السودان من جرفٍ لمنحدر … بقلم: د. طه بامكار
4 February, 2010
عندما تبحث عن الوفاء ولا تجد إلا الخيانة والغدر، وعندما تبحث عن الصداقة ولا تجد إلا النفاق، وعندما يتلاشي معني الوفاء، وتتبلد الأحاسيس، وتبرد المشاعر، ويتهجر القلب، وعندما تحد وتشتد الخصومة لدرجة الفجور، وعندما يسجل الحلم غياباً ويتلاشي الأمل من بين يديك ويرحل الي حيث اللاعودة، وعندما تدرك بأنك كنت تحتضن الوهم والسراب، حينها يمتلأ قلبك بالأسى وتبكي صامتا من الأعماق،وتجد نفسك وحيدا يمتلكك اليأس والإحباط والألم.
هذا هو شعور كثير من القادة في المؤتمر الوطني بولاية البحر الأحمر بعد أن آلت الأمور الي غير الوجهة التي غرسناها وبعد أن انخفض وخفَتَ وتلاشي صوت المناصحة والمواجهة، وبعد أن غابت معاني التعاهد والتواثق علي المبادئ. هذا هو شعور كل مخلص للمؤتمر الوطني بالولاية وخاصة من رضع لبن الحركة الإسلامية.... لقد فعلت فينا شهوة السلطة ما فعلت وتباعدت بيننا المسافات وحدث ما لم نكن نتوقعه من اخوة لنا في الدرب، لقد تم بيع القضية لبغاث الطير.... نعم مشيناها خطا ولكن المحصلة آلت الي سراب بقيعة كنا نحسبها ماءً.
ها نحن وقد خلت النذر من بين أيدينا ومن خلفنا وقد عايشنا تجارب كثيرة متقلبة ومتجددة ومتنوعة في السياسة والاقتصاد وفي الحرب والسلام، نقف في خنادق متقابلة ضد بعضنا البعض. نعم هذه هي الحقيقة الصراع يموج موجا في داخل المؤتمر الوطني بالولاية. ونحتاج الي أن نواجه ذاتنا ونتحاور جادين وصادقين فيما آلت إليه الأوضاع في ولاية البحر الأحمر؟.
عندما تؤول الأمور الي غير أهلها تشعر وتحس بالخطاب السياسي المتناقض في ذاته وصفاته.الشخص الذي يفتقد الي أدوات الإقناع لا يقنع أحداً. الخطاب السياسي بالولاية يفتقد الي المصداقية وتشعر به كأنه منغلق علي ذاته يعاني من التبعية والعصبية والجهوية العمياء. تحول الخطاب السياسي في ولايتنا الي خطاب انشائي وانفعالي مغلق يعتمد علي التكرار والتبرير والتنظير والمزايدة المملة. خطورة ان تؤول الأمور الي غير أهلها هي أن تجد إنسانا سودانيا مذعورا مقهورا وخائفا يلتفت يمنةً ويسرة من غير هدف. إنسانا مسلوب الإرادة قتلوا فيه الإبداع مهمشا جائعا، مطلوب منه الاهتمام بسفاسف الأمور ومطلوب منه الهتاف بحياة شخص لا يأمنه علي ماله وولده ووظيفته وحتى علي دينه، يهتف بحياته ويتمني زواله من سدة الحكم في آن واحد .
عندما تؤول الأمور الي غير أهلها يحتضر روح الجمال في الأرض ويعتلي القبح عرشه كسيد حاكم وينتكس العقل البشري وينهزم الإنسان من الداخل فتموت السياسة والثقافة ويموت الاقتصاد، ويذبح الإبداع وتنزوي المبادرات ويكون النشاط السياسي والثقافي تكرارا ونفاقا يمله حتى أنصاف المتعلمين الذين يتزاحمون في أمانة المؤتمر الوطني بالولاية. عندما تؤول الأمور الي غير أهلها تصيح الدجاجة ويصمت الديك.
