أنا ماشي إسرائيل … بقلم: عزيزة عبد الفتاح محمود
25 January, 2010
zizetfatah@yahoo.com
تزامن موضوع الحلقة التي تناولت فيها الإعلامية اللامعة (مني الشاذلي)، واقعة استقبال «د. هالة مصطفى» رئيس تحرير مجلة «الديمقراطية» الصادرة عن مؤسسة الأهرام السفير الإسرائيلى فى مكتبها بالمؤسسة، ثم اعتراضها على قرار إحالتها للتحقيق لموافقتها على هذا اللقاء مؤكدة أن قرار التحقيق غير قانونى لخلو قوانين ولوائح المؤسسات مما يمنع استقبال إسرائيليين وحسب رأيها أنها قد فوجيئت بردة الفعل التي نادت بمثولها أمام التحقيق مدافعة أنها ليست المرة الأولي التي تستقبل فيها مؤسسة الأهرام مسئول إسرائيلي ، بل أن هنك كتّاب بمؤسسة الأهرام هم من الناشطين في حركة السلام مع إسرائيل ...! تزامنت هذه الواقعة مع إعلان الشاعرة «إيمان مرسال» موافقتها على ترجمة ديوانها الأول «جغرافية بديلة » إلى العبرية . وأيضاً سفر الفنانة «هند صبرى» إلى «رام الله» للمشاركة فى مهرجان «القصبة» السينمائى، تلك الزيارة التى اتخذت طابعاً فنياً هدفه دعم المهرجانات الفلسطينية بالإضافة إلى تأدية واجب إنسانى من خلال عمل الفنانة مع برامج الغذاء العالمية . وقبل أشهر من هذه الحادثة يدعو ولي عهد البحرين من خلال مقال له نــُشر بـ(لوس أنجلس تايمز) الي مخاطبة الإسرائيليين من خلال وسائل إعلامهم الداخلية علي أساس أن الإسرائليين تبنوا ذهنية حصينة مغلقة ليس لها أن تنظر الي الفلسطينيين الا باعتبارهم أعداء لإسرائيل. إذن كل محصلة هذا الزيارات والمقالات هي بالفعل الحقيقي تنادي بالتطبيع مع إسرائيل كما أن المقاطعة لكل ماهو يهودي أو إسرائيلي ليست ذات جدوي بوجود تطبيع ماثل وواقع ، من ناحية أخري ماهو السلبي في الحوار والتعرف علي ثقافة الآخر وبعمق وليس من باب الإزدراء أو الهجوم ، نحن نعلم تماماً البعد الذي قطعه اليهود علي كل مستويات التقدم فما المشكلة في التبادل معهم علي المستويين الثقافي والعلمي علي الأقل وليس بإتباع لغة كالتي وردت في تصريح الدكتور (فاروق حسني ) والذي دفع ثمنه إعتذارا وهزيمة خسارته كرسي (اليونسكو) عندما أعلن أنه علي إستعداد لحرق كتب إسرائيلية إن وجدت بمكتبة الإسكندرية،ومن خلال نقد لإحدي مسلسلات رمضان وهو (رجال الحسم) حــُمد له إظهار اليهود كأناس عاديين وليسوا علي الصورة المتشكلة في ذهن العربي من عهد (تاجر البندقية) ..! وهذا الأمر أيضاً أكدته لي إحدي السودانيات اللائي تعاملن مع اليهود تعامل (الجيران) فشهدت لهم بالكرم وحسن المعشر..! أخيراً حتي إختفاء عبارة (كل الدول عدا إسرائيل) من بطاقة السفر السودانية ذُكر أنها لا معني لها طالما لن تـُُمنح تأشيرة سفر الي إسرائيل، كان التوضيح ليصبح مدهشا و(جــاذبا) لو أن المسئولين أجابوا بأن سحب العبارة أعلاه خطوة أولي للتطبيع مع إسرائيل.
استضافت الإعلامية اللامعة «منى الشاذلى» فى برنامجها الشهير العاشرة مساء الشاعر «جمال بخيت»، والمخرج السينمائى «خالد يوسف»، والكاتب الصحفى «نبيل شرف الدين»، والكاتب المسرحى «على سالم» لمناقشة واقعة استقبال «د. هالة مصطفى» رئيس تحرير مجلة «الديمقراطية» الصادرة عن مؤسسة الأهرام السفير الإسرائيلى فى مكتبها بالمؤسسة، ثم اعتراضها على قرار إحالتها للتحقيق لموافقتها على هذا اللقاء مؤكدة أن قرار التحقيق غير قانونى لخلو قوانين ولوائح المؤسسات مما يمنع استقبال إسرائيليين، كما أعلنت قناعتها بأن القدرة على الوجود وليس الانسحاب والمنافسة وليست القطيعة تبقى الأجدى من إطلاق الشعارات التى غالباً لا تخرج عن الاستهلاك المحلى الذى لايعترف أصلاً باتفاقية السلام بزعم أنها لا تخص سوى الرئيس الراحل أنور السادات.
