حول إفادات الأستاذ أحمد عبد الرحمن محمد عن مشروعية انقلاب الإنقاذ

 


 

 

حول إفادات الأستاذ أحمد عبد الرحمن محمد عن مشروعية انقلاب الإنقاذ على الأوضاع غير الديمقراطية

                  

mohamed ahmed [waqialla1234@yahoo.com]

الشيخ أحمد عبد الرحمن محمد سياسي ذو مصداقية عالية واستقلالية كبيرة في المواقف التي يتخذها ويدافع عنها ولا يتنكر لها من بعد.

 ومن ناحيتي الشخصية أعترف باني كنت في سابق دهري لا أنسجم مع المواقف السياسية التي يتخذها الأستاذ أحمد عبد الرحمن.

وقد كتبت في نقده في أوائل ثمانينيات القرن الماضي كلاما شديدا، اطلع عليه الأستاذ مهدي ابراهيم واطلعه عليه، وكان من تفضلهما أنهما لم يعترضا على نشره، ولكن أصحاب المجلة التي أرسل اليها المقال رفضوا نشر المقال لسبب آخر فسخطت عليهم.

 ولكني اليوم سعيد جدا وأحمد الله تعالى  أن ذلك المقال لم ينشر، لأني كنت سأكون بنشره قد أخطات خطا كبيرا في حق الأستاذ الشيخ  أحمد الذي كنت أراه في ذلك الزمان متساهلا في خطه السياسي العام.

ثم اطلعت على افادات قوية للشيخ احمد عبد الرحمن أدلى بها لإحدى الصحف اليومية، عن آخر ايام الصادق المهدي في الحكم، صور فيها مناخ الريب، والتآمر، والتربص، الذي دفع بمجلس شورى الحركة الإسلامية لكي يتخذ قرار الإنقلاب على الحكومة غير الديمقراطية التي كانت تتسيد على البلاد وتتقلب فيها وبها وتأتي فيها بالبدع المنكرات.

وأحمد عبد الرحمن شخص عفيف اللسان، ما عرف بالتطرف، ولا ابتدار العداوات والخصومات مع أحد، كائنا من كان.

 فهو معروف بعلاقاته وصداقاته العامرة مع معظم السياسيين، الذين يحترمهم ويبادلونه احتراما باحترام، ولذلك فهو يتحدث بأناة واحتراس شديد وبألفاظ محسوبة جيدا.

وقد كنت شخصيا في حاجة الى سماع شهادته في موضوع انقلاب الثلاثين من يونيو، لأنه هو الشخص الذي نرجو عنده فصل الخطاب، فهو لم يكن من أنصار الإنقلاب، ولا من مشجعي التقاطع مع المشهد السياسي العام، ولكنه صوت مع ذلك في اجتماع المجلس الشوري إياه لصالح مشروع الانقلاب.

 هذا ما ذكره الشيخ في إفادته لمحرر الصحيفة التي نشرت الموضوع، وقد أخبرنا أيضاً أن البروفسور الطيب زين العابدين، الذي ما زال يجادل ضد حكومة إنقاذ السودان، وشرعيتها، قد كان حاضرا في ذلك الإجتماع، ولكنه صوت مع شخص آخر ضد  مشروع قرار الانقلاب.

 والبروفسور زين العابدين شخص مبدئي جداً، وإن كنت أعجب أحيانا من محاولاته للتقرب من العلمانيين، وعَداة الإنقاذ، ولا أدري لماذا يفعل ذلك وما ضرورة ذلك؟!

ولكن يحمد للبروفسور أنه احتفظ بسر الإنقلاب، وما كان له إلا أن يفعل، وهو كما عرفناه، وعرفه الناس جميعا، اسم على مسمى، طيبٍ، وزينٍ للعابدين الصادقين.

وفي مجمل إفادته قال الأستاذ أحمد عبد الرحمن إنه ذهب بمعية بعض الحادبين إلى رئيس مجلس رأس الدولة أحمد الميرغني، رحمه الله، وسأله عن التشكيلة الحكومية الغريبة، التي أطلق عليها اسم حكومة القصر، وضمت فلول الشيوعيين وفلول القوى غير الممثلة في البرلمان، واستبعدت ممثلي ثالث أكبر كتلة في البرلمان، فقال له إنه لا علم له بها، و إنه لم يسمع بها إلا من الصحف. وأشار إلى أنها صنيعة من صنائع الصادق المهدي وميرغني النصري مجتمعين!

 فهل كان تكوين تلك الحكومة تصرفا صحيحا من الصادق المهدي، في ذلك الوقت، أم هو تصرف المذهول، الذي لا يدري ماذا يصنع؟

 وقد روى الأستاذ احمد عبد الرحمن في مناسبة أخرى، أنه ذهب إلى الصادق المهدي، وزوده ببعض الأفكار، ليقاوم بها تهديدات الجيش له، خلاصتها أن يستعين بتكتلات الأنصار، وجماهير الشعب، وأجهزة الإعلام كالإذاعة والتلفاز. وكالعادة كتب الصادق تلك الأفكار في ورقة، ووضعها مع أوراقه الكثيرة، التي لا عدد لها، ولم يفعل شيئا!!

 فهل كان نظام الصادق المهدي يستحق البقاء بعد ذلك التهاون طرفة عين؟!

أم كانت ستتخطفه القوى الإنقلابية المتعددة للبعثيين، والشيوعيين، والعنصريين، وتجعله أثرا بعد عين؟!

ومهما تكن هوية من يأتي بانقلاب، فضحاياه الجاهزة، هم الإسلاميون.

لقد كان الإسلاميون مرشحين حينها لكي يدفعوا ثمن تردي حكومات الصادق المهدي، التي كان يحلها الواحدة بعد الاخرى، ولا يحل نفسه معها، وكأنه رئيس جمهورية لا رئيس وزراء!

وكان الإسلاميون مرشحين لكي يدفعوا الثمن، لأن خصومهم غير الموضوعيين، حملوهم الوزر سلفا، وزعموا أنهم كانوا السبب في عدم كفاءة الصادق المهدي.

 وجارى الصادق المهدي نفسه ذلك الزعم، فزعم أن صحيفة كانت  يومية تدعى (ألوان)، هي السبب في عدم كفاءتة حكوماته، وعدم استقرارها، وانعدام إنجازاتها!

والثمن الذي كان الإسلاميون مرشحين لدفعه كان أقله أن يلقوا في غيابة السجن.

 وهذا ما أشار إليه الأستاذ احمد عبد الرحمن في حديثه، وهذا المصير هو من جنس المصير الذي لقيه الإسلاميون من الشيوعيين، وحلفائهم المايويين في عام 1969 م.

 وبذلك يمكن القول إن الإسلاميين قد أنقذوا بانقلاب 1989م أنفسهم من أن يلدغوا من جحر الجيش مرتين.

 ولولا ذلك فقد كان التاريخ حريا أن يسجل أن إسلاميي السودان هم أكبر مغفلي تاريخ السياسة على الإطلاق!

لقد أحسن المحرر الصحفي وأجاد حين استجوب الأستاذ أحمد عبد الرحمن في هذا الموضوع التاريخي المهم.

 وتلطف الأستاذ أحمد عبد الرحمن وأجاد حين قدم لنا هذه المرافعة القوية التي لا يوجد ما هو أقوى منها ولا يوجد ما يناقضها.

 

آراء