هل ستنجح مفاوضات سرت بليبيا في إحلال السلام .. وحسم الصراع الدائر في دارفور

 


 

 

 

بقلم / آدم جمال أحمد – سدني – أستراليا

 

    تعيش دارفور مأساة إنسانية كبيرة، فهناك النازحون واللاجئون والمشرّدون، وقد قتل من أبنائها حسب الإحصائيات والتقديرات الرسمية ما يزيد عن ( 200 ) ألف نسمة ، فالمطلوب أن تعي وتدرك هذه الحركات المسلّحة حجم المأساة الإنسانية بالاقليم ، وكما يجب أن يعي ويعرف قادة هذه الحركات طموح وأماني إنسان دارفور في العيش في أمن وسلام ، حتى تتحقق أمانيه في الاستقرار والعيش في سلام وأن يمارس حياته اليومية كما كانت من قبل .. سواءً كان ذلك ..  في الزراعة .. أم الرعي  .. أو السكن في دياره آمناً.. هذا كل ما يطلبه إنسان دارفور من النازحين واللاجئين في هذه الظروف الراهنة من الحكومة ومن قادة الحركات التي تتظّلم بإسمه.

 

  فلذلك هل ستنجح مفاوضات سرت بليبيا في إحلال السلام .. وحسم الصراع الدائر في دارفور ؟؟!! هذا سؤال مطروح علي كل المستويات الرسمية والشعبية محلياً واقليمياً ودولياً ... ولكن قد تكون الاجابة بنعم أو ربما تكون بلا .. ولكن حسب تقديراتي وقراءتي للاحداث السياسية والعسكرية الجارية .. وعلي مجريات الامور بالسودان.. خاصة بين ما يعرف بالمجتمع الدولي ومواقفه والخطوط السرية التي تربط بينه وبين هذه الحركات جميعها سواء كانت دارفورية  أم جنوبية أو حتي تجمعيه كما اتضح ذلك من خلال تأييد ما يعرف بالتجمع الوطني للحركة الشعبية في تعليق مشاركتها في حكومة الوحدة الوطنية .. والسيناريو صار اكثر وضوحاً الآن بعد ان علقت الحركة الشعبية مشاركتها في الحكومة مع شريكها المؤتمر الوطني وبذلك قلبت كل الموازين وأربكت حسابات الحكومة في هذا الظرف الحرج .. ونأت بذلك الشريك الاصغر في اتفاقية السلام الشامل .. وهو موقف أشبه بموقف حركات دارفور وتفجر المشكلة عقب التوقيع علي اتفاقية السلام الشامل في التاسع من يناير عام2005م ... لأن بعد ساعات قلائل سوف ينعقد في سرت بليبيا مؤتمر دارفور للسلام بحضور كلٍّ من الوفد الحكومي بقيادة د. نافع علي نافع والأمم المتحدة ، والاتحاد الأفريقي ووفود الحركات المتمرّدة والتي لم توحّد مواقفها ورؤاها حول وفد مشترك للتفاوض بعد ، وذلك بسبب الطموحات والنزاع حول الزعامة ، وهذا الطموح والنزاع حول الزعامة يثير الشك بأنه لا توجد برامج وأهداف وخطة موضوعية للعمل السياسي لحل أزمة دارفور لدى هذه الحركات المسلحة ... في حين يرفض عبد الواحد محمد نور- رئيس حركة تحرير السودان ، ود. خليل ابراهيم رئيس حركة العدل والمساواة وحركات أخري الحضور لهذا المؤتمر الذي دعت إليه الأمم المتحدة والذي قالت عنه الحكومة إنه سوف يكون آخر مؤتمر يناقش قصة السلام في دارفور.

 

