اغتيال طالب التربية .. (حتى لا يُسجّل ضد مجهولٍ) … بقلم: ضياء الدين بلال

 


 

 

diaabilal@hotmail.com

 

قَبل كُل شئٍ، الطريقة التي تَمّ بها اغتيال طالب جامعة الخرطوم محمد موسى عبد اللّه بحر الدين، هي التي يَجب أن تفرض على السلطات المختصة أن تسعى وتسرع ما وسعها الجهد لإلقاء القبض على مَنْ قَامَ بتلك الفَعْلة الشنيعة..!

المباحث السودانية بالتجارب، ومع الأيام أثبتت أنها القادرة دوماً على إزالة الغموض عن أغرب وأخطر الجرائم، الجميع يذكرون كيف أنّها استطاعت في زمنٍ قياسي أن تلقي القبض على قَتَلَة شهيد الصحافة محمد طه محمد أحمد..!

وقد افتخر اللواء عابدين الطاهر مدير عام المباحث والجنايات في ندوةٍ بـ «الرأي العام»  أُقيمت قبل أشهرٍ، عن الجرائم الغريبة التي وقعت بالخرطوم، افتخر بضآلة نسبة الجرائم التي تُسجّل في مضابط الشرطة ضد مَجهولٍ، جريمة اغتيال الطالب محمد وما تُحيط بها من ظلال تمثل تحدياً حقيقياً لذلك الفخر.

للأسف أنّ قضية هذا الطالب المغدور قبل أن تقول السلطات المختصة كلمتها النهائية، دخلت على وجه السرعة أجندة السياسيين، ويَبدو أنّها ستصبح واحدةً من معكرات المناخ السياسي في الفترة المقبلة، فقد أصْدَرَت عدة جهات حزبية بيانات سياسية وعقدت مؤتمرات صحفية، معلقةً ونافيةً ومدينةً لجهات أخرى بالتسمية الصريحة أو بالإشارة اللازمة..!

حوادث القتل لأسبابٍ سياسيّةٍ أو شخصيّةٍ، أصبحت ظاهرة مُتكرِّرة في الجامعات السودانية في الفترة الأخيرة. في الماضي كَانت مثل هذه الحوادث تقع في فترات مُتباعدة، لكنها الآن أصبحت تتصاعد بوتيرة مُتقاربة، فالمحاكم السودانية لا تزال تنظر في عَدَدٍ منها منذ اغتيال طالب جامعة الجزيرة في العام الماضي إلى اغتيال طالبة الصحة واغتيال طالب الهندسة بجامعة السودان، والآن تأتي حادثة اغتيال طالب التربية بجامعة الخرطوم لتضيف للمشهد الجامعي مزيداً من بقع الدماء..!

عَلى القيادات المجتمعية في السودان، خَاصّةً السياسية منها ألاّ تتعامل مع الضحايا بانتقاء تمليه عليهم المواقف الذاتية، فكل ضحايا العنف بالجامعات بمختلف أطيافهم السياسية والإثنية هم أبناء هذا الشعب، وهم في الغالب ينتمون لأُسرٍ بسيطة رقيقة الحال، وضعت آمالها وتطلعاتها في عُنق أبنائها من الطلاب الذين دفعت بهم للجامعات كاستثمار للمستقبل..!

الموقف من الاغتيالات بالجامعات يجب أن يكون موقفاً مبدئياً لا يميِّز بين الضحايا على أساس لوني، فكل حادث يقع يجب أن يجد الإدانة - مهما كانت دوافعه - من كل قوى المجتمع، وبغض النظر عن المنصات التي ينطلق منها المتعاطين مع الحدث..!

فإذا مَضَت هذه القضية الى أضابير التحري دون القبض على القتلة، فإنّ ذلك قد يفتح باباً يصعب إغلاقه.. فمن فَعَلَها سيألف هذه الطريقة للتخلص من خصومه السياسيين أو الشخصيين.. ومن ظن أنَّ شخصاً محدداً أو جهة معلومة قامت بذلك، سيختار ذات الطريقة للانتقام..!

إذاً خطورة الوضع وطبيعة الظرف تفرض على السلطات ألاّ تألو جهداً في الوصول للجُناة.

عملية الاغتيال التي تمّت للطالب محمد موسى عبد الله بكلية التربية جامعة الخرطوم، تُعتبر من القضايا التي يجب ألاّ تُسجّل ضد مجهولٍ، لأنَّ خانة الاتهام الشاغرة ستجد الكثيرين الذين سَيُسارعون للتبرع بملئها.. فعلى السلطات ألاّ تترك هذه المهمّة لغيرها..!

 

آراء