في ندوة التنوع الإثني: مهتمون…عدم الاعتراف والتنمية الغير متوازنة سبب الأزمة .. رصد: خالد البلولة
4 February, 2010
خالد البلولة ازيرق
وصف مهتمون أمس تنامي القبلية والجهوية بالمهدد الحقيقي لوحدة وتماسك السودان، وارجعوها الى عدة عوامل اسهمت في ظهورها بهذا التعقيد في القضايا السودانية، منها دور المثقفين والسياسيين الذين استندوا عليها لتحقيق مآربهم، ومشكلة العنصرية التي اتسم بها المجتمع، وسهام الاكاديميين والمثقفين الذين انزلوها إليها في ابداعاتهم، وعدم الصبر على تطوير نماذج الادارة القبلية، مؤمنين على ان التنوع يعد مصدر ثراء للأمة وليس خصماً عليها.
في مستهل الندوة التي نظمها "مركز لينة للسلام وفض النزاعات" تحت عنوان "التنوع الإثني في السودان عامل حرب أم سلام" استعرضت الاستاذة نوال مصطفى الباحثة مفهوم فلسفة التنوع من خلال ورقة عمل، أشارت فيها الى ان التنوع هو فلسفة الخلق، وأن الغاية من الخلق واحدة ولكن هناك تنوع في البيئات والمناخات والشعوب وهي متنوعة في توحده، مشيرة الى ان التنوع يثري الكون بالتعرف على الآخر والتعارف والتعاون معه، وقالت ان السودان يمتاز بتنوع كبير في بيئاته وقبائله، مشيرة الى ان الجغرافية لها اثر على النفوس فهي تشكل نمط السلوك والمزاج الانساني وصفاته وخصائصه، مضيفة ان التعدد كان يمكن ان يفضي بنا الى أشياء جميلة ولكن فشل السياسيين في احداث النمو غير المتوازن في تحويل الموارد بعيداً عن الوسط الأكثر تقدماً أبرز محور التباين وافرز تناقضاتٍ ادت الى المواجهات الحالية، فإختل جراء ذلك كل التوازن في المسار التنموي خلال نصف القرن الماضي وترتبت عليه آثار اقتصادية واجتماعية وسياسية خطيرة على كيان الامة، مثل حرب الجنوب والحروب الأهلية الأخرى التي كان السبب الاساسي فيها الشعور بالحرمان لدى ساكني تلك المناطق.
واشارت نوال الى ان القبلية هي الوحدة الاساسية لتكوين الشعوب والامم، وأنه يوجد في السودان «65» مجموعة عرقية، مقسمة الى «19» مجموعة رئيسية، وما يقارب الـ«597» مجموعة فرعية، وأضافت ان المشكلة ليست في القبيلة وإنما في القبلية التي تجلب التعصبية، وقالت ان التنوع الكبير الذي يزخر به السودان يعد نعمة ان تم توظيفه والاستفادة من مميزاته، لأن تاريخ السودان يغلب عليه التصالح والتسامح بين قبائله واعراقه، ولكن كثيراً ما تستيغظ العصبيات والعنصريات عندما لم تحسن ادارة هذا التنوع الذي يتطلب الحكمة والتعقل مع المساواة واعلاء كرامة الانسان. وشددت نوال على ان الإثنية ليست مشكلة بحد ذاتها بل هي انتماء طبيعي وفطري، إلا ان المشكلة تبرز حين يساء استخدام المشاعر الإثنية وحينما تتحول الى سلاح مدمر وخطير يهدد الاستقرار السياسي والذي ربما يعصف بمؤسسة الدولة كما حدث في الصومال. وأوضحت ان السودان تغلب عليه البداوة إذ أن «62%» من سكانه كانوا يعيشون حياة بدوية حتى عام «1965م» وفق منشورات مؤتمر توطين البدو بالقاهرة، وهذا يعني انه مجتمع قبلي. واشارت الى أن السودان يزخر كذلك بتنوع ثقافي كبير ومن الصعب القول بأنه لدينا ثقافة واحدة وانما ثقافات متعددة، واضاف "هذا التنوع فيه جدل حول أيهما أقوى وحدة الثقافة أم عصبية الدم والقبيلة".