وانقسم الضيوف فى الحلقة.. كالمعتاد إلى مطبعين ولامطبعين تمهيداً لتصعيد حمى الحوار إلى تبادل الاتهامات والتراشقات على طريقة.. ياخائن المسئولية.. ياعديم الأيديولوجية.. يامتداعى تكتيكياً.. يامنبطح فكرياً إلى الداخل.. اسكت يامتهافت استراتيجيا.. اخرس يامهادن السلطة وذراعها التآمرى الأثيم المتواطئ مذهبياً لتشييع القضية الفلسطينية إلى مثواها الأخير.. خسئت يامنشق عقائدياً عن حركة الائتلاف الأفقى للحركة النهضوية النضالية المتنامية لاجتثاث الوجود الاستيطانى السرطانى الصهيونى المنزرع فى قلب الوطن حالماً بالتوسع الأخطبوطى من النيل إلى الفرات.. إلى الجحيم يامتشرذم داخل دائرة الانشطار الاستقطابى لنظرية المؤامرة والمناهض لحركة السلام العالمى.
تزامن مع موضوع تلك الحلقة أزمتان جديدتان أولاهما بسبب استهجان ورفض أشاوس الرافضين للتطبيع الثقافى إعلان الشاعرة «إيمان مرسال» موافقتها على ترجمة ديوانها الأول «جغرافية بديلة» الذى صدر منذ أسابيع قليلة إلى العبرية.. هذا الأمر الذى سوف يستلزم حلقة أخرى بالضرورة من البرنامج يواصل فيه الشاعر رفضه وشجبه وغضبه واستنكاره وإعلانه خيانة الشاعرة لشعرها وعمالة القصيدة لديها لأعداء الوطن والعروبة.
مع أن إسرائيل ترجمت من قبل ثلاثية نجيب محفوظ وغيرها من الروايات وكتب الأدب.. ولم يمنعها من ذلك أحد لأن الأدب والفن.. قصة قصيرة.. وشعراً ورواية ومسرحية وفيلماً هى أشكال إبداعية تتجاوز التطبيع السياسى والثقافى وتسمو فوق عنصرية تحجيمها أو حبسها فى شروط أو أطر تمثل قوانين تفرض وصاية على الفنان والأديب وتخضعه لمحدودية الالتزام بتوجه سياسى أو فكرى، فالفن والأدب الحقيقى لا أرض ولا وطن ولا لغة لهما ويتجاوزان فى إبداعهما الحر الخلاق الزمان والمكان.. والترجمة مسألة حرة لا يجوز الخلط بينها وبين التطبيع السياسى..
الأزمة الأخرى هى سفر الفنانة «هند صبرى» إلى «رام الله» للمشاركة فى مهرجان «القصبة» السينمائى، تلك الزيارة التى اتخذت طابعاً فنياً هدفه دعم المهرجانات الفلسطينية بالإضافة إلى تأدية واجب إنسانى من خلال عمل الفنانة مع برنامج الغذاء العالمى.
هذا ،وقد صرحت «هند» فى مواجهة الهجوم العاصف عليها مبررة الزيارة بأن فلسطين بها شعب سجين، فزيارة السجين لا تعنى التطبيع مع السجان.
المهم فيما يتصل بالحلقة فقد كان الشاعر هو أكثر الضيوف حمية وانفعالاً وسخطاً على تردى حال دعاة التطبيع.. وإحساساً بهوان الدم الفلسطينى المراق على ضمائرهم الميتة.. وفى غمرة انفعاله لم يدرك- كما أشار الأستاذ «صلاح عيسى» فى مقال أخير- أن رفض التطبيع لا يعنى رفض السلام، ففضلاً عن أن كل القرارات التى أصدرتها النقابات المهنية والعمالية والأحزاب السياسية فى هذا الشأن تنص على حظر التطبيع إلى حين جلاء إسرائيل عن كل الأراضى العربية المحتلة واعترافها بحق الشعب الفلسطينى فى إقامة دولته مما يعنى أن هذه القرارات مؤقتة ومشروطة وسوف تلغى تلقائياً عند تحقيق هذه الشروط.