   لكن في تقديري ان حركات دارفور الرافضة لابوجا لن تقبل بأي شيء وسترفع من سقف مطالبها بحيث لايمكن ان تقبلها الحكومة وأي حكومة ..  خاصة بعد ان نالت هذه الحركات جرعة كبيرة من الوصايا والتوجيهات من الحركة الشعبية الأم أثناء استضافتها في جوبا .. بعد أن علقت الأخيرة مشاركتها مع شريكها المؤتمر الوطني في الحكم الا بعد تنفيذ مطالبها العادلة والتي نصت عليها الاتفاقية في نيفاشا .. الا أن الحكومة بدأت تتماطل في الايفاء بتطبيق بنود الاتفاقية واعطاء الثقة للحركة الشعبية بأن تلعب دور الشريك الحقيقي وليس الظل التابع .. فلذلك سوف تستفيد حركات دارفور الرافضة لمؤتمر سرت من هذا الخلاف للتعذر بعدم ايفاء الحكومة الحالية بالعهود والمواثيق والدليل علي ذلك , اتفاقية سلام نيفاشا .. فكيف لها بأن تفاوض وتوقع علي سلام مع طرف لا يفئ بعهوده ومواثيقه .. وباي حسابات .. أن تحرص علي الوصول الي سلام شامل وعادل في حوارها مع الحكومة .. إنني شخصياً لا أملك أدني شك من القناعة بان اجتماع سرت الذي ياتي بعد العديد من الاجتماعات في طرابلس وانجمينا وابوجا واروشا .. لن يحقق شيئاً .. وخاصة المفاوضات تأتي في ظل ظروف حرجة بالغة التعقيد .. وبعد أن أكدا فصيلان رئيسيان باقليم دارفور بأنهما لن يحضرا محادثات السلام التي ستعقد بمدينة سرت .. والتي تتوسط فيها الامم المتحدة والاتحاد الافريقي في ليبيا فيما يعني عدم وجود أي بارقة أمل أو أي فرصة لاتفاق سلام يضع نهاية للصراع الدائر  والمستمرلأكثر من أربعة أعوام ونصف العام .. وكما أكد أحمد تقد .. لسان كبير المفاوضين في حركة العدل والمساواة وقال في تصريح له ( قررنا عدم الذهاب.. وكرر ان القرار اتخذ  بعد مشاورات مطولة مع جيش تحرير السودان- فصيل الوحدة قبل المحادثات المقررة في ليبيا ) ... وأكد زعيم فصيل الوحدة صحة ذلك لاذاعة رويترز في دارفور.

 

      ورغم أن العمل العسكري يرتبط بالعمل السياسي ، كنت أتوقع بأن يحضر عبد الواحد محمد نور رئيس حركة تحرير السودان حتى يقول وجهة نظره ويطرح أفكاره وآراؤه بصراحة ووضوح تام لعلاج هذه الأزمة التي أدت الحرب فيها لقتل كثير من أهالي اقليم دارفور وشرّدت وحرقت ديارهم ، وكان ينبغي للسيد عبد الواحد أن يرحّب بالمؤتمر الذي ترعاه الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي حتى يطرح وجهة نظره في حلّ المشكلة ، وكذلك د. خليل إبراهيم رئيس حركة العدل والمساواة والذي هدد بمقاطعة محادثات السلام بليبيا إذا وجّهت الدعوة إلى أكثر من حركة ، ويقصد بذلك حركته وحركة عبد الواحد محمد نور- حركة تحرير السودان .. ود. خليل يعلم كل العلم بأن الصراع في دارفور لقد أفرز عدة حركات مسلّحة كل منها تحارب في جهة .. على سبيل المثال هناك حركات في سهول ووديان وقرى دارفور غير حركة تحرير السودان جناح عبد الواحد أو حركة العدل والمساواة بقيادة د. خليل إبراهيم، حيث ظهرت حركة تحرير السودان جناح عبد الشافع ، وحركة تحرير السودان جناح خميس عبد الله ، وحركة تحرير السودان جناح الوحدة ، وأيضاً حركة العدل والمساواة انشطرت إلى حركة العدل والمساواة جناح إدريس أزرق ، وحركة العدل والمساواة القيادة الجماعية ، وهناك حركات كنا نسمع عنها قبل حركة شريف حرير وشوقار وأبوضلوع وجاموس وغيرها .. وربما تكون هناك حركات في الطريق في اوساط تلاطم أمواج الحرب المستعرة في دارفور.

  