من جهته قال دكتور الحبر يوسف نور الدائم بضرورة التنوع في الحياة وقال "كون لدينا أكثر من لغة هذا لا يعني ان لا تكون هناك لغة سائدة كالعربية، مشيراً الى ان صراع الهامش والمركز فيه هجمة على بعض السياسيين الذين لم يستطيعوا نقل الخدمات الى الهامش فيما يتعلق بمسألة التنمية المتوازنة، وأضاف الحبر "نريد ان نكون قبائل شتى بينها التعارف والتعاون والتلاحم وألا يكون بيننا مايحدث شرخاً في المجتمع وهذا يحتاج لجهد الى ان يظهر من بيننا من يستطيع ان يوحد الامة التي تحتاج لزعيم ذو توجه قومي وذو كاريزميا يستطيع ان يوحد بها الأمة. وقال دكتور محمد العباس الامين المحاضر بكلية الدراسات الاستراتيجية بجامعة الازهري، ان التنوع في الجنس البشري يأتي في اختلاف الاشكال البشرية، مشيرا الى ان السودانيين يتمسكون في الإثنية بالفروع ويتجاهلون الأصل في الإنتماء، واضاف ان السودان يتميز بأنه يستطيع ان يستوعب الهجرات الوافدة إليه، وقال ان القوات المسلحة هي الأنموذج المثالي للوحدة والتمازج السليم وهي اساس التطور في جعل هذه البوتقة بوتقة واحدة، وقال ان الاختلاف الإثني والديني في السودان اذا لم نستوعبه سيقود لحروب واسعة خلال السنوات القادمة، لأن الجماعات المسلحة في طلبها للسلطة استندت على القبلية والجهوية فإذا لم ننتبه لهذا ستكون هناك كارثة كبيرة، وقال ان الشمال هو الضمان الوحيد لجنوب مستقر لأن التقسيمة القبلية في الجنوب حادة جداً، والترتيب القبلي فيه يحدد الترتيب في الوصول للقيادة في الجنوب وليس الخبرة والمهنية، مشيراً الى ان القوات المسلحة بدأت تدخلها ظاهرة القبلية والجهوية، مشيرا الى ان نمو القبلية والجهوية جاء لغياب الديمقراطية ودخول القوات المسلحة في العمل السياسي. ودعا دكتور محمد محجوب هارون مدير مؤسسة اتجاهات المستقبل الى ضرورة الاعتراف بالواقع الذي نعيشه وممارسة نقد ذاتي لواقعنا بدلاً من التضليل الذي تمارسه النخب السودانية بالحديث عن مميزات ليست نتائجه معكوسة على حقيقة الاوضاع في السودان، مشيراً الى ان هناك تضليلاً تمارسه النخبة السودانية للرأي العام بالحديث عن التماسك والوحدة والتسامح وكثير من الصفات التي لم تنعكس على واقعنا، وشدد على ان مشروع النهضة ينطلق من مواجهة أنفسنا، وأن لا نبني على بعض المقولات المضللة.
من جهته قال الدكتور عبده مختار موسى استاذ العلوم السياسية بالجامعة الاسلامية، إن مشكلة القبلية تكمن في النخب الحاكمة والتي قال إنها لم تدر هذا التنوع بصورة جيدة ولم تحدث التنمية المتوازنة، مشيراً الى ان عدم ادارتها لذلك التنوع بشفافية وعدالة جعلها مسؤولة عن ذلك الفشل، مشيراً الى ان فشل النخب تمثل في عدم وجود خطاب قومي يعبر عن كل الإثنيات السودانية مما أدى للشعور بالحرمان لدى بعض الإثنيات، وهذا ولد غبناً اجتماعياً واحساساً بالظلم ،ولد الحركات والثورات التي نعيشها ضد النخب الحاكمة، واضاف "ان الرجوع للقبلية جاء بعد فشل النخبة في اعطاء هذه الإثنيات الفرصة في التعبير والثروة لذا ارتدت الى القبلية ولجأت للكيان الصغير لتحقيق مصالحها، وقال ان اتفاقية نيفاشا وبمجرد الحديث فيها عن الشمال والجنوب اندلعت صراعات الهويات في أبيي كأوضح نموذج له، مشيرا الى ان النخبة ليس لها وعي بهذا، وقال "ان القبيلة تم تسييسها في الريف السوداني، والسياسة تمت قبلنتها في المدن" واضاف ان المشكلة تكمن في كيف ندير هذه الإثنيات لنحافظ على التماسك القومي.
وقال الدكتور حسن مكي ان قضايا السودان الخارجية لا تنفصل عن وضعه الداخلي، مشيراً الى ان ولادة دولة في الجنوب بهذه التركيبة ستكون خصماً على المشروع الأوربي لأنها ستكون دولة فاشلة وربما تؤدي لموجة جديدة من النزوح للشمال ودول الجوار وتصبح بذلك عبئاً على الدول الغربية ويبقى النموذج المطروح في الجنوب هو نموذج الدولة الفاشلة وهذا ليس نموذجاً محبباً لهم، وقال ان السودان به ثلاثة كيانات "السودان المصري القديم والجنوب ودارفور" وهذه الكيانات الثلاثة ليس بينها تمازج وحدوي واحد، وقال إن بذرة الدول في الجنوب كانت القبيلة هي وحدة الدولة، وان الجنوب فيه حوالي «83» وحدة قبلية كل قبيلة ترى الأخرى عدواً لها، لذا حاربوا كل الدول التي جاءت الى السودان سواء الإنجليز أو المصرية او الدولة السودانية الوطنية، واذا قامت أية دولة جديدة في الجنوب الآن ستحاربها القبائل الجنوبية. وقال مكي لدينا ثلاثة كيانات داخل كل كيان كيانات صغيرة بعضها متجانس وبعضها متصارع نتيجة هذا التنوع الإثني، مشيراً الى ان دارفور كانت منذ القدم تتطور بجهدها الذاتي وان التعليم دخلها متأخراً، وقال ان خياطة الخارطة الحالية للسودان كانت خياطة مستعجلة ولم تتبلور فيها فكرة السوداناوية، وقال ان هناك تصنيفات من ناحية السلم الاجتماعي تصنف المواطنين الى درجات ادت الى مشاكل السودان الكبيرة التي نحصد حصادها الآن.
khalid balola [dolib33@hotmail.com]