية الجامحة عند المواطن السوداني البسيط.

أما ما سمعه السيد الرئيس من بطانته فكان يجب أن يخيفه منهم، وليس من نفسه، لأنه إن كان ذلك في استخراج البترول، ففقراء، وجوعي السودان اليوم أكثر من ذي قبل، وأن السودان في عهد سيادة الرئيس صار أغلي بلد في العالم، ويحصل 95% من سكانه، بالكاد علي وجبتين في اليوم؛ ففيم الغرور؟ أما تشييد الكباري، والطرق والسد  الرد، فقروضها سوف تثقل كاهل الشعب السوداني لأجيال قادمة، في حين أنه لم ولن يجن منها أي مصلحة  بشهادة مدير الهيئة القومية للكهرباء السابق، وأن ما قطفته حاشيته من إنفاذها وخدماتها، هو مدعاة للخجل، والتواري، وليس التباهي؛ ففيم الغرور؟ السياسات التي انتهجها المرشح الرئاسي في العشرين سنة الماضية قادت إلي: تدمير التعليم، فصارت الشهادات العلمية الصادرة من لافتات إبراهيم أحمد عمر، موضع شك في محيطنا العربي، ناهيك عن الفضاء العالمي، والتي كانت من قبل ذهباً صافياً؛ وإهمال مطلوبات الصحة، ليهجر الأطباء المتميزون المستشفيات الحكومية، وليعملوا ليل نهار بالمستوصفات الخاصة؛ وتخريب مشروع الجزيرة وبيعه بتراب الفلوس؛ وتحطيم السكة حديد، العماد الراكز للاقتصاد السوداني؛ ففيم الغرور؟ كل هذه الإخفاقات يعلمها السيد الرئيس، وأقر بها، ومع ذلك يود أن يترشح ليحكم السودان للسنوات الأربع، أو الخمس القادمة؛ وهنا نتساءل: هل يستطيع أن يقدم للسودان فيها ما لم يستطع تقديمه في العشرين سنة الماضية؟ أم هو استمرار لمسلسل الإخفاقات الحالية؟ في رأي الكثيرين أن هذا الإصرار مرده الخوف من العدالة جراء الجرائم البشعة، التي ارتكبت في حق الشعب السوداني طيلة العشرين سنة الماضية. نقول لسيادة الرئيس: لقد تحققت أماني، وتطلعات شريحة لا تكاد تذكر، ممن بنوا القصور، وعدّدوا الزوجات، فكانت علي حساب الشعب السوداني الصبور، ففيم الغرور؟

أما تمنيات الرئيس بأن تظل البلاد موحدة بعد يناير2011م – سبق السيف العذل- ، فهو قول كان يجب أن يسبقه عمل جاد في الفترة الانتقالية لجعل خيار الوحدة جاذباً عبر: تنمية البني التحتية للجنوب، التمييز الثقافي الإيجابي لصالح إرث مناطق الهامش عامة، والجنوب علي وجه الخصوص، إزالة الغبن الناتج عن الاستعلاء العرقي، والديني، من خلال الاعتراف بالتعددية اللغوية، والإثنية، والدينية، إشراك الجنوبيين فعلياً في حكم البلاد، وليس بتهميش وزرائهم في الحكومة، أو خلق وزراء موازين، كما في حالة وزير الخارجية. لقد تبنى الرئيس سياسات في تضاد تام مع ذكرت، ليس ذلك فحسب، بل إنه سمح لعشيرته الأقربين بالتبشير للانفصال، والحض علي كراهية الإخوة الجنوبيين، في تعارض تام مع الدستور، وبطريقة  تعرض مرتكبيها للإعدام، لو لا المحاباة، والنظام العدلي المختل.

سيادة الرئيس، لقد حكمت السودان طيلة العشرين سنة الماضية بالحديد والنار، وتبنيت سياسة فرق تسد داخل الأحزاب المناوئة فتشظت، وبين القبائل فازدهرت النزاعات العرقية، فاشتعل السودان من أطرافه، لتسكنه جحافل القوات الأجنبية في ربوعه المختلفة، وعاصمته القومية؛ فلم يعد بالإمكان تقديم أحسن مما كان، فهلا ترجلت، فحواء السودان ودود ولود.

osman30 i [osman30i@hotmail.com]

 

آراء