نحن في ولاية البحر الأحمر نسير من جرفٍ الي منحدر بسبب التوترات الإثنية والحكومة الاتحادية لا تبالي كأن الأمر لا يعنيها وكأننا لسنا بعضا منها. بسبب التوترات الإثنية تكون لانتخابات الولاية ميزة نسبية ولكنها سالبة. التوترات الإثنية والمنافسة الحادة ستقلل من نسبة التصويت عموما وستكون نسبة التصويت لرئيس الجمهورية ضعيفة جدا ذلك لأن المؤتمر الوطني نفسه ليس من أولوياته التصويت للبشير فله ما يكفيه من الصراعات والنزاعات التي اشتراها بنفسه.هم المؤتمر الوطني بالولاية نفسه فقط ولا يعنيه من قريب أو بعيد صندوق الرئيس. التعبئة كلها للوالي وللدوائر الانتخابية الولائية ونصيب الرئيس منها توجيه الناخبين لرمز الشجرة فقط بغض النظر عن الهدف والمعني والمغزي.
بصراحة أصبحتُ أشك كثيرا في سياسة الحكومة الاتحادية تجاه ولاية البحر الأحمر وما آل إليه الأمر فيها. نموت جوعا في الأرياف وتسمي الحكومة الاتحادية ذلك فجوة غذائية ولا تبالي بل وليس لديها حلول. يُشرد طلابنا وطالباتنا من الداخليات في الخرطوم وحكومتنا الموقرة لا يعنيها ذلك وصندوق اعمار الشرق يطرد طلابنا بالبوليس. تدهور التعليم بأريافنا لدرجة أن نسبة نجاح تسعة محليات ريفية لا تساوي نسبة نجاح مدرسة الجزيرة ببورتسودان من حيث الكم والكيف. مدارس خاصة تدار بواسطة أفراد نتائجها أفضل من جهود حكومة وحدة وطنية كاملة بالولاية. الصحة أيضا متدهورة ومستشفي حكومة الوحدة الوطنية تقطنه القطط. معذرة لأخي وزير الصحة أنا شخصيا أقدر جهوده ولكن هو وحده وبدون إمكانيات لا يستطيع حل هذه المعضلة. نعم هنالك جهود معقولة في الطرق وإنارة الشوارع وإنشاء الكرنيشات ولكن لا يكون ذلك حلا بالضرورة لمن يعاني سوء التغذية في أريافنا المغلوبة علي أمرها. بعض الاخوة في بورتسودان والذين يتمتعون بمزايا التنمية في المدينة يستغربون حديثنا هذا ويحسبون أننا لا نري ضوء الشمس من رمدٍ ويحسبون إننا نبالغ في نقدنا. هم حقيقة معذورون لأنهم يحسبون ان ولاية البحر الأحمر هي بورتسودان. لا يعرفون ما يعانيه المواطن في ريفي القنب وجنوب طوكر وريفي سنكات وريفي حلايب. إنه لمؤلمٌ جدا لأي شاب بجاوي أن يري علي قارعة الطريق القومي الذي يربط الخرطوم بالبحر الأحمر امرأة وأطفالها يتسولون الماء (بجركانة) صغيرة..... ومؤلمٌ جدا أن تبتسم لك أمٌ وأختٌ وخالة في أريافنا وهي تداري دمعة حزينة بسبب الجوع وسوء التغذية. لعن الله الجوع إنه كافر، وتبا لحكومتنا التي تتجاهل هذا الوضع المزري. وللحقيقة والتاريخ هذه الحالة المزرية في أريافنا كانت غير ذلك في زمن مضي، والفجوة الغذائية نتاج سيايسات خاطئة من حكومات وطنية. ورغم كل ذلك تطلب منا الحكومة التأييد والهتاف بحياة شخصٍ لا يأبه لموتنا البطيء ولاتهمه قضايا مواطن الريف. رمتنا الحكومات الوطنية بواديٍ غير زي زرع تراقب طرق موتنا البطيء ولا يرف لها جفن. يقال في المثل (الحصاة من الجبل) وكثير من مشاكلنا كانت مجرد حصاة صغيرة ولكن الظلم والعدوان جعل منها قضية كبيرة مثل جبل شامخ تتجاذبه وسائل الإعلام.القضايا تؤول الي الحل في جنوب السودان وغربه ومازال السناريو يعد في دهاليز الغرب لشرق السودان. لا أدري من سيكون كرزاي شرق السودان ولكن لا محالة هنالك كرزاي قادم ويومها سنكون نحن محايدين في الدفاع عن حكومتنا الموقرة التي تتجاهل قضايانا.
Taha Bamkar [tahabamkar@yahoo.com]