 وكان الوسطاء الدوليون يأملون في حضور أكبر عدد ممكن من الفصائل المتمردة المحادثات والتفاوض على وقف شامل لاطلاق النار ..  ومنذ توقيع فصيل واحد من بين ثلاثة أجرت مفاوضات العام الماضي على اتفاق سلام انقسم المتمردون الى اكثر من 10 فصائل. وقال الخبراء انه بدون تمثيل كامل لزعماء رئيسيين للمتمردين فان محادثات ليبيا ستسلك نفس درب اتفاق 2006 الذي يحظي بتأييد محدود بين مليونين من سكان دارفور يعيشون في مخيمات للنازحين .. وقبل اعلان حركة العدل والمساواة وجيش تحرير السودان فصيل الوحدة قال بالفعل زعماء رئيسيون انهم لن يحضروا. وقال عبد الواحد محمد نور مؤسس جيش تحرير السودان الذي يقود بعض القوات في المنطقة .. ولا ننسي بأنه يتمتع بتأييد شعبي كبير بين سكان دارفور انه لن يتوجه الى ليبيا الا اذا تم نشر قوة للامم المتحدة لوقف عمليات الاغتصاب والنهب والقتل التي تمثل سمة للصراع منذ اندلاعه في أوائل عام 2003.  ورغم أن هنالك ما يقدر ب 200 الف شخص قتلوا .. كما ذكرت في مقدمة حديثي .. منذ حمل المتمردون السلاح ضد الحكومة والتي نحملها المسئولية الكاملة فيما يجري في درافور , لأنها تجاهلت الصراع منذ بداية تفجير الأزمة والماسأة التي بأتت فصولها تكبر وتتسع رقعتها كل يوم بتجاهلها لانسان درافور وعدم تنمية مناطق الاقليم وعدم التعامل مع الانفلات الأمني بالاقليم بحسم وجدية منذ البداية ولم تعيرها أي اهتمام بل وصفتها بأنها حركات نهب مسلح  .. بل قامت بتسليح ودعم قوات ما تسمي ب ( الجنجويد ) والتي ساهمت في تأجيج نيران الصراع بالاقليم , واتبعت الحكومة نفس العقلية والمنهجية وقامت بتطبيق  نفس السيناريو التي مارستها مع أبناء النوبة في منطقة جبال النوبة .. ولكن حركات دارفور استفادوا من السلبيات والأخطاء التي وقعت بمنطقة جبال النوبة .. واستطاعوا بحكم وجود غالبية قادتهم الذين كانوا يشغلون وظائف عليا بالجيش والشرطة والأمن ومجلس الوزراء ورئاسة الجمهورية .  فلذلك هم مدركون لكل خطوات الحكومة وكيفية تفكيرها وشكل العقلية التي تدار بها السلطة أو التفاوض ... ورغم كل ذلك ما زالت تصر   الحكومة وبعض قياداتها والتي لم تعي الدرس بعد   علي أسلوب المرواغة والكذب ويقولون ان تسعة الاف فقط تسعة ألاف قتلوا في الصراع الدائر في دارفور .. وهي تقوم بقذف قري ومدن ومواطنين عزل أبرياء لا ناقة لاهم ولا جمل فيما يدور ويجري من حرب مستعرة بالطائرات والقنابل .

 

 ولكن ما  يقلق الآن أن الحرب قد اتسعت رقعتها من مكان إلى آخر في دارفور وانتقلت من قرية إلى بندر في السهول والوديان ، وتفشي العنف واتسعت دائرة الانفلات الأمني ، وسادت روح القتل والانتقام وثقافة العنف ، وصار هنالك .. لا سلام .. ولا تنمية .. في الإقليم ، فأصبحت الحركات المسلحة تقاتل بعضها وتهاجم قوات الجيش وقوات الاتحاد الأفريقي ، مما يضاعف ذلك من حجم الأزمة الأمنية في الإقليم ، وقد دخلت في الحرب عناصر أخري من خارج دارفور، من تشاد والنيجر ومالي وأفريقيا الوسطى ، ولم يعرف هل هذه العناصر تحارب بجانب أقربائها وقبائلها التي تنحدر من بلادهم وعاشت في دارفور ؟!.. وبذلك تصبح الحرب بجانب الجنجويد عنصرية وهل هؤلاء المرتزقة يحاربون لصالح جهات أجنبية أم من أجل اهلهم في دارفور؟.. وما نلاحظه هنالك تساؤلات كثيرة تحتاج لايجابات شافية , حتي لا تتكرر مسلسل الماسأة التي تفرزها ظروف الحرب وتتمثل في دخول قوات الهجين الى دارفور والتي  تقدر بحوالي 26 ألف جندي ، مع وجود قوات أجنبية أخري من دول الجوار تحارب داخل إقليم دارفور هل يتم نزع سلاحها وطردها من الإقليم .. وهل تستطيع هذه القوات نزع سلاح مليشيات الجنجويد .. والمليشيات المتمرّدة ؟ ؟! .. وهل إذا سعت الحكومة بجدية وقامت بنزع سلاح الجنجويد من القبائل العربية ، هل ستحارب قوات الهجين مليشيات المتمرّدين للعمل على نزع سلاحها؟.. وهل القبائل العربية إذا وقع عليها اعتداء هل ستلجأ الي حمل السلاح من جديد والدخول في قتال مع المليشيات المتمرّدة  مرة أخري؟!.. ومتى تغادر قوات الهجين إقليم دارفور إذا تحقق السلام والأمن والاستقرار في الاقليم  .. في الوقت الذي نجد فيه الأمم المتحدة تقوم بتقديم المساعدات الإنسانية ، وبجانبً كثير من المنظمات الإنسانية الأخري التي تقدّم المساعدات الإنسانية أيضاً في دارفور.. ولكن رغم ذلك نجد أن بعض هذه المنظمات الإنسانية ربما لا يخلو هدفها من الغرض في إشعال الفتنة وتأجيج نار الحرب في دارفور خدمة للمصالح الأجنبية .. وهنالك أيضاً عرض من جهات أجنبية أخري لمساعدة قوات التمرّد ضد قوات الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة حتى يزداد نطاق رقعة الحرب في دارفور، مما يمكّن ذلك دولاً أجنبية للمطالبة والمناداة بدخول المزيد من القوات الدولية للسودان بغرض فرض الاستقرار والسلام .