لكنه أصر على عنتريات اللغو التى تذكرك بتلك العبارات الخالدة ابتداء من «ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة».. و«حانرميهم فى البحر».. و«أنا مش خرع زى إيدن».. و«أمجاد ياعرب أمجاد»، ولن نهدأ قبل أن ننتزع هذا الورم السرطانى من جسد وطننا العربى ونلقى به فى مزبلة التاريخ، وهذا سوف يحدث بإذن الله كنتيجة حتمية لاحتقارنا لهم بعدم الاستجابة للتطبيع الثقافى معهم وحرمانهم من فرصته فى اختراقنا الفكرى واستيلاب ذخائر تفوقنا الحضارى فى مواجهة تخلفهم العلمى والثقافى، فنحن نعيش فى كنف عصر التنوير الذى نعجز فيه عن حل مشكلة الزبالة، واختلاط مياه الشرب بالمجارى وتفاقم العشوائيات.. والبطالة والعنوسة وأطفال الشوارع وسيطرة الخرافة، والدجل، والشعوذة، والإيمان بالغيبيات، وتفشى ثقافة الحلال، والحرام، والإيمان بفتاوى أصحاب العمائم المزيفة، ودعاة الفضائيات، ودعاوى الحسبة والتكفير وكراهية العلم واحتقار المرأة وحصر وجودها الإنسانى - أقصد اللاإنسانى - فى جسد يثير الشهوة ووعاء للإنجاب ويصبح شغلنا الشاغل الإجابة عن سؤال: هل تظهر بعين واحدة من خلال النقاب أو التسامح بظهورها بالعينين فى إطار مشروعنا الاستراتيجى النهضوى الذى سيكفل لنا القضاء على إسرائيل التى يقوم مشروعها الاستراتيجى والذى يسمونه «إسرائيل 2002» على التخطيط العلمى المستقبلى حيث اقتسمت عالمة الكيمياء الإسرائيلية «آدايوناث» «جائزة نوبل» هذا العام مع الأمريكان وسبق أن فاز بالجائزة أيضاً عالمان إسرائيليان.. وفى الكيمياء أيضاً.. وهم يعملون فى معاهد علمية ومراكز بحثية عظيمة.. وقد سبق أن أشار «د. خالد منتصر» فى عاموده الصحفى عن كيف يصنع التقدم.. ففى الوقت الذى نتحدث فيه عن كيفية جمع القمامة فى شوارعنا إذا بعالمة كيمياء من فقراء «السفارديم» اليهودية تقتحم الصفوف وتكسب نوبل وتساعد البشرية على ابتكار مضادات حيوية جديدة وتعمل فى معهد أيزمان الذى يحمل اسم أول رئيس لدولة إسرائيل والذى يزوره كل عام أكثر من مائة ألف عالم باعتباره من أهم المعاهد العلمية فى العالم، وإنجازات هذا المعهد الذى أنشئ عام 1934 فى الفيزياء والكيمياء والطب والكومبيوتر لا تنتهى ابتداءً من علاج اللوكيميا حتى الكومبيوتر المتناهى الصغر مروراً بالعدسات وطرق استخدام اليورانيوم.. وأبحاث السرطان والطاقة النووية والنظائر المشعة.
أما معهد «التخنيون» فهو يضم مكتبة علمية من أضخم المكتبات فى العالم فى مجال علوم الكومبيوتر وميزانيتها ثلاثة مليارات دولار،أما ما تنفقه «إسرائيل» على البحث العلمى فقط فى هذا المعهد وغيره فيبلغ حوالى 5% من الناتج القومى الإجمالى وتنفق من ناتجها المحلى الإجمالى لأغراض البحث نسبة مئوية تعادل 17 ضعفاً للعالم العربى حيث تخصص إسرائيل 37% من ميزانيتها للمشاريع العلمية وتبلغ حصة القطاع الخاص فى تمويل البحث العلمى 52% ،كل هذا ليس مهما.. لكن النضال اللغوى هو القيمة والهدف والفيصل فى معركة التحرير والبقاء وطرد الجرذان المذعورة من بقاع وطننا الغالى، لذلك أصر الشاعر على إلقاء قصيدته الساخرة على طريقة الشعر الحلمنتيشى.. بينما انصرف «على سالم» رافضاً الانتظار لسماع القصيدة وانتهاء البرنامج متعللاً ببرودة التكييف وعدم قدرته على احتماله.
ومازال الشاعر «سادراً» فى شعره.