 

 فلذلك حجم المأساة والأوضاع الإنسانية التي تعيشها دارفور جعلت المجتمع الدولي يصرخ وينادي بإيقاف هذه الحرب وأخذت جهات إقليمية ودولية ودوائر لها مصالح في أفريقيا استراتيجية غير معلنة ، فمثلاً الولايات المتحدة وحليفاتها ينددون بالحرب وينذرون بأهمية التدخل الدولي للقوات الدولية في دارفور، وبدأت هذه الدوائر وربما بالطبع معها إسرائيل تضخم من حجم المأساة في دارفور بحجة الإبادة الجماعية للسكان.. فالحرب في دارفور تشمل عناصر وقبائل إثنية تنحدر جذورها إلى كلٍّ من تشاد وأفريقيا الوسطى وما جاورهما من دول، وهذه الحرب بشكل خاص تؤثر على أمن واستقرار كل من تشاد وأفريقيا الوسطى، فهذه تشاد تطالب بتوسيع القاعدة الفرنسية في أراضيها حماية لأمنها القومي وتشاد وأفريقيا الوسطى تؤيدان دخول قوات دولية في حدودهما لحفظ السلام فى هذه المنطقة ، وقد بدأ بالفعل مجلس الأمن في مناقشة دخول قوات دولية في حدود كلّ من تشاد وأفريقيا الوسطى حتى لا تتمدد الحرب إلى حدودهما، وبالطبع دخول هذه القوات في هذه المنطقة بحجة حفظ الأمن والاستقرار لا يخلو من غرض حفظ الأنظمة في هذه البلدان خاصة بعد ظهور النفط في تشاد ومؤشرات ظهوره في أفريقيا الوسطى. فاستراتيجية التعاون مع الغرب والابتعاد من التعاون مع الصين كما هو الشأن في السودان، خاصة أن الولايات المتحدة أخذت في الاعتبار وجود أنظمة يمكنها أن تتعاون مع الصين في استغلال مواردها مثل السودان الذي تعاون مع الصين، حيث قامت الصين باستغلال البترول والاستثمار في مجال الطاقة وغيرها من مشاريع التعاون مع الصين ترى فيه الولايات المتحدة يشكل خطراً على المصالح الأميركية والغربية في المنطقة، خاصة بعد ظهور البترول في تشاد وربما تكون هذه المنطقة غنيّة بالنفط فأصبحت هذه المنطقة ودارفور منطقة استراتيجية بالنسبة للولايات المتحدة والدول الغربية، من هنا ترى الولايات المتحدة الحاجة إلى إسقاط النظام القائم في الخرطوم وابعاد الصين عن المنطقة حفاظاً على المصالح المستقبلية لهذه المنطقة.        

 

 لوضع في دارفور أصبح معقّد ومظلم .. لأن ما يسمي بقوات الهجين في دارفور سوف تجد على أرض الواقع الحرب والقتل والدمار، حرب نفوذها الحركات المسلّحة المتمرّدة كما تسميها الحكومة، وقبائل مسلّحة والتي تعرف بـ (الجنجويد) .. تدعمها الحكومة .. حرب كثرت فيها المنابر والمبادرات وكلها فشلت لحل هذه المشكلة وأخيراً مبادرة الأمم المتحدة في سرت بليبيا .. هل ستنجح هذه المفاوضات في حسم الصراع الدائرفي دارفور ؟؟؟؟! ... وبحضور الاتحاد الأفريقي ووفد الحكومة .. ويأمل الكثيرون أن ينجح المجتمع الدولي في ايقاف الحرب في دارفور هذه المرة بإقناع كل من عبد الواحد محمد نور رئيس حركة تحرير السوادن ود. خليل إبراهيم رئيس حركة العدل والمساواة والحركات الأخرى بالجلوس إلى طاولة المفاوضات وذلك بغرض إحلال السلام  وحقن الدماء وقف نزيف الحرب في هذا الاقليم الذى ما زال ينزف دماً.

 

سدنى – استراليا   23 ديسمبر 2008 م

 

 

آراء